09-أبريل-2021

خلافات داخل الجيش الإسرائيلي بشأن العمليات ضد إيران (الأناضول)

جددت تصريحات المسؤولين الأمريكيين التي تحدثت عن وقوف إسرائيل وراء الهجوم الذي استهدف سفينة إيران ساويز في البحر الأحمر قبالة سواحل جيبوتي المخاوف من إمكانية الذهاب لمواجهة مفتوحة بين إسرائيل من طرف، وإيران من الطرف المقابل، مما يكشف عن اتجاه الطرفين إلى فتح جبهة جديدة في البحر، وهو ما يدل كذلك على تجاهل تل أبيب لمطالب كبار قادة الجيش الإسرائيلي المرتبطة بتهدئة المواجهة البحرية المفتوحة مع إيران.

جددت تصريحات المسؤولين الأمريكيين التي تحدثت عن وقوف إسرائيل وراء الهجوم الذي استهدف سفينة إيران ساويز المخاوف من إمكانية الذهاب لمواجهة مفتوحة مع إسرائيل

مسؤول أمريكي يسرب معلومات بشأن حادثة ساويز

حتى ما قبل إعلان أحد المسؤولين الأمريكيين عن وقوف إسرائيل وراء الهجوم الذي تعرضت له السفينة ساويز قبل بضعة أيام، كانت تفاصيل الخبر الذي ورد لأول مرة يوم الأحد الماضي تشير إلى تعرض السفينة الإيرانية لحادث في البحر الأحمر، وأن الحادث ناجم عن انفجار ألغام لاصقة بهيكل السفينة، فيما أوضح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده في وقت لاحق أن السفينة كانت "تستقر في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن لإرساء الأمن البحري على طول الخطوط الملاحية ومحاربة القراصنة".

اقرأ/ي أيضًا: رغم بوادر انفراجة.. إيران ترفض مبدأ رفع العقوبات التدريجي بشأن الاتفاق النووي

تصريحات المتحدث الإيراني جاءت بعد ساعات من تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أشار إلى أن مسؤول أمريكي كشف عن أن المسؤولين الإسرائيليين أبلغوا الولايات المتحدة بمسؤوليتهم عن مهاجمة السفينة الإيرانية في صباح الثلاثاء، أي بعد يومين من وقوع الهجوم، وأضاف بأن المسؤولين الإسرائيليين عللوا مهاجمتهم للسفينة الإيرانية بأنه رد انتقامي على هجمات إيرانية سابقة استهدفت السفن الإسرائيلية، فيما نقل موقع العربي الجديد عن مصادر وصفها بالمطلعة أن الهجوم ناجم عن استهداف السفينة بصاروخين.

ووضع المسؤول الأمريكي فرضية تتحدث عن احتمالية تأجيل الهجوم الذي استهدف السفينة الإيرانية بهدف السماح لحاملة الطائرات الأمريكية دوايت إيزنهاور بتحديد مسافة مع السفينة الإيرانية، حيثُ كانت حاملة الطائرات إيزنهاور تبعد مسافة تزيد عن مائتئ ميل، ما يعادل أكثر من 300 كم، عندما وقع الهجوم، والذي وصفته الصحيفة الأمريكية بأنه يمثل جبهة جديدة تضاف لحرب الظل التي تدور في الأرض والجو بين الطرفين.

وشهدت الأشهر الأولى من العام الجاري تصعيدًا على الجبهة البحرية بين إسرائيل وإيران بحسب ما أشارت تقارير صحفية، حيثُ سُجل في هذا الخصوص وقوع ما لا يقل عن أربعة حوادث متبادلة بين الطرفين، وهو ما أكدته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في تقرير سابق، حين أشارت إلى أن  "إسرائيل استهدفت منذ عام 2019 ما لا يقل عن 12 سفينة إيرانية كانت متجهة إلى سوريا"، وأضافت الصحيفة بأن "الهجمات الإسرائيلية المذكورة تكشف النقاب عن جبهة جديدة للصراع بين إسرائيل وإيران".

