22-سبتمبر-2016

ترامب

في مقاله بمجلة فورين بوليسي، يشرح الكاتب والمؤرخ الأمريكي ماكس بوت الأسباب التي تجعل فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في صالح الإرهاب العالمي وتنظيم الدولة الإسلامية على وجه التحديد.

في كل مرة يقع هجومٌ إرهابي ينسب إلى متطرفين مسلمين في أي مكانٍ بالعالم، يدعي ترامب أنه هو الوحيد الذي يستطيع حل مشكلة الإرهاب الإسلامي

في كل مرة يقع هجومٌ إرهابي ينسب إلى متطرفين مسلمين في أي مكانٍ بالعالم، يسارع دونالد ترامب إلى ادعاء -كما فعل عقب تفجيرات عيد الفصح في باكستان- أنه هو الوحيد الذي يستطيع حل مشكلة الإرهاب الإسلامي المتطرف. أدى حماسه إلى تسجيل نقاطٍ سياسية إلى نتائج عكسية في الماضي، على سبيل المثال عقب إطلاق النار هذا الصيف في أورلاندو بولاية فلوريدا، أرسل ترامب تغريدة عديمة المذاق متباهيًا: "أقدر التهاني على كوني مصيبًا بشأن الإرهاب الإسلامي المتطرف، لا أريد تهاني، أريد صلابة ويقظة. علينا أن نكون أذكياء!" لابد أنه أحبط للغاية من أن هجوم أورلاندو، والذي أسفر عن مصرع 49 شخصًا، لم يمنحه دفعة في استطلاعات الرأي. لكن من الواضح أنه يعتقد أنه ما زال هناك بعض الوقت لتحقيق بعض المكاسب السياسية من معاناة الآخرين.

اقرأ/ي أيضًا: ما الذي سيحدث إذا انسحبت كلينتون من الانتخابات؟

في حالة هجمات نهاية الأسبوع في نيويورك ونيوجيرسي ومينيسوتا، والتي لم تقتل أي شخص لكنها تركت الكثير من الجرحى، لم ينتظر ترامب حتى لاكتشاف ما حدث بالضبط قبل أن يخبر جمعًا من مناصريه في ولاية كلورادو مساء يوم السبت: "علينا أن نصبح أكثر صرامة يا رفاق... إنه شيءٌ بشع ذلك الذي يجري في عالمنا وفي بلدنا، وسوف نصبح حازمين وأذكياء ويقظين". في اليوم التالي غرد ترامب بغبطة واضحة: "تحت قيادة أوباما وكلينتون، مر الأمريكيون بعددٍ من الهجمات بالداخل أكبر من الانتصارات بالخارج. حان وقت تغيير أسلوب اللعب".

مع تبقي 7 أسابيع فقط حتى موعد الانتخابات، السؤال المطروح الآن هو ما إذا كان الناخبون سيكتفون بدعوات ترامب للتصرف "بحزمٍ وذكاء" أو ما إذا كانوا سيطالبون بمعرفة كيف بالضبط سيوقف الإرهاب، لأنهم إذا كانوا يريدون التفاصيل، فلن يجدوا أيًا منها. خلف ضجيج ترامب هناك ... المزيد من الضجيج. إلى الحد الذي أفصح به عن أي سياساتٍ بعينها، فإنه يرجح أن يتفاقم الخطر لا أن تخفف من حدته.

شرح ترامب أجندته لمكافحة الإرهاب بأكبر قدر من التفصيل في كلمةٍ له في الخامس عشر من آب/أغسطس بولاية أوهايو. قضى ترامب الجزء الأول من الخطاب في انتقاد الرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بشدة لتمكين الإرهاب من النمو عبر سحب القوات من العراق وقصف ليبيا، من بين قراراتٍ أخرى، دون أن يعترف أنه دعم كلا الخطوتين آنذاك. كان الأكثر وقاحة أنه ردد كذبته المعتادة: "لقد كنت معارضًا لحرب العراق منذ البداية، وهو فرقٌ كبير بيني وبين خصمي". في الواقع، لم يعارض ترامب الحرب علنًا حتى آب/أغسطس 2004، وهو ما لم يكن، حسب ادعائه، "في وقتٍ مبكر للغاية من الصراع"، لكن بعد 17 شهرًا من بدايته، عندما أصبح من الواضح أنه لن يكون نزهة.

