15-يوليو-2020

المترجم هوجو مايا

لـ علي الدوعاجي الأديب التونسي الذي كان زعيم جماعة تحت السور الثقافية في ثلاثينات القرن العشرين أغنية شهيرة:

عاش يتمنّى في عنبه

مات جابولو عنقود

 

ما يسعد فنّان الغلبة

إلّا من تحت اللّحود

كان يمكن أن أبدأ تقديمي لهذا الحوار مع اللشبوني هوجو مايا بهذه المقاطع الشهيرة التي صارت تجري على كل لسان يريد أن يعطي مثالًا أو تعليقًا على الجحود الذي يعيشه الفنان والأديب بين أهله حيًّا، فالكاتب العربي الجيد هو الكاتب الميت.

هذا الحوار القصير أجريته مع مترجم نشر هذه الأيام ترجمة كتاب "جولة بين حانات البحر المتوسط"، وهو واحد من أهم كتب علي الدوعاجي إلى البرتغالية. ولكنني سأبدأ بمشكلة تتعلق بالترجمة. إن التفات هذا المترجم إلى علي الدوعاجي وقصته مع نشرها في البرتغال في ظل عدم وجود دعم واهتمام بالأدب العربي وترجمته يعكس قيمة الكاتب علي الدوعاجي، وأن التاريخ ينصف الكتاب الحقيقيين، وأن هذا التهافت من الكتاب العرب اليوم لترجمة أعمالهم بطرق شتى؛ من دفع الأموال إلى تدخل الدولة لترجمة الأدب المحلي كحالة من احتضان اللحم النتن أحيانًا، ومحاولة تسميم الآخر به لا معنى لها، وأن الأدب المحلي الذي يرتقي إلى العالمية سيصلها ولو بعد حين دون أي إكراهات.

الكتاب رحلة علي الدوعاجي عبر الباخرة شملت كرسيكا ونيس ونابلي والبيرة وأثينا والدردنيل وإسطنبول وأزمير. نشرت متسلسلة أول مرة في مجلة العالم الأدبي سنتي 1935 و1936 بدأها بقوله: "لا أعرف من أين يجب أبدأ الحديث. بالضبط، وكل ما أعرفه هو أني عزمت على كتابة هذه الرحلة التي قمنا بها في صيف عام 1933".

هذا حوار فيه روح علي الدوعاجي الساخرة، ولا ندري هل روح الدوعاجي لصقت بالمترجم أم روح المترجم الساخرة هي التي قادته للنص والكاتب الساخر؟


  • هوجو مايا، الشاب البرتغالي الذي صار مترجمًا للأدب العربي. كيف تعلمت العربية؟

 حصلت على الإجازة والماستر في الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية. لم أختر اللغة العربية بل كانت هذه التي اختارتني. في عام 1999 سجّلت في دروس العربية في جامعة لشبونة لمجرد الفضول فقط. كنت أتساءل آنذاك: لما لا أتعلم قليلًا من جيراننا وأسلافنا؟ لم أتوقع سأكون أفضل طالب في صفي ولذلك حصلت على منحة لكي أدرس العربية في الصيف في معهد بورقيبة بتونس. بعد هذه الدورة الدراسية الصيفية أدركت أن الطريقة الوحيدة لكي أتعلم اللغات العربية (أي اللغة الفصيحة واللغات العامية) كانت تسجيلي في معهد في بلد عربي. كما أعجبتني تونس وجودة التعليم في معهد بورقيبة، سجلت في دروس العربية المكثفة هناك للعام الدراسي 2001 - 2002 وأتممت المستوى المتقدم. لسوء الحظ لم أتعلم اللغة العامية التونسية إلا قليلًا. ولكن في بداية عام 2009 هاجرت إلى المغرب حيث اشتغلت في ميادين مختلفة. هذه المرة انتهزت الفرصة لكي أتعلم اللغة العامية المغربية.

