17-يناير-2021

يؤيد أرمين لاشيت معظم سياسات ميركل (Getty)

صوت مئات المندوبين عن حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا على اختيار رئيس حكومة ولاية شمال الراين- ويستفاليا، أرمين لاشيت، رئيسًا للحزب، وذلك بعد أقل من عامين على اختيار الحزب المصنف ضمن أحزاب يمين الوسط أنيغريت كرامب-كارنباور لخلافة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في منصبها برئاسة الحزب، والحكومة الألمانية الاتحادية معًا، قبل أن تقدم استقالتها ردًا على الانتقادات التي واجهتها بسبب انتخابات ولاية تورينغن المحلية التي نجم عنها تحالف الحزب الديمقراطي الحر مع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي.

صوت مئات المندوبين عن حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا على اختيار رئيس حكومة ولاية شمال الراين- ويستفاليا، أرمين لاشيت، رئيسًا للحزب

المسيحي الديمقراطي يختار خليفة كرامب-كارنباور

كانت مجمل التوقعات تصب في خانة اختيار كرامب-كارنباور كخليفة محتملة لميركل في منصب المستشارية، بعدما أعلنت ميركل المعروفة في ألمانيا بـ"المرأة الحديدية" عدم ترشحها لمنصب رئاسة الحزب والمستشارية، على خلفية خسارة المسيحي الديمقراطي لانتخابات البرلمان المحلي في ولاية هيسن في عام 2018، إلا أن استقالة كرامب-كارنباور من منصبها، دفعت بالحزب لاختيار لاشيت خليفة لها، والذي يُنظر إليه على أنه المرشح الأوفر حظًا لخوض الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في أيلول/سبتمبر القادم.

اقرأ/ي أيضًا: هجمات يمينية متصاعدة على السياسيين في ألمانيا

وتمكن لاشيت من حسم الانتخابات التي أجراها الديمقراطي المسيحي رقميًا يوم السبت، بعد حصوله على 521 صوتًا في مقابل حصول الرئيس السابق للكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي في البرلمان الألماني – المعروف عنه تأييده لسياسات اليمين المحافظ –فريدريك ميرتس على 466 صوتًا، بمشاركة 1001 مندوبًا في جولة الإعادة للانتخابات، بعدما كانت الجولة الأولى قد سجلت خروج رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني نوربرت روتغن من دائرة المنافسة على المنصب.

وفيما تشير الترجيحات إلى أن لاشيت سيكون مرشح الديمقراطي المسيحي الأوفر حظًا لمنصب المستشارية في الحكومة الألمانية القادمة، فإنه لا يزال عليه الحصول على موافقة الديمقراطي المسيحي إلى جانب شقيقه حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، بحسب ما أشار لاشيت في تصريحات صحفية مؤكدًا على أن الحزبين سيختاران مرشحهما معًا لمنصب المستشارية في نيسان/أبريل القادم.

ويُنظر في الوقت الراهن إلى زعيم الاتحاد الاجتماعي ورئيس وزراء ولاية بافاريا ماركوس سودر على أنه المرشح المحتمل لمنافسة لاشيت على منصب المستشارية، بعدما أظهر استطلاع للرأي اعتقاد 54 بالمائة من الألمان أن لديه القدرة على أن يصبح مستشارًا، في 28 بالمائة من الأصوات ل لاشيت، الذي تخلف في الاستطلاع عن زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي ووزير المالية الحالي أولاف شولتش الحاصل على 45 بالمائة من أصوات الألمان الذين شملهم الاستطلاع.

وإضافة إلى سودر وشولتس فإن الترجيحات تتحدث عن مواجهة لاشيت منافسة من أحد الرئيسين المشتركين لحزب الخضر أنالينا بيربوك أو روبرت هابيك اللذين ينتظران اختيار الخضر أحدهما للمنافسة على منصب المستشارية، ويحتل حزب الخضر المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي بنسبة 20.5 بالمائة في مقابل 28.9 بالمائة للمسيحي الديمقراطي الحاكم، وبحسب صحيفة الغارديان البريطانية فإن لاشيت يبدو المرشح المثالي لإنشاء أول تحالف بين المسيحي الديمقراطي والخضر في الحكومة القادمة.

