07-مارس-2023
getty

أزمة الذخيرة المرتبطة في قوات فاغنر تتكرر للمرة الثانية خلال أقل من شهر (Getty)

يتصاعد الصراع بين شركة فاغنر العسكرية الخاصة والمؤسسة العسكرية الروسية الرسمية، بشكلٍ كبير خلال الأيام الأخيرة، ويتمظهر الصراع العلني، باعتباره صراعًا على حصص الذخيرة، التي يفترض أن تصل إلى مرتزقة فاغنر على جبهة باخموت

تحولت "أزمة الذخيرة" بين فاغنر ووزارة الدفاع الروسية، إلى أزمة متحركة، تظهر على العلن بشكلٍ متكرر، يتخللها اتهامات بالخيانة من قبل مالك شركة فاغنر يفغيني بريغوجين

وتحولت "أزمة الذخيرة" بين فاغنر ووزارة الدفاع الروسية، إلى أزمة متحركة، تظهر على العلن بشكلٍ متكرر، يتخللها اتهامات بالخيانة من قبل مالك شركة فاغنر يفغيني بريغوجين. وكتب بريغوجين عبر حساب مكتبه الإعلامي على تليغرام، "أرسلت خطابًا إلى قائد العملية العسكرية الخاصة [رئيس هيئة الأركان] بشأن الحاجة العاجلة للحصول على الذخيرة. وفي الساعة الثامنة من صباح 6 آذار/ مارس، ألغي تصريح دخول ممثلي بالمقر الرئيسي لإدارة العملية العسكرية".

وأضاف بريغوجين، "إذا انسحبت فاغنر من باخموت الآن، فإن الجبهة بأكملها ستنهار، لن يكون الوضع جيدًا لجميع التشكيلات العسكرية التي تحمي المصالح الروسية". ونشر بريغوجين قبلها بيوم رسالةً، قال فيها: "هل نفهم أن تأخر إرسال الذخائر يعود لأسباب بيروقراطية عادية أو الخيانة؟".

ودرج مالك شركة فاغنر، في الفترة الأخيرة على توجيه انتقادات علنية للقيادة العسكرية الروسية، وكبار الضباط بشكلٍ متكرر، ووصل به الأمر الشهر الماضي، لاتهام وزير الدفاع الروسي الجنرال سيرغي شويغو وقادة بالجيش الروسي  بـ"الخيانة" لحجب الوزارة إمدادات الذخيرة عن مقاتليه. 

getty

من الظل إلى العلن

مع أن علاقات بريغوجين مع بوتين كانت قد بدأت قبل الغزو الروسي لأوكرانيا بكثير، كما أن مجموعته كانت معروفة، خاصة من خلال نشاطها في أفريقيا وتحديدًا في جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وليبيا ومالي، إلا أن بريغوجين حرص على أن يبقى في الظل. 

ولم يبرز اسم بريغوجين مع بدايات الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن صيته قد ذاع بعد الهزائم المتكررة للجيش الروسي على جبهات القتال، والحاجة الماسة للقدرات البشرية لتعويض الخسائر على الأرض. ليخرج للعلن ويعلن ملكيته للمجموعة والمشاركة في الحرب على أوكرانيا، بشكلٍ علني.

وكان إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية، فرصةً لافتتاح فاغنر لمكتب رسمي في سانت بطرسبورغ في روسيا، وهو ما دل على حاجة بوتين إلى تعزيز قواته المتعثرة على الأرض. 

وعقب الإعلان، تمكنت المجموعة من تجنيد أعداد كبيرة من السجناء الروس، ضمن قواتها، مقابل الحصول على العفو عنهم بعد 6 أشهر من القتال ضمن صفوف المجموعة، قبل أن تتوقف هذه العملية مطلع الشهر الجاري.

getty

تصدر المشهد السياسي

يشير محللون سياسيون غربيون، إلى أن بريغوجين اكتسب أهميةً في روسيا، لم تحصل عليها أي شخصية غير رسمية سابقًا، وفتح له المجال لتصدر المشهد الروسي. لكن بحسب وكالة "فرانس برس"، يبقى هذا الصعود هشًا، خاصةً أن العلاقة التي تربط مالك الشركة في بوتين يكتنفها الكثير من الغموض والتكهنات.

ومن الواضح أن التقدم الذي تحققه فاغنر على الأرض، وتصدر قواتها المشهد العسكري، فرض على بريغوجين، إيجاد غطاء سياسي، ولم يجد الرجل القادم من عالم الجريمة، أفضل من النزعة القومية الشعبوية، للتعبير عن مواقفه. 

على الأرض، تسعى فاغنر، التي ارتفع عدد قواتها ليصل إلى حوالي 50 ألف مقاتل بعد تجنيد السجناء من جميع السجون الروسية، لتصوير نفسها على أنها القوة الروسية الوحيدة المتواجدة على خطوط جبهات القتال، والقادرة على شن عمليات هجومية.

