05-يوليو-2018

تورط نجيب رزاق بملفات فساد ضخمة (Getty)

هزت فضيحة صندوق التنمية الماليزي، التي تورط بها رئيس الوزراء الماليزي السابق، نجيب رزاق، الأوساط المالية في المنطقة وفي العالم، حيث تورط فيها إلى جانب نجيب، عدد من السياسيين والمؤسسات ورجال الأعمال في العالم، وبدأت تفاصيل هذه القضية تتكشف منذ أن فاز، مهاتير محمد، بالانتخابات الأخيرة في البلاد. وفي هذا التقرير المترجم عن وكالة بلومبيرغ الأمريكية، القصة الكاملة لما حدث.


كان من المفترض أن يجذب صندوق الاستثمار الحكومي في ماليزيا، والمعروف باسم صندوق التنمية الماليزي 1MDB، الاستثمارات الأجنبية. وبدلًا من ذلك، فقد حفز التحقيقات الجنائية والتنظيمية حول العالم إلى إلقاء الضوء على الصفقات المالية والإنفاق على الانتخابات والمحسوبية السياسية في عهد رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق. وحددت لجنة برلمانية ماليزية تورط ما لا يقل عن 4.2 مليار دولار في المعاملات غير القانونية التي تتعلق بصندوق التنمية الماليزي 1MDB. وقد أطيح بنجيب من السلطة في الانتخابات العامة التي جرت في أيار/ مايو الماضي، إذ أثارت الفضيحة رد فعل عنيف بين الناخبين، مما أنهى حكم حزبه الذي استمر 61 عامًا. واتهمت السلطات الماليزية في الـ 4 من شهر تموز/ يوليو نجيب بالإخلال بالثقة ذي الصفة الجنائية المتعلقة بالأموال ذات الصلة بصندوق 1MDB.

يعتبر الصندوق بمثابة شركة استثمارية حكومية - تُعرف باسم صندوق التنمية الماليزي (إم.دي. بي1) - أُسس في عام 2009 في عهد نجيب

1. ما هو صندوق التنمية الماليزي 1MDB؟

يعتبر الصندوق بمثابة شركة استثمارية حكومية - تُعرف باسم صندوق التنمية الماليزي (إم.دي. بي1) 1Malaysia Development Bhd - أُسس في عام 2009 في عهد نجيب، الذي تولى رئاسة مجلس إدارتها الاستشاري. وشملت مبادرته المبكرة شراء محطات توليد الطاقة المملوكة للقطاع الخاص والتخطيط لإنشاء منطقة مالية جديدة في كوالا لمبور. وقد أثبت الصندوق أنه الأفضل في مجال الاقتراض - فقد تمكن من جمع ديون بقيمة 12 مليار دولار - مما كان عليه في جذب الاستثمارات الكبيرة.

2. ما هي المشكلة؟

حاول المحققون تتبع الكيفية التي تدفقت بها الأموال من خلال صندوق التنمية الماليزي 1MDB وحوله بشكل غير قانوني إلى حسابات شخصية. وصرحت وزارة العدل الأمريكية أن أكثر من 4.5 مليار دولار تدفقت من الصندوق، من خلال شبكة معقدة من المعاملات الغامضة والشركات الوهمية الاحتيالية، لتمويل الإنفاق المُسرف من قبل المسؤولين الفاسدين وشركائهم. وزعمت أن قلة قليلة من الماليزيين، بقيادة رجل أعمال معروف باسم "لو تايك جو"، تمكنت من تحويل الأموال من صندوق التنمية الماليزي 1MDB إلى حسابات شخصية مُوِّهَت لتبدو وكأنها شركات مشروعة، ودفعت ببعض هذه الأموال إلى المسؤولين الحكوميين. ويقال إن بعض هذه الأموال انتهى بها المطاف مع نجيب وعائلته. ووفقًا للمدعي العام الأمريكي، فقد شمل ذلك مبلغ يُقدر بـ 681 مليون دولار أودعت في الحساب المصرفي الشخصي الخاص بنجيب. وقال المدعي العام الماليزي آنذاك، بدعم من السلطات السعودية في عام 2016، إن مبلغ الــ 681 مليون دولار كان تبرعًا من العائلة الملكية السعودية، وقد أُعيد جزء كبير منه. بينما يقول المحققون الأمريكيون عكس ذلك، وهو أن الأموال جاءت من جهة خارجية يُزعم أن رجل الأعمال الماليزي لو هو من يسيطر عليها، وقد أُعيدت إلى نفس الجهة.

