04-ديسمبر-2018

يشهد البرلمان العراقي خلافات حادة (رويترز)

مع انطلاق الجلسة البرلمانية المرتقبة للتصويت على تسمية المكلفين بإدارة ثماني وزارات شاغرة في الحكومة العراقية، كشفت وثيقة مسربة تحمل توقيع رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، عن أسماء المرشحين للمناصب في جلسة الثلاثاء الرابع من كانون الأول/ديسمبر.

قدمت الوثيقة فالح الفياض وهو مقرب من إيران لتسلم وزارة الداخلية، وفيصل فنر الجربا لتسلم وزارة الدفاع وهو عن ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي

وأعلن مجلس النواب في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء، عزمه عقد الجلسة، للتصويت على استكمال الكابينة الحكومية، فيما حدد الساعة 12 ظهرًا كموعد لعقدها، لكن رئاسة البرلمان تفشل في عقد "الجلسات الحساسة" في التوقيت المحدد، حيث تعطل مفاوضات الكواليس اكتمال النصاب غالبًا.

وأكد عبد المهدي بحسب الوثيقة التي حصل "ألترا صوت" على نسخة منها، اجتياز الأسماء الثمانية المرشحة اختبار النزاهة وهيئة المساءلة والعدالة، فيما أشار إلى أنه أخذ بعين الاعتبار اختيار أفضل ما تم تقديمه له من قبل الكتل السياسية، "دون استبعاد جهة أو مناصرة أخرى".

قدمت الوثيقة فالح الفياض وهو مقرب من إيران لتسلم وزارة الداخلية، وفيصل فنر الجربا لتسلم وزارة الدفاع وهو عن ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي، ونوري الدليمي عن الحزب الإسلامي لوزارة التخطيط، وقصي السهيل عن دولة القانون بزعامة المالكي لوزارة التعليم العالي.

اقرأ/ي أيضًا: غابة السلاح في العراق.. العنف الذي لا تحتكره الدولة!

ورشح عبد المهدي، صبا الطائي لوزارة التربية عن المشروع العربي بزعامة خميس الخنجر، ودارا نور الدين لوزارة العدل عن المكون الكردي، وهالة كوكركيس وهي مسيحية لوزارة الهجرة والمهجرين، فيما عرض عبد الأمير الحمداني لوزارة الثقافة.

يُذكر أن قرار عبد المهدي باعتماد تلك الأسماء جاء بعد قطع اتصالاته لمدة 24 ساعة، كما أشار هو وفق الوثيقة التي لم تؤكدها أو تنفها الحكومة، مبينًا أن "ذلك يأتي للابتعاد عن أي ضغوطات خارجية، والخروج بقائمة مفضلة من بين جميع المرشحين للوزارات".

الخلاف الشيعي

جاء تسريب الوثيقة بعد ساعات من رسالة شديدة اللهجة تلقاها رئيس الحكومة عادل عبد المهدي من رجل الدين الشيعي وزعيم تحالف "سائرون"، مقتدى الصدر، في ظل تصاعد الحديث عن "انهيار وشكيك" للتوافق بين الأخير وهادي العامري زعيم تحالف "الفتح"، الذي أثمر عن تسمية عبد المهدي لرئاسة الحكومة.

يتمحور الخلاف بين الزعيمين الشيعيين، حول مرشحي وزارتي الداخلية والدفاع، إذ يرفض الصدر منح الوزارتين لمرشحي الأحزاب وخاصة "فالح الفياض المقرب من طهران ويطالب بمستقلين، وهو ما أكده في بيانه الأخير حين طالب رئيس الحكومة بتقديم مرشحين من "القادة الشجعان الذين حرروا الأراضي المغتصبة من (داعش) الإرهابي بوصفهم أولى بهذه المناصب".

وحذر الصدر عبد المهدي من "الانصياع إلى ما يجري خلف الكواليس، من تقاسم المناصب وما إلى غير ذلك"، داعيًا إياه إلى أن "يكون حرًا"، دون "التسويف" في إكمال التشكيلة الحكومية، متعهدًا بدعمه في حال "نجح بوضع الأسس الصحيحة، والنجاح في توفير الخدمات الضرورية للشعب المحروم منها، وحماية الحدود وإعادة العراق إلى حاضنته العربية والإقليمية والدولية".

مع مضي عبد المهدي بتقديم الفياض مرشحًا لوزارة الداخلية والجربا للدفاع، فإن ذلك قد يعني خسارة دعم الصدر في المرحلة المقبلة، ولجوء الأخير إلى "معارضة الحكومة"، كما هدد وفق بيانه الأخير، وسلوك "طريقة خاصة لتقويم الحكومة"، على حد وصفه، في حال فشل رئيس الحكومة بإثبات نجاحه خلال ستة أشهر.

ويحذر مراقبون من أزمة سياسية، بعد طرح ذات الأسماء المرشحة، التي لم يتم تمريرها من قبل كتل سائرون والنصر والحكمة والوطنية في جلسة منح الثقة، لاسيما في ظل وجود خلاف داخلي بين السنة والكرد بشأنها، بل وحتى بين المسيحيين، حيث هددت كتلة بابليون وهي مسيحية مقربة من الحشد الشعبي، بتقديم شكوى إلى الفاتيكان، ضد بطريرك الكلدان الكاثوليك، لويس روفائيل ساكو، بتهمة التدخل في العمل السياسي وطرح "هالة كوركيس" مرشحًة لوزارة الهجرة.

