14-نوفمبر-2019

عالمة النفس والفنانة غرادا كيلومبا

نُشرت هذه المقابلة مع الدكتورة غرادا كيلومبا مؤلفة كتاب "ذكريات مزارع العبيد: حلقة من العنصرية اليومية" أول مرة في موقع أفريكان تايمز "The African Times"، وأجرتها ستيفاني هيرسبرنر. تعود أصول غرادا كيلومبا إلى جذر ساوتومي وبرنسيب والبرتغال. ومجال اهتمامها البحثي الأصلي هو العنصرية. اضطرت إدارة جامعة برلين الحرة إلى نقل محاضرتها إلى واحدة من أكبر قاعات المحاضرات في الجامعة لكثرة الطلاب الراغبين في حضور درسها.


  • كيف تفسرين هذا الاهتمام الهائل الذي تحصلين عليه حين تتحدثين عن العنصرية، خصوصًا من البيض؟

أولًا، من المهم أن نعرف من يدرس وماذا يدرس وكيف. أحاول جمع التقاليد الأكاديمية في التدريس مع الأدب والحبكة الإبداعية. بهذه الطريقة تصبح المحاضرة فنية للغاية ومثيرة للطلاب ولي. اكتسبت هذا الأمر من كتاب آخرين مثل فرانز فانون.

غرادا كيلومبا: تبدأ معالجة المرء لعنصريته بالإنكار، يليه الشعور بالذنب، ثم الإحساس بالعار الذي يسمح للمرء بالاعتراف

عندما تقرأ أعمالهم، لا تدري كيف تصنفها فعليًا. هل هي شعر أم نثر أم علم سياسي؟ أحب خليط التخصصات والمجالات والرؤى هذا، لأنه يدعو المرء للنظر في تعقيدات الأمور. كما أني أجدها طريقة صادقة في التفكر في السياسة لأنك تتحدث بها عن موقفك ووضعك الخاص.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| يولاندا غواردي: مهمة الأدب تدمير الكليشيهات

هذا منظور يولد من الهوامش، وهو جديد للغاية بالنسبة لمعظم الطلاب. أنا أعمل مع جيل جديد تمامًا من الطلاب الذي يرغبون في معالجة تاريخهم وموضعة أنفسهم من جديد والعمل لتفادي عنصريتهم هم أنفسهم.

  • العار هو رد الفعل المعتاد للبيض حين يواجهون بعنصريتهم. كيف تحولين رد الفعل هذا إلى شيء مفيد؟

معالجة المرء لعنصريته عملية نفسية وليس هناك ما يربطها بالوازع الأخلاقي. فهي تبدأ بالإنكار ثم يليه الشعور بالذنب ثم الإحساس بالعار الذي يسمح للمرء بالاعتراف. ما إن يحقق المرء الإدراك والاعتراف حتى يبدأ بإصلاح البنى التي ولدت هذه العنصرية وتحقيق ما يسمى بالتعويض.

كثيرًا ما يسأل البيض أنفسهم "هل أنا عنصري؟" هذا سؤال أخلاقي لن يكون بنّاء أبدًا، لأن الإجابة ستكون دائمًا بـ نعم. علينا أن نفهم أننا لقنّا التفكير داخل بنى كولونيالية وعنصرية. السؤال الصحيح هو "كيف أفكك عنصريتي؟". هذا سؤال بنّاء يتخطى ضمنًا الخطوة الأولى وهي الإنكار وتبدأ تلك العملية النفسية.

  • هلا شرحت لنا لم اخترت الكتابة عن العنصرية في الحياة اليومية؟ ما الذي يميز العنصرية الدارجة في الحياة اليومية؟

في كتاباتي، أحب الربط بين الماضي والحاضر، الخيال والواقع، والذاكرة والصدمة باستخدام القصص المروية عن العبودية والكولونيالية. الكيفية التي تعيدك بها العنصرية في الحاضر إلى التاريخ مثيرة للغاية. فهي تعيد تمثيل النظام الكولونيالي: متى ما واجه شخصًا ما العنصرية في لحظة معينة، فهو يعامل باعتباره تابعًا أو آخر "مثيرًا" كما في العصور الكولونيالية. ولأن هذه السلسلة التي تربط العنصرية الحاضرة بالماضي والصدمة الكولونيالية لم تستكشف بعد، قررت كتابة هذا الكتاب في شكل حلقات تحليل نفسي عن العنصرية في الحياة اليومية.

حين نتحدث عن العنصرية، عادة ما يكون ذلك من المنظور السياسي الأوسع، لكن واقع السود وأفكارهم ومشاعرهم وتجاربهم كثيرًا ما تكون عرضة للتجاهل. هذا بالتحديد ما أردته أن يكون لب هذا الكتاب، أن يتحدث عن عالمنا الذاتي المشخصن وغير الموضوعي.