اقرأ/ي أيضًا: عودة "الثعلب العجوز".. كيف فاز مهاتير محمد وما المتوقع في عهده؟

3. ما هي الجهات التي تُجري التحقيقات؟

تُجرى تحقيقات تتعلق بصندوق التنمية الماليزي 1MDB في 10 دول على الأقل، تركز على احتمال حدوث عمليات اختلاس أو غسل الأموال. تسعى وزارة العدل الأمريكية لمُصادرة أصول تصل قيمتها إلى 1.7 مليار دولار، تقول إنه تم الحصول عليها بطرق غير قانونية من خلال تحويل الأموال من صندوق التنمية الماليزي 1MDB، والتي تشمل العقارات والأعمال الفنية واليخوت الفاخرة وعائدات فيلم "وولف أوف وول ستريت" (إلا أنها تمكنت من عقد تسوية بقيمة 60 مليون دولار مع منتج ذلك الفيلم). وقد فرضت سنغافورة وسويسرا عقوبات مالية على العديد من البنوك بسبب الثغرات في الضوابط المتعلقة بمكافحة غسل الأموال فيما يخص الأموال المزعومة من صندوق 1MDB، ووفقًا لما ذكره مكتب التحقيقات الفيدرالي، فقد كان الشهود المُحتملون خائفين للغاية من التحدث إلى المحققين الأمريكيين لأنهم يخشون تعرضهم إلى إجراءات انتقامية، كما سعت الحكومة الماليزية الجديدة إلى إعادة التحقيقات الخاصة بها مجددًا، بعد أن أصرت الإدارة السابقة التي تورطت في فضيحة صندوق 1MDB على أن جميع الأموال قد تم التأكد من مصدرها.

حاول المحققون تتبع الكيفية التي تدفقت بها الأموال من خلال صندوق التنمية الماليزي 1MDB وحوله بشكل غير قانوني إلى حسابات شخصية

4. ما الذي حدث منذ الانتخابات؟

أثناء الحملة الانتخابية، انتقد زعيم المعارضة مهاتير محمد نجيب ووصفه بأنه "لص". وخلال أيام من توليه منصب رئيس الوزراء، منع مهاتير البالغ من العمر 92 عامًا نجيب من مغادرة ماليزيا وقال إنه سيعيد فتح التحقيق في قضية الكسب غير المشروع ضد صندوق التنمية الماليزي 1MDB بهدف استرداد مليارات الدولارات من الأموال المفقودة. واستبدل النائب العام الذي برأ نجيب من التهم المنسوبة إليه في عام 2016، وأصدر تعليماته إلى النائب العام الجديد بإلغاء السرية عن تقرير صندوق 1MDB الذي تم حمايته بموجب قانون الأسرار الرسمية. وقيمت الشرطة السلع الكمالية والنقود التي صودرت من أماكن مختلفة مرتبطة بنجيب بنحو 1.1 مليار رينغيت (أي ما يُعادل 272 مليون دولار). وقد استجوب مسؤولو مكافحة الكسب غير المشروع زوجته وربيبه، وكذلك كبار المسؤولين الإداريين السابقين. وكما قال مهاتير مؤخرًا: "إذا قال القانون إن نجيب قد فعل شيئًا خاطئًا، فعندئذ سيتعين عليه تحمل العواقب".