وقد ترجم ذلك، خلال معارك السيطرة على بلدة سوليدار، القريبة من مدينة باخموت، حيث ادعت مجموعة "فاغنر" وجودها لوحدها على ساحة المعركة، في تصريحات متناقضة مع بيانات الجيش الروسي.

هذا الصعود المستمر، المصحوب بنهج استفزازي وانتقادات للنخب الروسية، ونبرة عدائية تجاه المؤسسة العسكرية الروسية، أصبح يثير العداوات، ويقلق الطبقة السياسية والعسكرية الروسية. 

getty

ومن الواضح أن الصدامات بين مصالح الطرفين تصعد إلى السطح، وهو ما يفسر هجوم بريغوجين على قادة المؤسسة العسكرية الروسية، حيث قال عنهم: "يتناولون وجباتهم من الأطباق الذهبية، ويرسلون أطفالهم وأحفادهم في إجازات إلى دبي، بينما كان الجنود يموتون في الحرب". وهي إشارة واضحة إلى ابنة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، التي شوهدت مؤخرًا وهي تقضي إجازتها في الإمارات.

وأرسل مالك فاغنر اتهامات علنية لوزارة الدفاع بحجب الذخيرة عن مجموعته في ذروة المعارك شرق أوكرانيا، وقدمت وزارة الدفاع الروسية، التي تتجاهل عادةً أي انتقاد علني ردًا نادرًا، ووصفت تصريحات بريغوجين بأنها كاذبة. 

وقالت الوزارة إن قيادتها "تولي اهتمامًا خاصًا ودائمًا وأولوية لتوفير كل ما هو ضروري لأسراب المتطوعين الهجومية"، وهو التعبير الذي تستعمله الوزارة في الإشارة إلى مجموعات فاغنر. وأضافت وزارة الدفاع أن "محاولات تقسيم آلية التعاون الوثيق بين فرق المجموعات الروسية تأتي بنتائج عكسية، وتؤدي فقط لصالح العدو". 

كما برز الموقف من عملية تجنيد السجناء، التي باتت محل انتقاد من القضاء، فقد أعلنت فاغنر، أنها أوقفت تجنيد السجناء في السجون الروسية لإرسالهم للقتال في أوكرانيا. وقال رئيس المجموعة بحسب ما ذكره بيان نشره جهازه الإعلامي، إنه تم "التوقف بالكامل عن تجنيد سجناء من قبل مجموعة فاغنر المسلحة الخاصة". إلا أن تقريرًا خاصًا لصحيفة نيويورك تايمز، أشار إلى أن قرار توقيف تجنيد السجناء، صدر من وزارة الدفاع الروسية. 

getty

بوتين وتقسيم الأدوار 

تتحدث صحيفة الواشنطن بوست عن أن الكرملين اتخذ قرارًا منذ فترة طويلة بتقسيم ساحة المعركة إلى قطاعات، تتقاسم السيطرة عليها، وزارة الدفاع وفاغنر والقوات شبه العسكرية الموالية للزعيم الشيشاني رمضان قديروف.

وخلال خطابه الأخير، تجاهل الرئيس الروسي ذكر مجموعة فاغنر خلال مديحه المطول للدور الذي يقوم به الجيش الروسي في أوكرانيا، وسبق ذلك إسناد بوتين، مهمة قيادة ما يطلق عليه "العملية الخاصة في أوكرانيا"، إلى رئاسة هيئة الأركان ممثلة بقائدها الجنرال فاليري غيراسيموف.

ويعد غيراسيموف من خصوم بريغوجين، وسبق له انتقاده بشكلٍ علني، فيما تشير التقديرات إلى أن هذا التعيين يوحي بأن بوتين مستمر في ثقته بالمؤسسة العسكرية النظامية، ويحاول وضع حد لنفوذ فاغنر ومالكها المتنامي.

يظهر أن نفوذ مالك فاغنر المتنامي على أرض المعركة، ما يزال محدودًا داخل الكرملين

ومع ذلك، يظهر أن نفوذ مالك فاغنر المتنامي على أرض المعركة، ما يزال محدودًا داخل الكرملين، فيما ينفي بريغوجين باستمرار نيته للعب دور سياسي، وقد عبر عن ذلك في تصريح له عن طموحه السياسي، قائلًا: "كلما قل عدد الأسئلة حول طموحاتي السياسية، زاد عدد الذخيرة التي سيقدمونها لنا". ويعتبر تصريحه السابق، عن قلق أوساط واسعة داخل المؤسسة السياسية والعسكرية الروسية من تزايد نفوذ مالك فاغنر، معتمدًا على رصيده بالحرب، التي يتصدر مشهدها داخليًا وعالميًا، نظرًا لقتال قواته في باخموت حاليًا، ورغم أن الترجيحات تشير إلى أن بوتين يوافق بشكلٍ كامل على نشاطه في أوكرانيا، إلّا أنّ نفوذه داخل روسيا يبقى في الحدود الدنيا.