08-نوفمبر-2020

كلية الزراعة في جامعة عمر المختار في مدينة البيضاء

يدخل الدكتور القاعة، يحمل في يده أوراقًا ودفتر التحضير، يلقي علينا السلام، يتحدث قليلًا عن عنوان المحاضرة، ثم يبدأ بعدها بالحديث عن مسيرته عندما كان في أمريكا قائلًا جملته المعتادة: "عندما كنتُ في أمريكا"، ويسترسل في حديثه الطويل، ثم ماذا؟ ثم أغفو في القاعة، أسافر إلى ذلك المكان، المكان المثالي جدًا، ولأن العالم يقع بين الخير والشر دائمًا فأنا الآن في مكان الخير، الخير فقط، أما الشر حسب رواية الدكتور فقد ودعته بعد أن تمنت لنا الخطوط الجوية الليبية حظًا جيدًا في رحلتنا هذه.

ليس بالضرورة أن تطير بأحلامك، بإمكانك أن تمشي للحلم، فالأحلام تطير وتسبح وتزحف وتمشي وتقفز

تنتهي المحاضرة، أستيقظ فجأة، أجد نفسي في ليبيا، بين الأحبة والأصدقاء وصوت الدكتور في تنهيدة عميقة قال بعدها: لكنها أمريكا، هذا يحدث في أمريكا فقط أما هنا، "تبيلنا"* قالها بنبرة ساخرة.

هذه متلازمة غريبة إلى حد ما.

اقرأ/ي أيضًا: تصريحات ماكرون وموجة التطبيع العربي - الإسرائيلي

في المحاضرة الثانية يدخل دكتور آخر، يستعد الطلبة للإقلاع في رحلة جديدة، في رحلة مختلفة تمامًا، هذه المرة إلى كندا، حيث شلالات نياغارا، جبال روكي. حيث العالم المتجمد، القاعات الباردة جدًا، على فكرة، حتى قاعات كلية الزراعة تشاركنا هذا الحلم وتتماهى معه.

يبدأ الدكتور الحديث عن المهمات الصعبة، المهمات التي أنجزها في كندا، وكيف استطاع إنقاذ حيوان المرموط من الانقراض، يقول المحاضر: "يحدث ذلك في كندا، بلاد الحريات، الطبيعة الجميلة، الطقس الرائع".

ندخل بعدها نحن الطلبة في حلم عميق، نقترب من جبال روبسون، نطل من بيت ريفي جميل نهاية سلسلة الجبال، ثم ينهي الدكتور ذلك الحلم بقوله: "إلى هنا انتهت المحاضرة".

هذا كل ما سمعته، بعد ان استغرقت كثيرًا في الحلم.

محاضرة أخيرة، ودكتور من السودان يقول، لا أحد يربط الأحزمة، لن نسافر بعيدًا، سأحدثكم عن حياتي في ليبيا، الجميع في دهشة واستغراب، كيف، معقول يا دكتور؟ هذه أول محاضرة لا نركب فيها طائرة الحلم، يبتسم الدكتور ابتسامة جميلة، ويقول: "ليس بالضرورة أن تطير بأحلامك، بإمكانك أن تمشي للحلم "شياري"*، فالأحلام تطير وتسبح وتزحف وتمشي وتقفز".

خرجت محبطًا جدًا من القاعة، يمر ذلك الدكتور بجانبي، الدكتور الذي يصيح هنا ويعيش في أمريكا، يحمل علبة مياه معدنية في يده، وسيجارة رديئة قاربت على الانتهاء في يده الأخرى، ضحك بصوت صاخب، ثم رمى سيجارته أرضًا، ورفسها برجله اليمنى، وكأنه يقول: "يحدث هذا في ليبيا فقط".

 

هوامش:

  • تبيلنا: أي أننا بحاجة للوقت والجهد.
  • شياري: أي عن طريق المواصلات العادية، سيارات المارة عبر الطريق وتستعمل وسيلة الإشارة للتوصيل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إمبراطورية الإشارات

البحث عن عدالة متوهمة