5. ماذا يقول نجيب؟

أنكر نجيب باستمرار ارتكابه لأي مخالفات. وفي مقطع فيديو نُشر على حسابه الشخصي على موقع تويتر في الـ 3 من شهر تموز/ يوليو، صرح نجيب بأنه ليس جميع الاتهامات الموجهة إليه صحيحة وأنه سيدافع عن نفسه. وفي حديثه قبل أسابيع من الانتخابات، اعترف نجيب بأن صندوق التنمية الماليزي 1MDB قد ألحق "بعض الضرر بسمعة" ماليزيا. وقال عنه " كنت أود ألا أنخرط في هذا النوع من نماذج الأعمال التجارية، وربما علي أن أحرص على تشديد الرقابة". وأردف قائلًا، "لكننا جميعًا نتعلم من أخطائنا". وواجه نجيب ثلاث تهم تتعلق بالإخلال بالثقة ذي الصفة الجنائية، وتهمة واحدة بموجب قانون مكافحة الفساد، ويمكن أن يواجه عقوبة بالحبس لما يصل إلى 20 عامًا وتغريمه. وأنكر رئيس الوزراء السابق التهم المنسوبة إليه ويسعى إلى الحصول على محاكمة واحدة على جميع التهم الموجهة إليه.

اقرأ/ي أيضًا: في 5 أسئلة.. كل ما تريد معرفته عن انتخابات ماليزيا 2018

6. ما هي الخطوة القادمة، وما أهميتها؟

تُمثل التهم الموجهة إلى نجيب بداية معركة الحكومة الماليزية الجديدة لاستعادة أموال صندوق التنمية الماليزي 1MDB المفقودة، وتقديم المسؤولين عن اقتناص الأموال العامة إلى العدالة. فقد تعهد المحققون في ماليزيا بالتعاون مع غيرهم من المحققين على مستوى العالم بينما يحاولون معرفة الكيفية التي تم من خلالها اختلاس مليارات الدولارات وغسلها عن طريق المراكز المالية الرئيسية في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. يمكن لتلك النتائج أن تحدد، وتساعد في إغلاق الثغرات الموجودة في النظام المالي العالمي التي تُمهد الطريق أمام الفساد.

7. من المتورط في الأمر أيضاً؟

على الرغم من أنهم لم يتهموا جميعًا بالقيام بأي شيء خاطئ، إلا أن الممولين والشركات المالية وجدوا أنفسهم جزءًا من ملحمة صندوق التنمية الماليزي 1MDB:

●   يصف ممثلو الادعاء الأمريكيون، المستثمر الماليزي، لو تايك جو، المعروف باسم جو لو، الذي قال إنه قام ببعض الأعمال الاستشارية لصالح صندوق التنمية الماليزي 1MDB، بأنه الشخصية الرئيسية التي أسست الشركات الوهمية لجمع العائدات من الصندوق ونظمت عمليات سحب عشرات الملايين من الدولارات التي استخدمت في الدفع للمسؤولين في الحكومة الماليزية ولتحمل تكاليف نفقاته المُسرفة. وقال لو الذي يلاحقه المسؤولون الماليزيون لاستجوابه، ويوصف بأنه "شخص رئيسي ذو أهمية" في سنغافورة، في شهر حزيران/ يونيو أنه أصدر تعليمات لمحاميه بالاتصال بلجنة مكافحة الفساد الماليزية للمساعدة في التحقيق. وكان قد نفى في السابق ارتكابه لأي مخالفات.

●   شارك ريزا أزيز، وهو ربيب نجيب وصديق لو، في تأسيس شركة إنتاج الأفلام التي دفعت 60 مليون دولار لتسوية مطالبة وزارة العدل الأمريكية المتعلقة بزعمها أن شركته مولت إنتاج فيلم "وولف أوف وول ستريت"، بأموال حولت من صندوق التنمية الماليزي 1MDB.

●   حققت مؤسسة غولدمان ساكس الأمريكية للخدمات المالية، والاستثمارية أرباح تقدر بمبلغ 593 مليون دولار نتيجة للعمل على ثلاثة مبيعات للسندات التي جمعت مبلغ 6.5 مليار دولار لصالح صندوق التنمية الماليزي 1MDB في عامي 2012 و2013، مما جعل العائدات التي تحققها البنوك عادة من تلك الصفقات الحكومية تبدو ضئيلة للغاية. وصرحت المؤسسة في عام 2015 أن الرسوم والعمولات التي حصلت عليها "تعكس مخاطر الاكتتاب" التي أخذته على عاتقها. يقول مهاتير إن ماليزيا تسعى إلى استرداد بعض هذه الرسوم.

