19-سبتمبر-2023
باكستان وحرب أوكرانيا

سمح القرض الطارئ للحكومة الباكستانية الجديدة بتأجيل الكارثة الاقتصادية التي تلوح في الأفق

كشفت وثائق أمريكية مُسربة، عن تورط باكستاني في الحرب بأوكرانيا، وذلك عبر بيع أسلحة بشكل سري للولايات المتحدة، نقلت إلى أوكرانيا، مقابل تسهيل خطة إنقاذ مثيرة للجدل من صندوق النقد الدولي.

وبحسب مصادر مطلعة، تحدثت لموقع "The Intercept" الأمريكي، عن وثائق حكومية باكستانية وأمريكية داخلية، أشارت إلى أن الصفقة حدثت بغرض إمداد الجيش الأوكراني بالأسلحة، مما يشير إلى تورط باكستان في صراع، بعد أن واجهت ضغوطًا أمريكية للانحياز إلى أحد أطراف القتال.

دعم مقابل قرض

أدت الإصلاحات الهيكلية القاسية التي طالب بها صندوق النقد الدولي، في ظل شروط خطة الإنقاذ الأخيرة إلى إطلاق جولة من الاحتجاجات في البلاد، ووقعت اضطرابات واسعة في جميع أنحاء باكستان، في الأسابيع الأخيرة، ردًا على هذه الإجراءات. وتعتبر الاحتجاجات هي الفصل الأخير في أزمة سياسية مستمرة منذ عام ونصف تعصف بالبلاد. 

تكشف الوثائق عن توافق بين إسلام أباد وواشنطن، من أجل توريد الأسلحة لكييف، مقابل الدعم الأمريكي لباكستان

ففي نيسان/أبريل 2022، ساعد الجيش الباكستاني، بتشجيع من الولايات المتحدة، في تنظيم تصويت لحجب الثقة لإقالة رئيس الوزراء عمران خان.

دعوات للإطاحة بخان

وكشفت وثائق سرية، أن وزارة الخارجية الأمريكية، من خلال مستويات دبلوماسية فيها، أعربت سرًا عن واشنطن، بشأن موقف باكستان "المحايد" في حرب أوكرانيا، خلال عهد خان، وذلك عبر أحاديث مع وزارة الخارجية الباكستانية.

وبحسب الموقع الأمريكي، فإن هذه الأحاديث، حذرت من العواقب الوخيمة، من بقاء خان في السلطة، مع وعود "بأن كل شيء سيتغير" إذا تمت إقالته.

قمع واسع

ومنذ الإطاحة بخان، برزت باكستان باعتبارها داعمًا مهمًا للولايات المتحدة وحلفائها في الحرب بأوكرانيا، وهو الدعم الذي تم سداده بقرض من صندوق النقد الدولي. 

وسمح القرض الطارئ للحكومة الباكستانية الجديدة بتأجيل الكارثة الاقتصادية التي تلوح في الأفق، وتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، واستغلت الوضع لشن حملة قمع شاملة على قوى المجتمع المدني، وقامت بسجن رئيس الوزراء السابق، في ظل التزام الولايات المتحدة الصمت أمام حملة القمع التي يقودها الجيش الباكستاني.

ويقول الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط والمختص في شؤون باكستان، عارف رفيق، لموقع "The Intercept": "قد تكون الديمقراطية الباكستانية في نهاية المطاف ضحية للهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا".

getty

شركات أسلحة أمريكية

تُعرف باكستان بأنها مركز إنتاج لأنواع الذخائر اللازمة للحرب الطاحنة، وبينما تعاني أوكرانيا من النقص المزمن في الذخائر والمعدات، ظهر وجود قذائف باكستانية الصنع، وغيرها من المعدات العسكرية الأوكرانية في تقارير إخبارية مفتوحة المصدر حول الصراع، على الرغم من عدم اعتراف الولايات المتحدة أو باكستان بهذا الأمر.

وتم تسريب سجلات  توضح تفاصيل معاملات متعلقة بالأسلحة إلى الموقع الأمريكي في وقتٍ سابق من هذا العام، من قبل مصدر داخل الجيش الباكستاني.

وتصف الوثائق، مبيعات الذخائر المتفق عليها بين الولايات المتحدة وباكستان من صيف 2022 إلى ربيع 2023. وتم التأكد من صحة بعض الوثائق من خلال مطابقة توقيع عميد أمريكي على سجلات الرهن العقاري المتاحة للجمهور في الولايات المتحدة. وبالمطابقة مع الوثائق  الباكستانية والأمريكية المقابلة لها، ومن خلال مراجعة الإفصاحات الباكستانية المتاحة للجمهور عن مبيعات الأسلحة إلى الولايات المتحدة، والتي نشرها بنك الدولة الباكستاني.

ووفقًا للوثائق، تم التوسط في صفقات الأسلحة من قبل شركة "Global Military Products"، وهي فرع تابع لشركة "Global Ordnance"، وهي شركة أسلحة مثير للجدل، كانت لها علاقاته مع شخصيات سمعتها سيئة في أوكرانيا، وكانت مادة لمقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرًا .

كما تحدد الوثائق مسار الأموال، والمحادثات مع المسؤولين الأمريكيين، والعقود الأمريكية والباكستانية، والتراخيص، ووثائق الطلبات المتعلقة بالصفقات التي توسطت فيها الولايات المتحدة لشراء أسلحة باكستانية لأوكرانيا.