هوجو مايا: لا بد لكل من يتعلم اللغة العربية كلغة حية أن يتعلم على الأقل لهجة عامية واحدة

  • هل تعتبر ذلك مهمًا أم ضروريًا؟

لا بد لكل من يتعلم اللغة العربية كلغة حية أن يتعلم على الأقل لهجة عامية واحدة. ترافقني الكتب منذ طفولتي وتعلّم هذه اللغة الجميلة فتح لي أبواب الأدب العربي.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| يولاندا غواردي: مهمة الأدب تدمير الكليشيهات

  • ترجمت "جولة بين حانات البحر المتوسط" لعلي الدوعاجي. كيف توصلت إلى الكتاب؟

اكتشفت هذا الكتاب في عام 2002 عندما كنت أدرس العربية في تونس الخضراء. لا أتذكر كيف أو في أية الظروف بالضبط، إذا كان أحد أساتذة في معهد بورقيبة أو أحد أصدقائي الذي نصحني بقراءته، أو إذا اكتشفته بالصدفة في إحدى مكتبات تونس العاصمة. جذبني عنوانه جذبًا كبيرًا وجذبتني قراءته جذبًا أكبر. لم أكن أعرف آنذاك مَن هو علي الدوعاجي وأهميته في البانوراما الأدبية التونسية، فكنت سأكتشف كل هذا بعد قراءة كتابه عندما بحثت عن معلومات حول المؤلف.

  • ومتى فكرت في ترجمته؟ لماذا ترجمة علي الدوعاجي الآن؟

كنت كلما قرأت من كتابه كلما فكرت في ترجمته إلى البرتغالية، وجدت في سلوك السفر عند الدوعاجي مرآة تعكس ما أقوم به أنا عند زيارتي إلى مكان ما، وهو زيارة الحانات والمقاهي قبل أن أزور المتاحف أو المكتبة. مثلًا في آن من آونة حياتي سكنت في أمستردام شهرًا كاملًا قبالة متحف فان غوغ وما زرته أبدًا! والغريب أنه فنان أحترمه وتعجبني أعماله كثيرًا، ولن أنسى انطباعها على خاطري أول مرة شاهدتها. كان ذلك في باريس.

  • كيف تمت هذه الترجمة ونشرها؟

حاولت أن أقترح مشروع ترجمة جولة بين حانات البحر المتوسط عام 2008 دون نجاح. بعد ذلك هاجرت إلى المغرب ودُفِن هذا المشروع. عند رجوعي إلى البرتغال نهاية عام 2014 جاءتني الفرصة لترجمته عند دار نشر جديدة. ولكن قبل ذلك انغمست في مشروع عملاق تطلب مني كثيرًا من الوقت والمجهودات وكان هذا المشروع ترجمة ألف ليلة وليلة إلى البرتغالية اعتمادًا على أقدم مخطوط. علي إن أقول أنّ هذا المخطوط يختلف كثيرًا عن النسخ المطبوعة المتوفرة في أيامنا، ولغته مزيج من الفصحى واللغات العامية للمشرق العربي، خاصة اللهجة المصرية. وبالتالي كان انتظارًا طويلًا لكي تنشر ترجمة "جولة" علي الدوعاجي في البرتغال. وإضافة إلى الجولة تتضمن هذه الترجمة خمس قصص من أقاصيصه.

هوجو مايا: نشرت الترجمة البرتغالية لـ"سيدات القمر" للكاتبة العمانية جوخة الحارثي، ولكنها تُرجمت من الإنجليزية وليس من العربية!

  • ما الذي شدك في الكتاب؟

السخرية، طبعًا! علي الدوعاجي له طريقة خاصة في هذا الشأن لا مثيل لها، خصوصًا السخرية من البورجوازية الجديدة ومن تغريب العادات. وبرأيي كثير من ملاحظاته لا تزال سارية. ومن خصائصه الأخرى التي أدهشتني أذكر لعبه بالكلمات، مما يجعل ترجمته صعبة. وكذلك وجدت صعوبة أخرى وهي استعمال العامية التونسية (التي لا أتقنها إلا قليلًا) في بعض المقتطفات. بعض مرات كان من الضروري أن أطلب المساعدة إلى صديقي الأستاذ عبد الجليل العربي الذي أشكره على دعمه.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| طارق إمام: المدن الأكثر حداثة تبدو لي وثنيةً