من هو أرمين لاشيت؟

لا تختلف سيرة لاشيت السياسية عن غيره من القادة السياسيين الذين صعدوا في دول الاتحاد الأوروبي مؤخرًا، وبحسب كافة التقارير التي تحدثت عن سيرته، فإنه ولد في مدينة آخن في ولاية شمال الراين- ويستفاليا في شباط/فبراير من العام 1961، وقبل التحول إلى العمل السياسي مارس لاشيت مهنة المحاماة التي يحمل فيها شهادة بالقانون بالإضافة إلى عمله بالصحافة، ودخل العمل السياسي لأول مرة بعدما انتخب نائبًا في البرلمان الألماني ما بين عامي 1994 – 1998.

عُرف لاشيت كسياسي ألماني على الصعيد الأوروبي عندما انتخب عن المسيحي الديمقراطي كنائب في البرلمان الأوروبي ما بين عامي 1999 – 2005، وفي عام 2005 شغل منصب وزير الدولة للأجيال والأسرة والمرأة والاندماج في حكومة رئيس وزراء ولاية شمال الراين يورغن روتجرز ما بين عامي 2005 – 2010، وتخللت مسيرته السياسية خسارته مقعده في البرلمان الألماني في عام 1998، إضافةً لهزيمته أمام روتجرز على منصب رئيس وزراء شمال الراين في عام 2010.

انتخب لاشيت خلال عامي 2010 – 2012 نائبًا في برلمان شمال الراين المحلي، ومنذ عام 2012 أصبح واحدًا من النواب الخمسة لرئيسة الحزب حينها ميركل، وخلال الانتخابات المحلية لشمال الراين تمكن المسيحي الديمقراطي من الفوز في انتخابات الولاية بعد تحالفه مع حزب الديمقراطيين الأحرار في عام 2017، ليصبح لاشيت منذ ذلك التاريخ رئيسًا لحكومة الولاية بعد تشكيله حكومة ائتلافية مع الديمقراطيين الأحرار.

قدم لاشيت نفسه على أنه الخليفة المحتمل لميركل في منصب المستشارية عندما تحالف مع وزير الصحة الألماني ينس سبان قبل أيام قليلة من التصويت على تحديد زعيم المسيحي الديمقراطي في شباط/فبراير من العام 2019، وقال بيان مشترك صادر عنهما إنهما يتطلعان إلى "جعل عشرينيات القرن الحادي والعشرين عقدًا من التحديث لألمانيا"، على أن يكون عقدًا يتضمن "ديناميكية اقتصادية جديدة، وأمن شامل، وفرص تعليمية من الدرجة الأولى وعادلة، وإنشاء وزارة رقمية على المستوى الفيدرالي، وإظهار عدم التسامح مطلقا مع الإجرام والتطرف".

السياسة الداخلية والخارجية لزعيم المسيحي الديمقراطي

تقول مجلة دير شبيغل الأسبوعية إنه لا يجب التقليل من شأن لاشيت في سباقه لمنصب المستشارية، مشبهة سيرته السياسية بسيرة المستشار السابق هولمت كول الذي نظر إليه الكثيرون على أنه لن يتمكن من الوصول للحكم، موضحة أن لاشيت "ليس سياسيًّا مثيرًا للاهتمام، لكنه يوحي بالراحة والسلاسة"، وهو الأمر الذي ترى أنه يأتي إيجابيًا بالنسبة له بعد الجائحة العالمية والفترة التي قضاها دونالد ترامب في رئاسة الولايات المتحدة.

