20-سبتمبر-2023
أذربيجان وأرمينيا

يشير تجدد القتال إلى أن الجهود الروسية والغربية للتفاوض على نتيجة دبلوماسية بين الجانبين قد باءت بالفشل (Getty)

شنّت أذربيجان عملية عسكرية في إقليم ناغورنو كاراباخ بهدف ما وصفته بـ "مكافحة الإرهاب المحلي" واستعادة النظام الدستوري عبر نزع سلاح التشكيلات العسكرية الأرمنية هناك، وإجبارها على الانسحاب والاستسلام وتسليم كامل أسلحتها، وحل ما وصفته بالنظام غير الشرعي لنفسه. وأكّدت باكو أنه ما لم يحدث ذلك، فإن إجراءات "مكافحة الإرهاب" ستستمر حتى النهاية. 

وعلى صعيد المواقف الدولية ففي الوقت الذي أكدت فيه تركيا دعمها لهذه العملية، دعت واشنطن وعواصم غربية أخرى لوقفها بسرعة.

أعلنت وزارة الدفاع في أذربيجان مساء أمس الثلاثاء، أن قواتها سيطرت على 60 موقعًا للقوات الأرمينية في إقليم ناغورنو كاراباخ

وإقليم ناغورنو كاراباخ معترف به دوليًا كإقليم تابع لأذربيجان لكن معظم سكانه من الأرمن الذين قاوموا الحكم الأذربيجاني لأكثر من قرن. وفي عام 1991، أعلنت المنطقة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 150 ألف نسمة استقلالها، ومنذ ذلك الحين حكمت نفسها – بدعم أرميني – باعتبارها جمهورية آرتساخ غير المعترف بها.

وأمس الثلاثاء، مع بدء العملية، تحدثت وزارة الدفاع الأذربيجانية عن عزمها "نزع سلاح وتأمين انسحاب تشكيلات القوات المسلحة الأرمينية من أراضيها وتحييد بنيتها التحتية العسكرية"، وفق تعبيرها.

وأعلنت وزارة الدفاع في أذربيجان مساء أمس الثلاثاء، أن قواتها سيطرت على 60 موقعًا للقوات الأرمينية في إقليم ناغورنو كاراباخ. كما أعلنت الوزارة في بيان أنّ قواتها دمرت عددًا من نقاط إطلاق النار التابعة للقوات الأرمينية، مؤكدةً أن العملية العسكرية مستمرة بنجاح.

وعلى الجانب الآخر، قال الانفصاليون الأرمن في إقليم ناغورنو كاراباخ، إن الجيش الأذري نفذ قصفًا عنيفًا ويحاول اختراق دفاعاتهم، مؤكدين أنهم ما يزالون صامدين.

وحتى مساء أمس أعلن المسلحون الأرمن سقوط 23 من عناصرهم بالإضافة إلى مدنيين اثنين، وأشار المسلحون الأرمن إلى أنّ القوات الأذرية تستخدم الطيران الحربي والمدفعية والطائرات المسيّرة.

getty

وعلى الرغم من الإشارات التي ظهرت في الماضي بشأن التقدم المحتمل نحو السلام، فقد اندلع مرة أخرى أحد "الصراعات المجمدة" في أوروبا.

خلفيات النزاع

كانت منطقة ناغورنو كاراباخ، وهي منطقة جبلية غير ساحلية داخل حدود أذربيجان، مصدرًا للنزاع منذ ما قبل إنشاء الاتحاد السوفيتي. وقد تم قمع التوترات عندما كانت أرمينيا وأذربيجان دولتين ضمن الاتحاد السوفيتي، لكنها عادت إلى الظهور مع انتهاء الحرب الباردة وتفكك سيطرة الحزب الشيوعي على الكتلة.

وانتهت الحرب بين القوات الأرمينية والأذربيجانية بوقف إطلاق النار في عام 1994، مع سيطرة أرمينيا الكاملة على الإقليم وغيره من الجيوب المحيطة بالأراضي الأذربيجانية.

وفي عام 2020، بعد عقود من المناوشات المتقطعة، بدأت أذربيجان عملية عسكرية أصبحت فيما بعد حرب ناغورنو كاراباخ الثانية، وسرعان ما اختُرقت الدفاعات الأرمينية. وخلال الصراع الذي استمر 44 يومًا، استعادت أذربيجان سبع مناطق وحوالي ثلث ناغورنو كاراباخ نفسه.

وتدخلت روسيا، حليفة أرمينيا والتي تتمتع أيضًا بعلاقات جيدة مع أذربيجان، للتفاوض على وقف إطلاق النار.

وينص الاتفاق على نشر حوالي 2000 جندي من قوات حفظ السلام الروسية في ناغورنو كاراباخ لحراسة ممر لاتشين الطريق الوحيد المتبقي الذي يربط ناغورنو كاراباخ بأرمينيا. 

وفي كانون الأول/ديسمبر 2022، بدأ النشطاء الأذريون المدعومين من الحكومة بإغلاق ممر لاتشين، وفي نيسان/أبريل 2023، أنشأت أذربيجان نقطة تفتيش أمنية جديدة على طول الطريق. وقد أدت هذه التحركات إلى قطع تدفق الأشخاص والبضائع بين أرمينيا وناغورنو كاراباخ، باستثناء عمليات الإجلاء الطبي العاجل، مما أدى إلى ما وصفته دول غربية بتدهور الوضع الإنساني في الإقليم.

getty

وقال لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية، إن الحصار الذي تفرضه أذربيجان على ناغورنو كاراباخ من المحتمل أن يشكل "إبادة جماعية" للأرمن في ناغورنو كاراباخ لأنه يهدف إلى "تجويعهم".