وبحسب الإحصائيات التي قدمتها الصحيفة الأمريكية المرتبطة بمهاجمة إسرائيل للسفن الإيرانية نقلًا عن مسؤولين في الملاحة الإيرانية خلال العامين الماضيين، فإن السفن الإيرانية تعرضت لثلاث هجمات في عام 2019، في مقابل ست هجمات أخرى في عام 2020، فيمتا ارتفع عدد الهجمات التي استهدفت السفن الإيرانية منذ بداية العام الجاري، بما في ذلك الهجوم الأخير الذي استهدف ساويز.

وذكر تقرير سابق للمعهد البحري الأمريكي أن السفينة الإيرانية قد تكون مضطلعة بأنشطة تجسسية في البحر الأحمر، مشيرًا إلى احتمالية أن تكون قد قدمت الدعم للقوات الإيرانية، إضافة لتزويد النظام السوري بشحنات نفطية، فضلًا عن دعمها لجماعة أنصار الله الحوثية في اليمن، وسط ترجيحات بأن تكون السفينة مملوكة للحرس الثوري لكنها تعمل بغطاء تجاري.

تداعيات حادثة ساويز على مباحثات فيينا

في وصف تداعيات الهجوم الأخير في إطار جبهة الحرب البحرية الجديدة في المنطقة، فإنه لا بد من الإشارة إلى أنه جاء مزامنًا لانتهاء الجولة الأولى من المباحثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران التي استضافتها فيينا برعاية الاتحاد الأوروبي يوم الثلاثاء، والتي وصفت على لسان غالبية المجتمعين بأنها "بناءة"، وكان أبرز نتائجها تحديد الجمعة موعدًا للجلسة الثانية، فضلًا عن اتفاق اللجنة المشتركة على عقد اجتماعين موازيين لخبراء الدول الأعضاء، لإجراء مباحثات فنية حول رفع العقوبات الأمريكية والخطوات النووية.

فقد كان واضحًا تجنب المسؤولين الإيرانيين في تصريحاتهم توجيه الاتهامات بشكل مباشر لإسرائيل فيما يخص حادثة ساويز، وهو الذي عبّر عنه زادة بأن التحقيقات الفنية جارية حول الحادث ومصدره، لافتًا إلى أن بلاده سوف تتخذ جميع الإجراءات اللازمة عبر المرجعيات الدولية، والذي علّق عليه الباحث في الشأن الإيراني محمد صدقيان بالإشارة إلى دراسة طهران "لخطواتها بدقة" بعد مراجعة جميع المعطيات، نظرًا "لتركيز جهودها الدبلوماسية في فيينا لإنهاء أزمة الملف النووي مع واشنطن".

في حين ربط محلل الشؤون العسكرية في صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية رون بن يشاي الهجوم الأخير الذي استهدف ساويز بالمباحثات غير المباشرة التي استضافتها فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى، الذي كان قد أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة أحاديًا منه، مشيرًا إلى أن هدف الهجوم توجيه رسالة للرئيس الأمريكي جو بايدن بأن يكون الشرق الأوسط على قائمة اهتمامته، ومحذرًا من أن تجاهل الإدارة الأمريكية لأزمة الشرق الأوسط قد يؤدي إلى حرب شاملة في المنطقة.

ويتوافق المحلل العسكري الإسرائيلي إيال عليما في توقعاته لأسباب تنفيذ الهجوم في هذا التوقيت مع ما ذكره بن يشاي في تحليله للصحيفة العبرية، فقد أشار في إجابة على سؤال مرتبط بتوقيت الهجوم لبرنامج ما وراء الخبر على قناة الجزيرة إلى أنه في حال أكدت إسرائيل مسؤوليتها عن الهجوم، فإن الهدف من ذلك توجيه رسالة للإدارة الأمريكية تفيد بأن تل أبيب قادرة على التأثير على الاستقرار في المنطقة، وذلك في محاولة لعرقلة الجهود الأمريكية التي وصفها بـ"المندفعة" اتجاه تسوية أزمة الملف النووي الإيراني.

وفيما استبعد عليما اتجاه إيران للتصعيد العسكري مع طهران، فإن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سان فرانسيسكو الأمريكية ستيفن زونسن اعتبر أن استهداف السفن الإيرانية في محاولة للضغط عليها من أجل تقديم تنازلات في محادثات فيينا غير المباشرة هو "تفكير خاطئ"، مرجحًا وجود حالة من عدم الرضا لدى الإدارة الأمريكية الراهنة فيما يخص السياسات الإسرائيلية اتجاه إيران.