اجتماعات أمريكية باكستانية

وكشف تحقيق موقع The Intercept، أن السفير الباكستاني لدى الولايات المتحدة مسعود خان، اجتمع مع مساعد وزير الخارجية دونالد لو، في مبنى وزارة الخارجية بالعاصمة واشنطن، أيار/مايو، لعقد اجتماع حول كيفية تعزيز وضع باكستان المالي بالنسبة لصندوق النقد الدولي، عبر مبيعات الأسلحة الباكستانية إلى أوكرانيا. 

وكان الهدف من الاجتماع، هو مناقشة تفاصيل الترتيبات قبل الاجتماع القادم في إسلام آباد، بين السفير الأمريكي لدى باكستان دونالد بلوم، ووزير المالية آنذاك إسحاق دار.

وقال الدبلوماسي الأمريكي للسفير الباكستاني، خلال الاجتماع، إن الولايات المتحدة وافقت على دفع تكاليف إنتاج الذخائر الباكستانية، وستخبر صندوق النقد الدولي بشكل سري عن البرنامج. 

واعترف لو بأن الباكستانيين يعتقدون أن مساهمات الأسلحة تبلغ قيمتها 900 مليون دولار، وهو ما سيساعد على سد الفجوة المتبقية في التمويل الذي يطلبه صندوق النقد الدولي، والمقدر بحوالي 2 مليار دولار. وقال لخان إن الرقم الدقيق الذي سترسله الولايات المتحدة إلى صندوق النقد الدولي لا يزال قيد التفاوض.

وفي اجتماع التالي، طرح سؤال حول موضوع صندوق النقد الدولي مع السفير الأمريكي، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "باكستان اليوم"، التي قالت إن "الاجتماع سلط الضوء على أهمية معالجة اتفاق صندوق النقد الدولي المتعثر، وإيجاد حلول فعالة للتحديات الاقتصادية التي تواجهها باكستان".

getty

نفي باكستاني

وبعد الكشف عن الصفقة، أصدرت وزارة الخارجية الباكستانية، بيانًا، جاء فيه، إن "المقال ملفق، ولا أساس له من الصحة". 

وقال المتحدث باسم الخارجية الباكستانية، إن "خطة الإنقاذ تم التفاوض عليها بنجاح بين باكستان وصندوق النقد الدولي، لتنفيذ إصلاحات اقتصادية صعبة، ولكنها أساسية".  

وأضاف: "إعطاء أي لون آخر لهذه المفاوضات هو أمر مخادع"، وتابع المتحدث: "تلتزم باكستان بسياسة الحياد الصارم في النزاع بين أوكرانيا وروسيا، وفي هذا السياق، لا تقدم لهم أي أسلحة أو ذخيرة. إن الصادرات الدفاعية الباكستانية تكون دائمًا مصحوبة بمتطلبات صارمة للمستخدم النهائي".

كما نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، أن يكون للولايات المتحدة أي دور في المساعدة في الحصول على القرض، قائلًا: إن "المفاوضات بشأن مراجعة صندوق النقد الدولي كانت محل نقاش بين باكستان ومسؤولي صندوق النقد الدولي، ولم تكن الولايات المتحدة طرفًا في تلك المناقشات".

من جهته، نفى المتحدث باسم صندوق النقد الدولي تعرض المؤسسة لضغوط، لكنه لم يعلق على ما إذا كانت قد تم أخذ الأمر على محمل الثقة بشأن برنامج الأسلحة. 

وقالت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي رندة النجار: "ننفي بشكل قاطع الادعاء بوجود أي ضغوط خارجية على صندوق النقد الدولي بطريقة أو بأخرى أثناء مناقشة الدعم لباكستان". في حين لم رفضت شركة "Global Ordnance"، المشاركة في صفقة الأسلحة، طلب التعليق على المعلومات المسربة.

اعتراف أمريكي

ويتناقض نفي الخارجية الباكستانية، مع ما صرح به في وقتٍ سابق من هذا الشهر، السيناتور الديمقراطي عن ولاية ميريلاند، كريس فان هولين، وهو صوت بارز في واشنطن فيما يتعلق بالشؤون الخارجية. إذ تحدث فان هولين، قائلًا: "لقد لعبت الولايات المتحدة دورًا فعالًا للغاية في التأكد من أن صندوق النقد الدولي قدم مساعداته الاقتصادية الطارئة" بخصوص باكستان. 

يتناقض نفي الخارجية الباكستانية، مع ما صرح به في وقتٍ سابق من هذا الشهر، السيناتور الديمقراطي عن ولاية ميريلاند، كريس فان هولين

وفي مقابلة مع موقع "The Intercept" في مبنى الكابيتول، الثلاثاء الماضي، قال فان هولين، إن معرفته بالدور الأمريكي في "تسهيل قرض صندوق النقد الدولي، جاءت مباشرة من إدارة بايدن"، وأضاف: "ما أفهمه، استنادًا إلى المحادثات التي أجريت مع أشخاص في الإدارة، هو أننا دعمنا حزمة قروض صندوق النقد الدولي نظرًا للوضع الاقتصادي اليائس في باكستان". 

جهود عسكر باكستان

ظلت مسألة كيفية تغلب باكستان على عوائق التمويل لغزًا حتى بالنسبة لأولئك الذين يتابعون الوضع مهنيًا. وأشار الخبير في الشؤون الباكستانية، عارف رفيق، إلى أن "صندوق النقد الدولي يصدر محاسبة عامة عن مراجعاته، لكن القيام بذلك إذا كان التمويل يتعلق بمشاريع عسكرية سرية، يمثل تحديًا غير عادي". 

وأضاف: "باكستان بلد غريب للغاية، من نواحٍ عديدة، لكنني لا أعرف كيف يمكن لبرنامج عسكري سري أن يدخل في حساباتهم، لأن كل شيء من المفترض أن يكون مفتوحًا".