25-يناير-2018

أرشيف 858

قال الروائي الراحل عبد الرحمن منيف: "الذاكرة بالنسبة للإنسان هي التجربة، وهي التي تمنع الهزيمة". 

الحكاية المروية عن حدث ما تخضع بالضرورة لموازين صاحب الرواية، تتدخل قدرته السردية، وأخلاقياته وانحيازاته في تحديد ماهية الزاوية التي يُروى من خلالها ذلك الحدث. وبالنسبة لحدث مثل الثورة المصرية، تلك التي ارتبطت بالخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير سنة 2011، فإنها وبعد سبع سنوات، تبدو وكأنها تتجه نحو التآكل بفعل استمرار سيطرة العسكر على كل آليات "تثبيت" ودعم الذاكرة.

تميزت السنوات الأخيرة بمحو معظم ما يتعلق بالثورة من أرشيف الصحف المصرية وإحلال عيد الشرطة وإعادة تصديره إلى الواجهة

اقرأ/ي أيضًا: "28 يناير".. عيد الثورة المصرية الحقيقي

نسف الأرشيف وخطاب جديد عن الثورة على مقاس المنتصرين..

البداية كانت بمحو أرشيف الثورة المصرية من أرشيف الصحف المصرية تحديدًا، ويمكن الاطلاع على هذه المنهجية من خلال صفحة ثورة 25 يناير على موقع ويكيبيديا، وخاصة في الإحالات التي تتعلق بانتهاكات الشرطة لحقوق المواطنين وحالات التعذيب التي تم توثيقها في الصحف المصرية. مثلاً تم محو الفيديو الخاص بمقتل سيد بلال من موقع جريدة الدستور وهي الإحالة رقم 24 في صفحة الثورة على ويكيبيديا، أو الإحالة رقم 5 في المراجع أيضًا، وهي تحت تحت عنوان: "حركة 6 إبريل تدعو إلى تظاهرات ضد عنف الشرطة"، و يظهر رابط الإحالة وقد حذف محتواه.

ومن أحد الملامح الجديدة أيضًا التي يتم تبنيها إعلاميًا في تاريخ ثورة الخامس والعشرين من يناير، إحلال عيد الشرطة وإعادة تصديره إلى الواجهة في ذكرى الثورة، حيث ترفع الداخلية هذا العام شعار: "عيد الشرطة الـ66"، وهو الذي يتوافق تاريخيًا مع معركة الإسماعيلية عام 1952 التي استشهد فيها 85 من رجال الشرطة المصرية على يد الإنجليز، مع تجنب الحديث عن ثورة 25 يناير تمامًا تقريبًا.

إن ما يخلد الأحداث في الذاكرة، غير الاحتفالات السنوية، هي المتاحف والأفلام والفيديوهات والنصب التذكارية والكتب وغيرها، لكن في حالة الثورة المصرية، تم منع عرض الأفلام التي كان من الممكن أن تتعرض لأحداثها مثل فيلم 18 يوم، ومن ثم الاتجاه إلى صنع أفلام تمجد السلطات المصرية الحالية مثل الفيلم الذي أحدث جدلًا مؤخرًا "سري للغاية" والذي يقوم ببطولته أحمد السقا. هذا مع ضرورة الإشارة للمسح المتعمد لجرافيتي الثورة من كل المساحات في التحرير وشارع محمد محمود وغيره من الشوارع.

اقرأ/ي أيضًا: المغتربون في ذكرى الثورة: الظلم في الوطن غُربة!

أرشيف 858: توثيق زخم الثورة

ظهرت مؤخرًا منصة 858، وهي منصة توثيقية تتضمن مقاطع فيديو خاصة بثورة 25 يناير وتطوراتها، كمحاولة لحماية الذاكرة

في الأثناء ظهرت منصة 858، وهي منصة توثيقية تتضمن مقاطع فيديو خاصة بثورة 25 يناير وتطوراتها. المنصة عبارة عن تعاونية مصرية، تكونت عام 2011، بجهود عشرات من الأشخاص الذين حصلوا على مقاطع فيديو خاصة بأحداث مختلفة حدثت خلال الثورة وانتفاضة الشعب المصري، وقد تم تسجيل 858 ساعة من مقاطع الفيديو، إضافة إلى معلومات تم الحصول عليها توثق الفيديوهات.

يتحدث القائمون على منصة 858 عن كونهم "أصحاب مشروع ثوري توثيقي" لأحداث الثورة وخاصة في محافظة القاهرة، وطموحهم أن يكون الأرشيف تفاعليًا بحيث يمكن أن يدخل أبناء المحافظات الأخرى ليضيفوا ما حصلوا عليه أو ما صوروه من مقاطع فيديو من أيام الثورة. ويوضع كل أرشيف المواد المنشورة في الموقع الخاص بمشروع 858 تحت اسم "رخصة المشاع الإبداعي" أي أنها متاحة لجميع المستخدمين.

وفي ظل محاولات طمس الحديث عن الثورة، وإعادة نحت المصطلحات الخاصة بها من ناحية، وتحويلها إلى عيد يخص الداخلية المصرية التي قامت الثورة بالأساس بسبب ممارساتها، وفي ظل ضجر الشارع المصري، المرهق من الحديث عن الاحتجاجات والتظاهرات، وأيضًا بعد غلق المجال العام تمامًا أمام أي حراك سياسي أو اجتماعي يشكل أي ضغط على السلطات الحالية، يبقى الحاضر محاصرًا، بينما تبدو محاولات توثيق الثورة أملاً جديداً في حماية الماضي والذاكرة.

[[{"fid":"98157","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"أرشيف 858 ","field_file_image_title_text[und][0][value]":"أرشيف 858 "},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"أرشيف 858 ","field_file_image_title_text[und][0][value]":"أرشيف 858 "}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"أرشيف 858 ","title":"أرشيف 858 ","height":498,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

 

اقرأ/ي أيضًا:

عزمي بشارة.. الحفر في الثورة المصرية (1- 2)

عزمي بشارة... تحولات الثورة المصرية (2- 2)