25-يناير-2018

ميدان التحرير (Getty)

منظر على اتساعه لميدان التحرير حيث عربات الأمن والمدرعات في استنفار كامل. لكن الجو هادئًا. في أحد الشوارع المتفرعة من الميدان، ثمة باعة جائلون يخمشون عن وجوهمم آثار النوم، أو آثار سهرة حشيش قليلة تنسيهم همّ النهار.

لطالما كانت القاهرة حبلى بالأخبار السيئة، لولا أنها في الذكرى السابعة لثورة 25 يناير خففت سماؤها وطأة الأحداث بالمطر

العساكر مستنفرون لكن بلا استنفار حقيقي. بعضهم يتناول الشاي الساخن في غياب قادتهم الذين لا يأتون قبل الـ12 ظهرًا. والقطط تتراقض بين السيارات في الشوارع الجانبية، متجنبة تروس الدبابات العريضة.

اقرأ/ي أيضًا: أرشيف 858.. حماية سرديات الثورة المصرية 

بعض النوافذ نصف مفتوحة تستقبل برودة ليلة سقط فيها المطر عطفًا على أحداث ليال سابقة صاخبة، اعتقل فيها رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، حين كان مرشحًا للرئاسيات القادمة، وانسحب فيها مرشح وحيد محسوب على التيار المدني لم يكن له نصيب في الفوز على أية حال. واحتفل فيها السيد الرئيس بالعيد 66 للشرطة. 

يُفاجئ المطر القاهرة، وكأنّ سماءها لم تكن واعية بأنها حبلى من قبل. القاهرة كانت دومًا حبلى بالأخبار السيئة، ولكن ربما قررت أن تغيّر الروتين.

وعند طائفة لا يزال 25 كانون الثاني/يناير أو شهر "طوبة" كما يسميه المصريون، هو العيد السابع للثورة، الذي يأتي هذا العام متزامنًا مع سيرك انتخابي صاخب. وفي رأسي تتداعى تجارب انتخابية تشترك في سوئها مع التجربة المصرية الحالية، كتلك التي كانت في بيلاروسيا أو في الكاميرون أو في غينيا الاستوائية.

"حذرتكم من قبل.. لن نسمح بديمقراطية بلا عقل"

في شتاء كهذا منذ سبع سنوات، سخر ألكسندر لوكاشينكو، رئيس بلاروسيا من المتظاهرين الذين عموا الشوارع معترضين على حصوله على ما نسبته 80% من الأصوات الانتخابية، لكنّه لم يتوقف عند حد السخرية، فحوّل الأمور إلى فوضى عارمة، واعتقل أكثر من 600 من المتظاهرين.

كما اعتقل لوكاشينو سبعة من منافسيه، كان من بينهم نائب وزير خارجيته السابق، الذي اختطف من سرير المستشفى ليزجّ به في السجن. كان ذلك في كانون الأول/ديسمبر 2010. وقتها قال لوكاشينو في خطاب موجه لمن خرج ضده: "قلت لكم، إذا تم افتعال الفوضى فسوف نقوم بكل ما يمكن لإنهائها. حذرتكم من قبل، لن نسمح بديمقراطية بلا عقل".

وبعد خمس سنوات من تلك الأحداث، أي في 2015، يسحق لوكاشينو معارضيه مرة أخرى، وتزيد نسبة فوزه في الانتخابات إلى 83.5%، مُستحقًا بجدار لقب "ديكتاتور أوروبا الأخير" الذي منحته إياه الإدارة الأمريكية، فهو الرئيس المتمسك بمنصبه منذ عام 1994.

داهية الكاميرون "بول بيا"

وفي الكاميرون هناك بول بيا، الرئيس منذ أكثر من 35 عامًا، والذي نجا من محاولتي اغتيال، واستخدم العنف والقسوة في مواجهة معارضيه في الانتخابات. وعلى أية حال فالرجل ليس بحاجة لانتخابات، ففي حكومته يُعيّن الوزراء ويعزلون دون الالتقاء بالرئيس!