الخلاف السني

في آخر تطور على مستوى القوى السنية التي تنقسم بين تحالفي "البناء" و"الإصلاح والإعمار"، حيث فشلت تلك القوى بحسم مرشحين لوزارتي الدفاع والتربية، عقد المحور الوطني الذي يتألف من كتل وأحزاب سنية، اجتماعًا طارئًا قبل ساعات من جلسة البرلمان، لبحث مسألة ترشح فيصل فنر الجربا إلى وزارة الدفاع، حيث رشّحه تحالف الوطنية بزعامة إياد علاوي، وهو ما يراه تحالف المحور الوطني تجاوزًا على حصة المكون السني الذي يقول إنه يمثله.

ويرى النائب السني السابق عبد الرحمن اللويزي، أن الخلاف السني هو "انعكاس" للأزمة الخليجية، مشيرًا في تصريحات صحافية إلى أن المرشحين الأبرز لمنصب وزير الدفاع هما "فيصل الجربا، وسليم الجبوري"، مؤكدًا أن "الجربا يحظى بدعم سعودي".

أما بشأن التربية، فترى بعض القوى السنية أن الحقيبة من حصة المشروع العربي بزعامة خميس الخنجر، والذي يعدّ جزءًا من كتلة البناء، وسط مطالبات قوى أخرى بمنح الوزارة إلى تحالف القرار بزعامة أسامة النجيفي، المنضوي في تحالف الإصلاح والإعمار.

الخلاف الكردي

بالنظر إلى البيت الكردي، فإن الحال ليس بأفضل، حيث لم يتوصل الحزبان الكرديان الرئيسيان على توافق سياسي، حيث يصر الحزب الديمقراطي الكردستاني على منصب وزاري ثالث بعد نيل حقيبتي المالية والإعمار والإسكان، في حين يسعى الوطني الكردستاني إلى وزارة العدل كحقيبة كردية ثالثة في حكومة عبد المهدي.

ويشدد الديمقراطي على لسان القيادي فيه محسن السعدون، أن الحقيبة من حصته وفق الاستحقاق الانتخابي، خاصة وأن الوطني نال استحقاقه بعد انتخاب مرشحه برهم صالح رئيسًا للجمهورية، مؤكدًا أن حزبه لن يفاوض على المنصب حتى لو كان مقابل مناصب أخرى سواء في الحكومة الاتحادية، أو حكومة إقليم كردستان.

اقرأ/ي أيضًا: آفاق حراك الصدريين.. فسحة لبناء عراق مدني!

في حال نجح الاتحاد الوطني الكردستاني، بنيل منصب وزير العدل في الحكومة الاتحادية، فإن وزارة الهجرة والمهجرين ستذهب إلى الديمقراطي الكردستاني، كما تشير مصادر سياسية، على أن يحصل المكوّن المسيحي على وزارة الثقافة، التي هي من حصة حركة "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، بالاعتماد على مفاوضات قد تقنع الأخير باستبدال الوزارة بمنصب آخر من الدرجات الخاصة.

يحذر مراقبون من أزمة سياسية، بعد طرح ذات الأسماء المرشحة للحكومة، التي لم يتم تمريرها من قبل كتل سائرون والنصر والحكمة والوطنية في جلسة منح الثقة

خيارات عبد المهدي

مع كل تلك التعقيدات، فإن عبد المهدي سيكون أمام "اختبار صعب" في البرلمان بعد انتهاء "ليلة المخاض" على حد وصف النائبة السابقة وزعيمة حركة إرادة، حنان الفتلاوي، التي تساءلت في تغريدة لها إن كانت ولادة الوزارات الثماني "يسيرة أم متعسرة بمضاعفات كبيرة".

وبحسب سياسيين ومراقبين، فإن رئيس الحكومة سيكون أمام أمرين في مسألة تمرير بقية الكابينة الوزارية، هما إما تمرير 5 إلى 6 وزراء متفق عليهم بين الكتل السياسية، وإرجاء التصويت على الوزارات التي يشتد الخلاف حولها ومن بينها الدفاع والداخلية إلى وقت آخر، أو الاعتماد على قناعات النواب بشأن الأسماء المرشحة.

وسيعرض عادل عبد المهدي، مرشحيه على البرلمان ظهر اليوم الثلاثاء 4 كانون الأول/ديسمبر، بغياب التوافق السياسي، وهو شرط أكدت العادة ضرورة تحققه لتمرير الحكومات منذ سقوط النظام السابق في 2003، ودون أن يكون خيار الاستقالة حاضرًا، كما أكد هو وفقًا للوثيقة المسربة حين قال إن "البعض يعتقدون أنهم بممارستهم الضغط يستطيعون دفعنا للاستقالة، هؤلاء مخطئون بالمطلق".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

معركة التكنوقراط في العراق.. المحاصصة توحد الأضداد

احتمالات مقتدى الصدر الشاسعة.. هدم جدار المنطقة الخضراء أم الاعتصام أمامه؟