  • وهل تنوي مستقبلًا مواصلة اكتشاف الأدب التونسي والعربي؟

صراحة، أنا لست مستكشفًا للأدب، يكون تونسيًا أم لا. في الأساس أنا قارئ تعجبني القراءة. لست باحثًا متخصصًا في الآداب بل صيادًا يتصيّد الجنون ولا تهمه الحدود. وإذا تصيدتُ سمكة جميلة ولذيذة مثل القاروص، أعتبر أن أفضل طريقة لأكلها هي الترجمة لأن الترجمة تمكن من مشاركة لذة لحمها ونكهتها ومذاقها مع القارئين البرتغاليين. بصفتي قارئ العربية أبحث عن ألذ سمك في محيط الأدب العربي وألذ الأسماك لا بد من مشاركتها مع الآخر.

  • هل الأدب العربي مرحب به في البرتغال؟

لسوء الحظ هنا في البرتغال أغلبية الناشرين لا يعرفون كثيرًا من الأدب العربي على رغم أن لدى البرتغال حدود بحرية وجوية مشتركة مع المغرب. إضافة إلى ذلك لا يوجد أي دعم مؤسساتي لترجمة الأدب العربي إلى البرتغالية. دعني أعطيك مثالًا لهذه الحالة الكارثية: هذا العام نشرت الترجمة البرتغالية لـ"سيدات القمر" للكاتبة العمانية جوخة الحارثي، ولكنها تُرجمت من الإنجليزية وليس من العربية!

  • ما هي الأعمال الأخرى التي تنوي ترجمتها؟

 ترجمتي المقبلة التي قد تمت وستنشر بداية العام الآتي فقط، فستكون ترجمة "الخبز الحافي" لمحمد شكري. من المعروف أن شكري كان أميًّا حتى بلغ 18 سنة. وما جعله يريد أن يتعلم الكتابة والقراءة كان قصيدة "إذا الشعب يومًا أراد الحيـاة" للشاعر العظيم التونسي أبي القاسم الشابي.

هوجو مايا: بصفتي قارئ العربية أبحث عن ألذ سمك في محيط الأدب العربي وألذ الأسماك لا بد من مشاركتها مع الآخر

  • دائما تونس حاضرة وكان محمد شكري أيضًا يحب أن يستمع إلى المطربة التونسية صليحة. لكن أين تجد عظمة الشابي؟

صاحبت هذه القصيدة أحداثا تاريخية مهمة لهذا العصر مثل النضال ضد الحماية والاستعمار والاحتقار، سواء داخل البلاد التونسية أو خارجها في بلدان عربية أخرى، وكذلك لا تزال حاضرة في نضالات اجتماعية مهمة في الفترة بعد الاستقلالات في العالم العربي مثل النضالات الطلابية في 1972 بتونس، والخميس الأسود في 1978، وانتفاضات الخبز بتونس في 1984 وبمصر في 1977 وبالمغرب في 1981، وإلى الآخر وبطبيعة الحال الأحداث التي سميت بالربيع العربي والتي انطلقت من سيدي بوزيد في 2010.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| غرادا كيلومبا: الأبيض ليس لونًا

وسار مشروع ترجمة الخبز الحافي نفس المسار لجولة علي الدوعاجي فإني اقترحتها عام 2008 لناشرين كثيرين لكني لم أتوصل إلى أي رد إيجابي.

بطبيعة الحال لا أتجنب ترجمة أدباء تونسيين أُخَر مثل محمود المسعدي أو عز الدين المدني. أظن أنه يوجد في أيامنا موجة أدبية جديدة لا بد أن أتبعها. ومن هؤلاء، أنا مولع بالحبيب السالمي. ولكن حلمي الأكبر في مجال الترجمة ليس رواية.

  • ما هو حلمك إذًا؟

أعمال الفيلسوف ابن خلدون ولا شك أنه أبو التاريخ وعلم الاجتماع بمعناهما العصري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار| الشاعر بيتر نوبيرغ: الشعر السويدي معادٍ للاستهلاك

حوار| باسم شرف: الكتابة لعبة القمار مع القارئ