  • هل هناك فروق ملحوظة بين الدول الأوروبية فيما يتعلق بالعنصرية أو الحوار الدائر حولها؟

نعم ولا. تكاد الرؤية النقدية والتأملية حول مدى وحشية الكولونيالية أن تكون منعدمة في الكثير من الدول الأوروبية. في ألمانيا على العكس من ذلك، أرى إحساسًا بالذنب والعار تجاه العنصرية، وهو ما أرى فيه شعورًا بنّاءً. لكن مع ذلك، لا يظهر هذا الشعور إلا فيما يتعلق بالهولوكوست. أما تاريخ الكولونيالية الألمانية فهو مجهول حتى في الكتب المدرسية.

أؤمن أنها عملية جماعية يجب أن تخوضها أوروبا مجتمعة، وتواجه تاريخ العنصرية الإشكالي لديها، والذي بدأ مع العبودية ثم تلته الكولونيالية ثم الانغلاق الأوروبي اليوم. لطالما كانت العنصرية في القلب من السياسة في أوروبا ولم يتغير هذا الأمر حتى اليوم.

  • يقول اقتباس شهير لسيمون دي بوفوار "لا يولد الفرد امرأة بل يصير امرأة"، هل تصح هذه الفكرة لو قلنا "لا يولد المرء أبيضَ، بل يصير أبيضَ"؟

هذه عبارة إشكالية للغاية، لأن أحد الأوهام الكبيرة لدى البيض هي أن لديهم إمكانية الهروب من كونهم بيضاً بالقول "أنا أبيض، لكني لست مثل البيض الآخرين". ما يجب علينا فهمه حين الحديث عن العنصرية هو أن البياض هوية سياسية، تمنح متقلدها امتياز الحضور في وسط المشهد والغياب عنه في نفس الوقت. أي أن تمتلك السلطة، وأن ينظر إلى هذه السلطة باعتبارها محايدة واعتيادية. السمة الجوهرية في العنصرية هي أن تحظى بامتياز البقاء عاديًا دون علامات وأن تميز الآخرين بعلامات في نفس الوقت.

  • إذًا ما الذي يعنيه أن يكون المرء أبيضاً؟

الأبيض ليس لونًا بل هو تعريف سياسي يمثل الامتيازات التاريخية والسياسية والاجتماعية التي يحظى بها أفراد مجموعة معينة، تمكنهم من الانتفاع بالبنى والمؤسسات المهيمنة في المجتمع. البياض يمثل واقع وتاريخ مجموعة معينة. حين نتحدث عما يعنيه أن يكون المرء أبيضَ، فنحن نتحدث عن السياسة وليس عن الجانب البيولوجي. تمامًا كما يمثل مصطلح الأسود هوية سياسية تمثل حقائق تاريخية وسياسية واجتماعية معينة وليست محصورة في الجانب البيولوجي.

غرادا كيلومبا: حين نتحدث عن العنصرية، عادة ما يكون ذلك من المنظور السياسي الأوسع، لكن واقع السود وأفكارهم ومشاعرهم وتجاربهم كثيرًا ما تكون عرضة للتجاهل

كما نعلم، فإن هناك سودًا ذوي بشرة فاتحة وآخرون غامقو البشرة، ومنهم ذوو عيون زرقاء. فهذه المصطلحات تشير إلى التاريخ والواقع السياسي.

  • ما الإسهام الذي يمكن للبيض تقديمه في النضال ضد العنصرية؟

عليهم أن يغيروا أنفسهم وأن ينجزوا واجباتهم في هذا الصدد. وهذا تحديدًا ما دأب السود على فعله طوال 500 عام.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| الشاعر بيتر نوبيرغ: الشعر السويدي معادٍ للاستهلاك

  • هل يمكن للبيض أيضًا أن يكونوا ضحايا العنصرية؟

هذا سؤال يخالف المنطق. من يمارسون العنصرية لا يعانون منها. الأشخاص الذين يُقصون ويهيمنون ويضطهدون لا يكونون ضحايا للقمع في نفس الوقت. لكن شعورًا بالذنب يتولد بداخلهم. وهو ما قد يخلط المرء بينه وبين كونه ضحية. ما يحدث كثيرًا هو أنه بسبب طغيان هذا الشعور يحول المضطهِد نفسه إلى ضحية ويحول الضحية إلى مضطهد. يسمح هذا الأمر للمضطهد بأن يظن في نفسه الخير، وأن يتحرر من القلق الذي تسببه عنصريته. ليس للأسود رفاهية هذا الاختيار.

  • هل تؤمنين بمستقبل يخلو من العنصرية؟

لا. التاريخ والحياة اليومية يظهران العكس. شهد الوضع تحولات كثيرة لكنه لم يخل من التقهقر. فحقيقة تولي أوباما للرئاسة لا تعني انتهاء العنصرية، وحقيقة تولي ميركل لمنصب المستشار الألماني لا تعني انتهاء التحيز الجنسي. وانتخاب عمدة مثلي لبرلين لا يعني أن رهاب المثلية قد انقضى. لكني ما زلت أحلم بمستقبل يعيش فيه الناس متساويين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار | لينا مرواني: المقاومة تنطلق من الوعي السياسي لا من العيش بعقلية الضحية

حوار| أمل بوشارب: لا وجود لأدب مهجر معاصر