●   مُنع تيم ليسنر، رئيس مؤسسة جولدمان السابق لمنطقة جنوب شرق آسيا والمصرفي الرئيسي المُتخصص في إدارة سندات صندوق التنمية الماليزي 1MDB، من ممارسة مهنته في قطاع المال العالمي في الولايات المتحدة وسنغافورة. كما يوجه المدعون العامون في ماليزيا وسنغافورة اهتمامهم إلى روجر إنج، مساعد ليسنر، الذي قدم العديد من الأطراف المركزية في هذه الفضيحة إلى بعضهم البعض، كما يقول أشخاص مطلعون على المسألة. وأضافوا أن السلطات الماليزية تُعد مذكرة توقيف في حق إنج.

●   استقال محافظ البنك المركزي الماليزي، محمد إبراهيم من منصبه في الوقت الذي تزايدت فيه الشكوك حول الدور الذي لعبته السلطة النقدية في صفقة شراء الأراضي من حكومة نجيب، والتي استخدمت بدورها العائدات لدفع دين صندوق التنمية الماليزي 1MDB. ونفى محمد أن الأموال المُحصلة من تلك الصفقة استخدمت في مساعدة الصندوق "على نحو متعمد، أو أنه شارك في الجرائم المتعلقة باختلاس الأموال العامة".

●   فرض البنك المركزي السنغافوري عقوبات على شركة الخدمات المالية يو بي إس UBS Group AG، وشركة DBS Group Holdings Ltd، ومصرفي كريدي سويس Credit Suisse Group AG، ويونايتد أوفرسيز بنك United Overseas Bank Ltd، وشركة ستاندرد تشارترد ش.ع.م Standard Chartered Plc من بين شركات ومؤسسات مالية أُخرى، لانتهاكهم قواعد مكافحة غسل الأموال الخاصة بالمعاملات المرتبطة بفضيحة صندوق التنمية الماليزي 1MDB. وصرحوا بأنهم سيعملون على تعزيز الضوابط الخاصة بأعمالهم.

●   صدر أمر إلى فالكون برايفت بنك ليمتد للخدمات المصرفية الخاصة، الذي يتخذ من مدينة زيوريخ مقرًا له والمتورط في التعامل بمبلغ 3.8 مليار دولار من تدفقات أموال صندوق التنمية الماليزي 1MDB، بوقف العمليات في سنغافورة في حين هددت سويسرا بسحب ترخيصها في حالة حدوث أي انتهاكات أخرى لقواعد غسل الأموال.

●   فقد بنك بي اس أي اس أيه «BSI SA» السويسري الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى 143 عامًا وتورط في العمل مع صندوق 1MDB، ترخيصه للقيام بالأعمال في سنغافورة بسبب مخالفة قواعد غسل الأموال.

●   ستقوم الجهة التنظيمية المالية في سويسرا بإجراء مراجعة تفصيلية للضوابط الخاصة بمكافحة غسل الأموال في جي بي مورغان تشيس وشركائه JPMorgan Chase & Co. بعد أن وجدت أن البنك قد خالف القواعد بشكل خطير في تعامله مع صندوق 1MDB.

●   منعت سنغافورة على الأقل ثمانية متخصصين ماليين من ممارسة مهنهم، عقب ثبوت تورطهم في أعمال تتعلق بصندوق 1MDB.

●   توصلت وزارة المالية الماليزية ووزارة التنمية الإدارية إلى تسوية بقيمة 1.2 مليار دولار مع صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي بسبب نزاع على الديون وسددت المبالغ المستحقة في العام الماضي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

قانون الأخبار الكاذبة في ماليزيا.. مهاتير محمد أول الضحايا

عيد الفطر في ماليزيا بالصور.. اجتماع إسلامي وعربي واسع