في الخطاب ذاته، كرر ترامب عبارةً أخرى من تلك المحببة إليه: "لقد قلت طويًلا أنه كان ينبغي علينا الاحتفاظ بالنفط في العراق، وهي نقطة أخرى ثبت أن حكمي بشأنها كان صحيحًا. حسب سي إن إن، حققت داعش ما يصل إلى 500 مليون دولار من مبيعات النفط في عام 2014 وحده، ما غذّى وموّل حكمها الإرهابي". صحيح أن تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف باسم داعش، يحقق أرباحًا من النفط، لكنه نفطٌ سوري، وليس عراقي. لم يشرح ترامب في ذلك الخطاب، أو في أي تعليقٍ علني منذ ذلك الحين، كيف كان سيستطيع أن "يحتفظ بالنفط في العراق". بالإضافة إلى كونها جريمة حرب (ليس من المسموح لك أن "تحتفظ" بموارد دولة أخرى)، فإن مثل تلك الخطوة كانت لتتطلب احتلالًا طويل الأمد لحقول النفط والموانئ العراقية وجميع المساحات فيما بينها. إذا كانت كراهية الولايات المتحدة سائدة في العالم الإسلامي الآن، تخيل كم كان سيكون الوضع أسوأ إذا كانت الولايات المتحدة قد استولت على الثروة النفطية لدولةٍ إسلامية.

في طرفة عين، انتقل ترامب في ذلك الخطاب من ذكر لاحلول رائعة غير قابلة للتطبيق إلى الدعوة إلى ما يجري بالفعل: "ستقوم إدارتي بالسعي بقوة إلى تشكيل تحالفٍ يقوم بعملية عسكرية مشتركة لسحق وتدمير داعش، وتحقيق تعاونٍ دولي لقطع التمويل عنها، والتوسع في مشاركة الاستخبارات، وشن حربٍ إلكترونية لعرقلة وتعطيل دعايتهم وتجنيدهم". بل إنه تعهد بـ"التوصل إلى أرضيةٍ مشتركة مع روسيا في الحرب ضد التنظيم"، وهو بالضبط ما تفعله إدارة أوباما حاليًا في سوريا دون أثرٍ كبير.

كما تعهد بعقد "مؤتمرٍ دولي" لـ"إيقاف انتشار الإسلام المتطرف". مؤتمرٌ دولي! فكرة عبقرية! لماذا لم يفكر بها أحدٌ من قبل؟ ربما لم يسبق له أبدًا أن سمع عن جميع المؤتمرات التي عقدها وزير الخارجية جون كيري مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في جنيف وفيينا لإيجاد حلٍ للفوضى السورية، حيث سوريا هي الأرض الخصبة الرئيسية للإرهاب اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: السيسي في الأمم المتحدة..لقاءات ورسائل وكوميكسات

بعد قيامه بغزوة مقتضبة مكتوبة مسبقًا إلى عالم السياسة الخارجية الرتيب، عاد ترامب على الفور إلى ما وصل به حيث يقف. جوهر ذلك النهج هو الاستمرار في قول إن العدو هو "الإرهاب الإسلامي المتطرف"، وهو شيء يدعي (مخطئًا) أن كلينتون لا تفعله أبدًا. "لهزيمة الإرهاب الإسلامي"، قال ترامب في أوهايو، "يجب علينا أن نهاجم علنًا أيديولوجية كراهية توفر أرضًا خصبة لنمو لعنف والإرهاب". إلا أن هناك سببًا جيدًا لتردد الرئيسين جورج بوش الابن وأوباما في الحديث عن "الإرهاب الإسلامي"، وهو ليس أن أوباما مسلمٌ متخف، كما ألمح ترامب في الماضي. وإنما لأنهما يدركان أنه في المعركة ضد الإرهاب، لا يمكن للولايات المتحدة الانتصار إلا إذا حصلت على دعم أغلب مسلمي العالم البالغ عددهم 1.5 مليار مسلم. وهذا لا يتم عبر الظهور كمن يهين الإسلام والمسلمين كما يفعل ترامب، فإنه يخدم دعاية تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، والتي تقوم على أن هناك معركة بين الإسلام والغرب.

