18-أغسطس-2022
غلاف كتاب "التوراة جاءت من جزيرة العرب"

غلاف كتاب "التوراة جاءت من جزيرة العرب"

في بداية ثمانينيات القرن الفائت، أثار المؤرخ اللبناني كمال الصليبي (1929 – 2011) عاصفةً من الجدل والسجال في الأوساط التاريخية والدينية العربية والغربية، وكذا الصهيونية، حين أطلق نظريته التاريخية الشهيرة التي تثبت أن أحداث "التوراة" لم تقع في فلسطين، وإنما وقعت في غرب شبه الجزيرة العربية.

تُثبت نظرية الصليبي التي أثارت الكثير من الجدل أن أحداث التوراة لم تقع في فلسطين وإنما في شبه الجزيرة العربية

تقوم نظرية الصليبي على بحث علمي متماسك في جغرافيا التوراة، وقراءة جديدة وجريئة لتاريخ بني إسرائيل تقوض الرواية الدينية الشائعة عنهم، وعن وجودهم وتاريخهم في فلسطين، استنادًا إلى شواهد وأدلة مختلفة، مصدرها حقلي اللغة والآثار، استعرضها في الكتاب الذي صاغ فيه هذه النظرية، واختار من خلاصتها عنوانًا له "التوراة جاءت من جزيرة العرب" (مؤسسة الأبحاث العربية، 1985/ ترجمة عفيف الرزاز).

تعرّض الكتاب الذي نُشر بأكثر من لغة، في آن معًا، إلى هجمة شرسة شنتها وسائل الإعلام والدوائر الأكاديمية الغربية التي وقفت موقف العداء منه حتى قبل نشره ومعرفة ما يتضمنه، إذ بدت خلاصته، التي تنقض النظريات التقليدية السائدة حول أصول التوراة وتاريخ إسرائيل، كافية لمهاجمته.

ولم يقدّم المعترضون على نظرية المؤرخ اللبناني أي تفسيرات علمية، ولم يكن نقدهم لها نقدًا علميًا أيضًا، وإنما سياسيًا في معظمه، ذلك أنها تقف على النقيض تمامًا من السرديات التي يبرر بها الصهاينة احتلالهم لفلسطين.

"التوراة جاءت من جزيرة العرب".. يهود اليوم ليسوا بني إسرائيل

يقول مؤلف "خفايا التوراة" في مقدمة كتابه إن: "البيئة التاريخية للتوراة لم تكن في فلسطين بل في غرب شبه الجزيرة العربية بمحاذاة البحر الأحمر، وتحديدًا في بلاد السراة بين الطائف ومشارف اليمن. وبالتالي، فإن بني إسرائيل من شعوب العرب البائدة، أي من شعوب الجاهلية الأولى".

ويوضح أيضًا الفرق الأساسي بين: "مفهوم "بني إسرائيل" ومفهوم "اليهود" و"اليهودية". فبنو إسرائيل كانوا في زمانهم شعبًا دان باليهودية. وقد كان لهم، بين القرن الحادي عشر والقرن السادس قبل الميلاد، مُلكًا في بلاد السراة (أي جنوب الحجاز وفي المنطقة المعروفة اليوم بعسير). وقد زال هذا الشعب من الوجود بزوال ملكه، ولم يعد له أثر بعد أن انحلّت عناصره وامتزجت بشعوب أخرى في شبه الجزيرة العربية".

كمال الصليبي

ويؤكد بأن بني إسرائيل: "لم يكونوا وحدهم اليهود حتى في زمانهم. والديانة اليهودية التي ربما انتشرت على أيديهم أول الأمر استمرت في الانتشار بعد زوالهم وانقراضهم كشعب. وما زالت هذه الديانة منتشرة في معظم أرجاء العالم بين شعوب مختلفة لا تمت إلى بني إسرائيل بصلة، لغة وعرقًا". ويلفت إلى أن: "الادعاء السائد بين يهود العالم بأنهم من سلالة بني إسرائيل هو ادعاء شِعْريّ لا يقوم على أي أساس من التاريخ".

ولذلك فإن الادعاء الصهيوني بأن اليهود: "ليسوا مجتمعًا دينيًا فحسب بل شعب وريث لبني إسرائيل، وأن له الحقوق التاريخية لبني إسرائيل، إنما هو ادّعاء باطل أصلًا، لأن بني إسرائيل شعب باد منذ القرن الخامس قبل الميلاد"، بحسب المؤلف الذي يشير أيضًا إلى أن القارئ قد يستنتج من الكتاب: "أن يهود اليوم لا حقوق تاريخية لهم في أرض فلسطين. والصحيح أن الحقوق التاريخية للشعوب تزول بزوالها".

يخلص الصليبي في نظريته الإشكالية إلى أن بني إسرائيل من شعوب العرب البائدة، وأن يهود اليوم ليسوا استمرارًا تاريخيًا لهم

ويشدد الراحل على أن يهود اليوم: "ليسوا استمرارًا تاريخيًا لبني إسرائيل ليكون لهم شيء يسمّى حقوق بني إسرائيل، وذلك سواءً أكانت أرض بني إسرائيل أصلًا في فلسطين أو غير فلسطين".

وفي رده على تبرير بعض الباحثين والمؤرخين العرب رفضهم لهذه النظرية بالقول إنها تدعوا الكيان الصهيوني إلى احتلال المناطق المذكورة في الكتاب، يقول كمال الصليبي في أحد حواراته: "إن البعض يتهمني بأني أدل اليهود على عسير لكي يستردوها. وأنا أجيب بأن من يقول هذا القول فإنما يعترف بحق الدعوة الصهيونية ويؤمن بصحتها من حيث المبدأ".