خلاف داخل إسرائيل على الذهاب لمواجهة بحرية مع إيران  

والواضح من الهجوم الأخير أنه جاء ردًا على الهجوم الذي استهدف السفينة إم في هيليوس راي الإسرائيلية التي كانت تنقل مركبات إلى سنغافورة في شباط/فبراير الماضي، حيث اتهم رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إيران بشكل مباشر بالوقوف وراء الهجوم، وهو ما دفع حينها مسؤولين إسرائيليين لتحذير الحكومة الإسرائيلية من الاتجاه للتصعيد الإقليمي مع إيران، الأمر الذي قد يؤدي إلى حرب مفتوحة بين الطرفين.

فقد نقلت تقارير عبرية منتصف الشهر الماضي أن كبار قادة الجيش الإسرائيلي طالبوا في مداولات داخلية بالامتناع عن القيام بردات فعل على عمليات تنفذها إيران، وأشارت التقارير إلى أن القادة العسكريين اعتبروا أنه "ليس من الحكمة العمل بقوة ضد إيران في الوقت الذي تعكف الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة حاليًا على صياغة سياساتها اتجاه إيران، وفي الوقت ذاته تجري معها مفاوضات حول مصير الاتفاق النووي".

غير أن تقارير عبرية حديثة أشارت إلى وجود خلافات داخل قيادات الجيش الإسرائيلي بشأن جدوى العمليات التي تستهدف السفن الإيرانية، حيثُ ينظر القادة العسكريون إلى أن المواجهة البحرية مع إيران يجب أن تكون "سرية وغامضة وغير مباشرة ويجب ألا تقود إلى تهديد مصالح إسرائيلية مدنية"، نظرًا إلى مواجهة السفن التجارية الإسرائيلية تهديدات في حال اتجهت المواجهة للتصعيد، غير أن التقارير عينها أضافت موضحة أن حادثة ساويز تدل على وجود توافق بشأن هذه الهجمات على المستوى السياسي.

وتشير التقارير إلى أن التقديرات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية قد أبدت مخاوفها من أن يكون الرد الإيراني على حادثة ساويز من خلال تنفيذ طهران لهجمات بالطائرات المسيّرة الهجومية التي يمكنها الطيران لمسافة ألفي كم، مما يجعلها قادرة على تنفيذ هجمات داخل إسرائيل انطلاقًا من قواعد في إيران ذاتها، ورجحت التقديرات العسكرية هذا السيناريو بالنظر لبطء سرعتها أولًا، وتحليقها لمستويات منخفضة مما يُقلص من قدرة منظومات الدفاع الجوية الإسرائيلية على إسقاطها.

ورأت صحيفة هآرتس العبرية أن حصول نيويورك تايمز على تسريبات من الإدارة الأمريكية بشأن مسؤولية إسرائيل عن الهجوم الذي استهدف ساويز، يدل على وجود حالة من الاستياء داخل الإدارة الأمريكية من الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف السفن الإيرانية، وذلك بعد تجدد الاتصالات بين إيران والقوى العالمية بشأن عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي الإيراني، مشيرةً إلى أن وزارة الدفاع الإسرائيلية تدرس عدم الرد رسميًا على تقرير الصحيفة الأمريكية.

 أعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك عن قلقه من حادثة ساويز، مطالبًا جميع الأطراف المعنية بما في ذلك الدول الإقليمية بـ"ممارسة أقصى درجات ضبط النفس"

وفيما أعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك عن قلقه من حادثة ساويز، مطالبًا جميع الأطراف المعنية بما في ذلك الدول الإقليمية بـ"ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والامتناع عن اتخاذ أي إجراءات تصعيدية"، فإن دبلوماسيًا أوروبيًا مطلعًا على محادثات فيينا أشار إلى أن الأحداث الخارجية من الممكن أن تؤثر سلبًا على المحادثات الراهنة، سواء أكانت من أطراف مشتركة في الاتفاق النووي الإيراني أو أطراف خارجية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عودة التنسيق الأمريكي الأوروبي.. ماذا في الجعبة من جديد؟