ما يقدمه ترامب هو الكثير من العداء للمسلمين الذي سيأتي بنتيجةٍ عكسية، ولا داعي للتعجب من أن تنظيم الدولة الإسلامية يصلي من أجل فوز ترامب

لكن ترامب لا يهتم بكسب قلوب وعقول المسلمين. على ما يبدو فهو يعتقد أنه يمكنه الحفاظ على أمن الأمريكيين عبر الإبقاء على كل الإرهابيين خارج البلاد، كما لو لم يكن العديد من منفذي هجمات ما بعد 11 سبتمبر -مثل الميجور نضال مالك حسن، منفذ هجوم فورت هود بولاية تكساس، وعمر متين، منفذ هجوم أورلاندو- نشؤوا في الولايات المتحدة.

في السابع من كانون الأول/ديسمبر 2015، اقترح ترامب لأول مرة حظرًا كاملًا لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة إلى أن يستطيع ممثلو بلادنا فهم ما يجري". ساعد اقتراح حظر دخول المسلمين ترامب على الفوز بترشيح الحزب الجمهوري لكنه تركه عرضة لاتهاماتٍ مستحقة بالتعصب الديني. لذا فإنه في الانتخابات العامة بذل جهدًا كبيرًا لتعديل حظره. هو يعلم أنه يرغب في حظر شخصٍ ما، هو فقط ليس متأكدًا من هو تحديدًا.

في أوائل حزيران/يونيو، قال ترامب إنه سوف يمنع المهاجرين فقط -وليس جميع الزائرين- من البلدان التي لها "تاريخٌ مثبت من الإرهاب" ضد الولايات المتحدة. إذا تم التعامل مع ذلك بجدية، فإنه سوف ينطبق على المهاجرين من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، من بين بلدانٍ أخرى. بعد بضعة أيام، تم تعديل ذلك إلى تعليق "الهجرة من المناطق التي تم ربطها بالإرهاب"، وهو ما لا يحل المشكلة، حيث إن جميع مناطق العالم تقريبا تم ربطها بالإرهاب. بحلول منتصف تموز/يوليو، تم تعديل الحظر مجددًا لينطبق على "أي دولة اخترقها الإرهاب"، وهو تصنيف أكثر غموضًا قد ينطبق بسهولة على الولايات المتحدة نفسها تمامًا كما قد ينطبق على العراق أو سوريا، على سبيل المثال.

تضمن خطاب ترامب في الخامس عشر من آب/أغسطس دعوة إلى وقف الهجرة من "المناطق التي لا يمكن فيها حدوث فحصٍ مناسب"، بينما أضاف تصنيفًا آخر لغير المرغوبين: تعهد ترامب "بفحص أي شخص لديه مواقف عدائية تجاه بلادنا أو مبادئها – أو يعتقد أن الشريعة يجب أن تحل محل القانون الأمريكي"، على حد قوله. لكنه لم يقل، بالطبع، كيف سيطبق ذلك النوع من الفحص. هل سوف يسأل العاملون بمصلحة الهجرة والجوازات الأمريكية الزائرين عما إذا كان لديهم "أي مواقف عدائية تجاه بلادنا"؟ يبدو أنه لم يخطر أبدًا على بال ترامب أن الإرهابيين قد يكذبون بشأن آرائهم الحقيقية.