وغالبًا ما يُنظر إلى لاشيت على أنه من السياسيين الألمان الموالين لسياسات ميركل بشكل عام، وسياسة الانفتاح اتجاه اللاجئين بشكل خاص، والتي كان من أشد المدافعين عنها في عام 2015، وهو الأمر الذي دفع المحللين لوصفه بـ"النسخة الذكورية" لسياسة ميركل في المستشارية، فقد أشار خلال حملته الانتخابية إلى أنه في حال حدث تغيير في سياسات المسيحي الديمقراطي فإن ذلك يعني "إرسال إشارة خاطئة"، واصفًا نفسه بأنه "مرشح الاستمرارية" لسياسة "المرأة الحديدية"، والذي يبرز واضحًا في وصف القيادي في حزب البديل يورغ ميوثن فوز لاشيت بزعامة الحزب باعتباره "نبًأ سيئًا لألمانيا".

وعند النظر في سياسته الداخلية يعرف عن لاشيت أن الأمن يعتبر جزءًا بارزًا من برنامجه السياسي على المستوى الوطني، بالأخص أن ولاية الراين تعتبر من الولايات المتأثرة بشكل كبير بالجريمة المنظمة، الأمر الذي جعله يتعامل مع المخاوف الأمنية للولاية بشكل دائم، كما أنه تبنى منذ وصوله لرئاسة مجلس وزراء شمال الراين شعار "عدم التسامح" فيما يخص قضايا التطرف والإرهاب، إذ أنه تولى مهامه بعد أقل من عام على الهجوم الذي استهدف سوق عيد الميلاد في برلين في عام 2016، وأظهر وجود قصور كبير في الأجهزة الأمنية.

كما يسعى لاشيت لتحقيق توازن فيما يخص الأزمة البيئة، إذ إنه على الرغم من تأكيده على ضرورة اتخاذ إجراءات بشأن الأزمة المناخية، فإنه يرى كذلك أن هذه السياسيات يجب ألا تخنق الاقتصاد المتأثر أساسًا بالجائحة العالمية، مؤكدًا على أن الخطوة التي اتخذتها الحكومة الألمانية بإصدارها قرار إغلاق أول مصانع الليغنيت أو الفحم البني مطلع العام الجاري، ستتبعها مجموعة من القرارات ذات الصلة خلال الأعوام القادمة.

أما بالنسبة لسياسته الخارجية على مستوى الاتحاد الأوروبي فإنها تتركز بشكل أساسي على العلاقات الدولية ومسائل الميزانية، وعُرف عنه توجيهه انتقادات في بعض الأحيان لحكومة ميركل بسبب سياستها المرتبطة بالتكتل الأوروبي، إلا أنه يُنظر إليه في جميع الأحوال على أنه استمرارية لرؤية ميركل الخاصة بهذا التكتل، وهو على صعيد السياسة الخارجية واجه انتقادات سابقًا بسبب إظهاره موقفًا لينًا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استنادًا لتصريحات سابقة قال فيها "نحن بحاجة إلى روسيا في العديد من القضايا في العالم"، إضافةً لإظهاره موقفًا ناعمًا من الصين أيضًا.

غالبًا ما يُنظر إلى لاشيت على أنه من السياسيين الألمان الموالين لسياسات ميركل بشكل عام، وسياسة الانفتاح اتجاه اللاجئين بشكل خاص، والتي كان من أشد المدافعين عنها في عام 2015

وواجه لاشيت خلال الفترة الماضية المزيد من الانتقادات بسبب تغريدة نشرها ردًا على تغريدة لوزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري في عام 2014، عندما أكد بأنه يجب "تدمير (تنظيم الدولة الإسلامية) داعش"، ليرد لاشيت مغردًا بأن الولايات المتحدة قدمت الدعم لكل من تنظيم جبهة النصرة وداعش، بالإضافة لحصول الجماعتين الراديكاليتين على تمويل من دول خليجية لمواجهة رئيس النظام السوري بشار الأسد، مما جعله يواجه اتهامات بنشر نظريات المؤامرة، ومحاولة منح الشرعية للأسد الذي يوصف على نطاق واسع أوروبيًا بأنه مجرم حرب.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

من هي أليس فايدل.. الخبيرة المثلية التي قادت اليمين المتطرف الألماني للنصر؟

ميركل.. ورقة الليبرالية الغربية الأخيرة في أوروبا