ورغم بعض المحاولات، إلى ربط الصراع في الخلفيات الدينية، إلّا أنّ هذه الزاوية مبالغ فيها، إذ تحتفظ أذربيجان بعلاقات دفاعية قوية مع إسرائيل، وافتتحت تل أبيب سفارة فيها العام الجاري.

لماذا يقاتلون الآن؟

يشير تجدد القتال إلى أن الجهود الروسية والغربية للتفاوض على نتيجة دبلوماسية بين الجانبين قد باءت بالفشل.

وحذرت أرمينيا منذ أسابيع من أن أذربيجان تحرك قواتها بالقرب من حدودهما المشتركة، التي تعتبر واحدة من أكثر الحدود عسكرة في العالم.

ومن خلال إطلاق ما يسمى "أنشطة مكافحة الإرهاب"، تريد أذربيجان إرغام أرمينيا على الاعتراف بسيادتها على ناغورنو كاراباخ. وتسعى أذربيجان أيضًا إلى بناء ممر للطرق والسكك الحديدية يربطها بناخيتشيفان، وهي قطعة منفصلة من الأراضي الأذربيجانية على الحدود الجنوبية الغربية لأرمينيا، مما يمنح البلاد رابطًا مباشرًا مع تركيا.

وبخلاف القضية الإنسانية، يثير الصراع قلقًا دوليًا لعدة أسباب. السبب الرئيسي هو أن القوى الإقليمية، بما في ذلك روسيا وتركيا وإيران، تستثمر في جنوب القوقاز بدرجات متفاوتة.

وقد أعلنت تركيا بالفعل دعمها القوي لأذربيجان، في حين أن روسيا لديها تحالف أمني مع أرمينيا، على الرغم من أنها تبيع الأسلحة لكلا البلدين.

وفي حين يدفع الاتحاد الأوروبي لإجراء المحادثات، فقد أصبح يعتمد على أذربيجان في بحثه عن شركاء الطاقة، للتعويض عن خسارة واردات الغاز والنفط الروسية منذ بداية الحرب في أوكرانيا.

هل تفقد روسيا نفوذها؟

يشير قرار أذربيجان بشن هجوم جديد إلى أن روسيا، المشتتة والمستنزفة بسبب غزوها المكلف لأوكرانيا، بدأت تفقد قبضتها على البلدان التي طالما اعتبرتها منطقة نفوذ.

وتوسط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيًا في إنهاء الحرب بين البلدين في عام 2020 ونشر 2000 جندي روسي لحفظ السلام. وفي ذلك الوقت، قال المراقبون إن اتفاق السلام أعطى موسكو نفوذًا متجددًا على المنطقة، مع تعميق اعتماد البلدين على الكرملين.

ولكن الغزو الروسي لأوكرانيا أثار قلقًا عميقًا لدى البلدين، اللذين يسعيان منذ ذلك الحين إلى تنويع سياساتهما الخارجية بعيدًا عن الاعتماد القوي على روسيا.

واقتربت أذربيجان من تركيا وإسرائيل، واشترت الأسلحة من كلا البلدين.

واتخذت أرمينيا عدة تحركات تنتقد روسيا وتنأى بنفسها عنها، بينما تسعى إلى كسب النفوذ في الغرب.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت الإدارة في يريفان أنها تستضيف جنودًا أمريكيين لإجراء مناورة عسكرية مشتركة غير مسبوقة. كما أرسلت أرمينيا مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا، سلمتها شخصيًا آنا هاكوبيان، زوجة رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان.

الردود الدولية

سارع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الذي يواجه احتجاجات تتهمه بالخيانة وتدعو لإسقاطه، إلى إجراء اتصالات شملت حتى مساء أمس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.

ودعت حكومة باشينيان مجلس الأمن الدولي وقوات حفظ السلام الروسية إلى التحرك لوقف عدوان أذربيجان في ناغورنو كاراباخ.

وقالت روسيا التي ترعى اتفاق وقف إطلاق النار إنها تجري اتصالاتها مع باكو ويريفان من أجل "الالتزام بالاتفاق الثلاثي بشأن ناغورنو كاراباخ".

getty

وكانت الخارجية الروسية قالت في بيان لها إن أذربيجان أبلغت قوات حفظ السلام الروسية بعمليتها العسكرية في إقليم ناغورنو كاراباخ.

تركيًّا، أعلن رجب طيب أردوغان دعم بلاده العملية العسكرية الأذربيجانية "للحفاظ على وحدة وسلامة أراضيها"، مؤكّدًا أنّ إقليم "ناغورنو كاراباخ أرض أذرية ومن غير المقبول فرض وضع آخر".

أمّا أمريكيًا، دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أذربيجان إلى "الوقف الفوري للعملية العسكرية التي بدأتها في ناغورنو كاراباخ".

يثير الصراع قلقًا دوليًا لعدة أسباب. السبب الرئيسي هو أن القوى الإقليمية، بما في ذلك روسيا وتركيا وإيران، تستثمر في جنوب القوقاز بدرجات متفاوتة

كما أعرب الاتحاد الأوروبي عن استنكاره التصعيد العسكري داعيًا إلى وقفه.

في الأثناء دعت باريس إلى اجتماع فوري لمجلس الأمن الدولي لبحث الوضع في ناغورنو كاراباخ.