هو بالتأكيد لم يسمع عن التقية، وهو المصطلح الإسلامي للكذب لتجنب الاضطهاد. كما أن تركيزه على الشريعة هو أيضًا غير شرعي. إنه يشبه قول إنه سوف يفحص أي زائر يعتقد أن سلطة البابا تحل محل سلطة رئيس الولايات المتحدة. جميع المسلمين الملتزمين يمتثلون للشريعة، تمامًا كما يلتزم اليهود الملتزمون بالهالاخاه (الشريعة اليهودية) ويلتزم الكاثوليك بالقانون البابوي، لكن ذلك لا يجعلهم أمريكيين سيئين أو إرهابيين محتملين.

إضافة إلى ذلك فما الذي سيحدث إذا تمكن بضعة إرهابيين شاردين من التسلل عبر الضوابط الحدودية التي يتباهى بها ترامب أو إذا كانوا هنا بالفعل؟ يقترح ترامب باستمرار أن الإجابة على الإرهاب هي "التنميط"، والذي، كما يدعي، لا نقوم به اليوم بسبب "الصواب السياسي". متحدثًا إلى برنامج فوكس آند فريندز يوم الاثنين، قال ترامب: "شرطتنا المحلية، إنهم يعلمون هوية الكثيرين من هؤلاء. إنهم خائفون من القيام بأي شيء بشأن ذلك لأنهم لا يرغبون في أن يتم اتهامهم بالتنميط. وهم لا يرغبون في أن يتم اتهامهم بجميع تلك الأشياء".

هل هناك أي أدلة على أن وكالات إنفاذ القانون قد اكتشفت الكثير من الإرهابيين لكنها لا تقوم بأي شيء بسبب "الصواب السياسي"؟ بالطبع لا. تمامًا كما لا يوجد أي أدلة على أن أصدقاء وجيران منفذي هجمات أورلاندو وسان برناردينو كانوا يعلمون بما ينتوون عليه لكنهم رفضوا إبلاغ الشرطة، كما يدعي ترامب باستمرار. وتمامًا كما لا يوجد أي أدلة على أن "الآلاف" من المسلمين احتفلوا بأحداث 11 سبتمبر في مدينة جيرسي سيتي بولاية نيوجيرسي. ما يبدو أن ترامب يقترحه هو أن تطبق استراتيجية معاملة المسلمين الأمريكيين على أنهم عدو الداخل، وهي نبوءة ذاتية التحقق إذا كان هناك واحدة.

رغم كل ما تفوه به ترامب، إلا أنه ما زال عليه أن يقدم حلًا قابلًا للتطبيق في مواجهة الإرهاب. ما يقدمه هو الكثير من العداء للمسلمين الذي من المؤكد أنه سوف يأتي بنتيجةٍ عكسية. لا يثير الأمر الكثير من التعجب أن تنظيم الدولة الإسلامية يصلي من أجل فوز ترامب. في مقالٍ لمجلة تايم لم ينل ما يستحقه من انتباه، كتب مات أوسلن، الرئيس السابق للمركز الوطني لمكافحة الإرهاب: "في أغسطس، كتب أحد المتحدثين باسم تنظيم الدولة الإسلامية: "أتمنى من الله أن يمنح ترامب أمريكا". بينما أعلن مؤيدٌ آخر للتنظيم: "إن تسهيل وصول ترامب إلى البيت الأبيض يجب أن يكون أولوية للجهاديين بأي ثمن!" داعش تعمل على حشد التأييد للمرشح الذي وصفته بـ’العدو المثالي’".

إنها مفارقة شديدة ومزعجة للغاية أن يقدم مرشح الأحلام لتنظيم الدولة الإسلامية نفسه على أنه المرشح الأقوى في مواجهة الإرهاب. إذا كان الناخبون لا يستطيعون رؤية ما وراء خدعة ترامب، فإن التنظيمات الإرهابية مثل الدولة الإسلامية والقاعدة سوف تتلقى مساعدة غير مسبوقة من رئيس الولايات المتحدة القادم. تخيل ما الذي سوف يستنتجه شخص مؤمن بنظريات المؤامرة، مثل دونالد ترامب، من ذلك.

اقرأ/ي أيضًا:

أشرف مروان..كيف تجاهلت إسرائيل جاسوسها الأثمن؟

ترامب يلحق بكلينتون في استطلاعات الرأي