إقصاء المنافسين، بل سحقهم، هي سنة متبعة بين الديكتاتوريين حول العالم، في مصر كما في بلاروسيا كما في الكاميرون وغينيا الاستوائية

حكم بول بيا بالإعدام على الرئيس السابق أحمدو أهيدجو وهو في منفاه، ورفض دفن جثمان الرجل الذي هو أول رئيس للكاميرون في بلاده، رغم أنه تنازل عن الحكم طواعية في 1982.

اقرأ/ي أيضًا: من حكايات الجنرال الخطير 

بول بيا هو رجل جمع اجتمع قلبه قسوة الديكتاتورية، وعشق باريس مدينة الجمال، التي كان يقضي فيها معظم وقته بعيدًا عن أهل بلاده الجائعين، فينفق يوميًا 40 ألف دولار.

في عام 2008 تظاهر الناس من فراغ بطونهم فسحقت الشرطة المنظاهرين في الشوارع. كان قبلها قد عدل الدستور في نفس العام لضمان جلوسه على العرش مدى الحياة، واحتلفت المحطات الإذاعية والتلفزيونية، وعندما حاولت المعارضة اليسارية التشويش بمظاهراتها على الاحتفالات، واجهتها شرطة مكافحة الشغب وقتلت أكثر من 100 إنسان.

حين مات أسد بول بيا في حديقة الحيوان، والذي كان يعتز به كثيرًا، اعتبر البعض أن ذلك فأل سيئ، وأن الأسد يمهد طريق الآخرة لصاحبه في الرئاسة، وانتشرت الشائعات بين الناس، حتى خرج التليفزيون الحكومي يخبر الناس أن من يريدون موت بول بيا عليهم أن ينتظروا 20 عامًا أخرى.

يعزون أحد مفاتيح "طول عمره السياسي" بزوجته شانتال، ذات الشعر البرتقالي التي تصغره بأربعين عامًا والتي يسمونها في الخطاب الإعلامي الرسمي بـ"أميرة القلوب".

تيودور أوبيانغ.. آكل لحوم البشر!

في آخر انتخابات أجريت منذ عامين في غينيا الاستوائية، فاز الرجل الذي يحكم بالفعل منذ 37 عامًا بما نسبته 93% من الأصوات الانتخابية، أو هكذا قال نظامه. وهو الذي يحكم البلاد منذ انقلابه العسكري الدموي على عمّه الذي أعدمه لاحقًا.

اتهمه معارضوه بأكل لحوم البشر، تحديدًا أكل أجزاء من أعضاء خصومه، اعتقادًا منه أنها طريقة للحصول على مزيد من القوة.

وفي عام 2010، أفادت منظمة العفو الدولية بأن أتباع تيودور أوبيانغ اختطفوا أربعة مواطنين يعيشيون في المنفى، وأخفتهم قسريًا، وعذبتهم، ثم أجبرتهم على الاعتراف بمحاولة انقلاب مزعومة، ثم أعدمتهم جميعًا بعد محاكمة عسكرية.

وبالتركيز على الانتخابات ونتائجها، فإن الرجل لا يفوز بأقل من 90%، لذا ترى القوى الغربية أن سيطرته لا فكاك منها. وهو يدير بلاد تتمتع بنفطها، ويتمتع هو بعوائده بلا حساب، ويحظى بسببه بالدعم الغربي، أو على الأقل التغاضي عن جرائمه.

يُتهم تيودور أوبيانغ، رئيس غينيا الاستوائية منذ 37 عامًا، بأكل لحوم البشر، تحديدًا لحوم معارضيه!

وفي منظر آخر ضيق لميدان التحرير، ينجح الرئيس في فترة رئاسية ثانية، بالكثير من المجهود الأمني بمحاصرة كل من حاول أن يترشح أمامه. الخوف من الصدف القدرية قد يكون سببًا وجيهًا. ودافعو ضريبة بقائه، سيعيشون مزيدًا من "السلام الدافئ" مع إسرائيل، ومزيدًا من تهديد أمنهم في سيناء، وفي مائهم بسبب سد النهضة، وربما مزيد من الانبطاح للكفيل السعودي الإماراتي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عزمي بشارة... تحولات الثورة المصرية (2- 2)

"28 يناير".. عيد الثورة المصرية الحقيقي