24-نوفمبر-2017

رغم ثروات المغرب الطبيعية المهمة، يرزح قطاع واسع من السكان تحت خط الفقر (فاضل سنا/أ.ف.ب)

استفاق المغرب حديثًا على وقع فاجعة وفاة 15 امرأة و7 إصابات بمدينة الصويرة، لقين حتفهن في تزاحم من أجل الحصول على معونات طحين لا يتعدى ثمنها 15 دولارًا، الحادثة لفتت انتباه الرأي العام الداخلي والخارجي نحو فداحة أوضاع الفقر والهشاشة التي بات يعيش فيها قسم واسع من المغاربة، بالرغم من الثروات الطبيعية والإنتاجية التي يزخر بها هذا البلد.

قصة المغاربة مع الجوع قصة مريرة، تمتد جذورها عميقًا في التاريخ ولا تزال رواسبها الثقافية والنفسية مستمرة إلى اليوم

لكن الحصيلة الثقيلة في الأرواح التي خلفتها الكارثة، تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول مدى تجذر الجوع في نفسية جزء واسع من المغاربة، لدرجة أن يخسر المرء حياته في زحام، لقاء كيس من الدقيق، لفهم تلك العلاقة ينبغي سبر تاريخ المغرب مع الجوع وما خلفه من آثار باقية.

اقرأ/ي أيضًا: فاجعة الصويرة بالمغرب.. الفقراء دائمًا الضحية

مجاعات اجتاحت المغرب

قصة المغاربة مع الجوع قصة مريرة، تمتد جذورها عميقًا في التاريخ ولا تزال رواسبها الثقافية والنفسية مستمرة إلى اليوم، حيث عاش سكان البلاد حقبًا قاسية من المجاعات منذ القدم، خلقت ندوبًا عميقة في نفسية الإنسان المغربي، وتذكر بعض المصادر التاريخية أن المغرب قد شهد 12 مجاعة كبرى على الأقل في العشرة قرون الأخيرة.

"مجاعة الطاعون" كانت واحدة من هذه الجوائح، بدأت سنة 1520م واستمرت أربعة أعوام، عندما ألمَّ الجفاف بالبلاد، وضاعت محاصيل القمح والشعير، فقل الطعام وارتفع ثمنه، حتى صار الناس يجوبون الغابات بحثًا عن طريدة أو نبت أكيل، وانتشرت أعمال السطو والغزو لسرقة المؤن بين القبائل، ويورد أحد المستكشفين البرتغاليين الذين عاصروا تلك الجائحة، دامياوديكويش، في مذكراته، أن مجاعة شديدة اجتاحت هذا القسم من إفريقيا، كما اجتاحت الجزيرة الأيبيرية، "فكانت من الفداحة أن اضطر معها المغاربة سكان آسفي وأزمور إلى اعتناق المسيحية، وطلب الملك "دون منويل" السماح لهم بالمجيء إلى البرتغال، عساهم يصيبوا فيها أقواتًا"، حتى أن الرجل المغربي والمرأة المغربية يبيعان نفسيهما مقابل طبق من التين أو من الزبيب.

وفي سنة 1976م حدثت إحدى أسوأ الكوارث في تاريخ المغرب، حيث تقلص بسببها عدد السكان من خمسة ملايين إلى ثلاثة ملايين، واضطر آنذاك الناس لإخماد نار جوعهم إلى الاختطاف والبغاء والتسول، فيما لجأ آخرون إلى افتراس الكلاب والقطط والخنازير وأكل حشائش الأرض، عرفت باسم "المجاعة العظيمة"، لخصها محمد بركاش، نائب السلطان آنذاك بطنجة، بقوله "كان الضعفاء يتخاطفون على الحوت بشدة وازدحام ويأكلونه نيئًا"، ووصفها المؤرخ المغربي الضعيف الرباطي، متحدثًا "مات عامة الناس بالجوع، وعجز الناس عن دفن موتاهم، وكانوا يرمونهم في الأزقة والمزابل".

أما آخر مجاعة عرفها المغرب فهي "مجاعة عام البون"، وقعت سنة 1945 خلال الحرب العالمية الثانية، خلفت الجائحة حوالي خمسين ألف وفاة جوعًا، منهم عدد كبير من الأطفال، حسب تقرير إدارة الصحة العمومية التابعة للمستعمر الفرنسي في تلك الفترة، لجأ الناس آنذاك إلى الإقبال على النباتات البرية، مثل "إيرني" و"الكَرنينة" و"البقولة" و"الحميضة"، بسبب ندرة الطعام، كما لجؤوا إلى صيد الطيور والقنافذ وزواحف الأرض.

تعافى المغرب من هذه المجاعة بفضل مساعدات الولايات المتحدة حينها، التي كانت تصدر للبلدان الفقيرة ملايين الأطنان من القمح الطري، المعروف باسم "فارينا"، لإنقاذها من الجوع، فأقرت السلطات نظامًا لتوزيع هذا الطحين الأمريكي لتفادي الصراع حول الحصول عليه، عرف بنظام "البون"، حيث يحصل الناس على وصل لاستحقاق كيس من الدقيق، ولا يزال هذا النظام سائرًا إلى اليوم، ولهذا سميت تلك الجائحة بـ"مجاعة عام البون".

اقرأ/ي أيضًا: المغرب تهتز.. فاجعة الصويرة تعكس عمق معاناة المواطن المغربي

الجوع لا يزال مستمرًا في المغرب

كان للمجاعات التي عرفتها المغرب تأثيرًا كبيرًا في تشكيل الوعي الجمعي، حتى صار الخبز نعمة مقدسة في الثقافة المغربية، فضلاً عن أن حضوره مرادف للاستقرار

وعلى الرغم من انقراض المجاعات، كما كان يعرفها الناس قديمًا، إلا أنه كان لتلك الجوائح تأثيرًا كبيرًا في تشكيل الوعي الجمعي وذاكرة المغاربة، حتى صار الخبز نعمة مقدسة في الثقافة المغربية، فضلاً عن أن حضوره مرادف للاستقرار والنماء وغيابه يعني الصراع والأهوال الأليمة في عين الإنسان المغربي، ومع ذلك فإنه لا يزال الوقت مبكرًا للاعتقاد بأن المغرب تخلص من الجوع فعليًا.

تزخر المملكة بثروات طبيعية هائلة، فهي تحتضن أكبر احتياطي للفوسفات عالميًا، حيث تستحوذ على نسبة %80 من هذا المعدن بالعالم، قادر على تغطية حاجيات بلدان المعمورة من هذه المادة لمدة 700 سنة قادمة، علاوة على معادن الذهب والفضة والنحاس والحديد، كما ينفتح المغرب على واجهتين بحريتين بمساحة بحرية تقدر بـ 115 ألف كيلومتر مربع، جعلته ضمن 20 دولة الأولى في تصدير السمك في العالم، بالإضافة إلى أن %17 من أراضيه صالحة للزراعة أي بمساحة دولة بلجيكا.

لكن الفساد والنهب وسوء التدبير من قبل الطبقة السياسية والنخبة المالية حال دون تمتع سكان البلد بهذه الثروات، إذ لا يزال قرابة 5 ملايين ونصف مغربي ومغربية تحت خط الفقر المدقع، بحسب تقرير البنك الدولي، بحيث يتواجد ثلثي فقراء المغرب بالبوادي والقرى، ويحتل المغرب الرتبة 77 في مؤشر الجوع العالمي لسنة 2016، إذ يذكر تقرير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن هناك حوالي 1.2 مليون مغربي يعانون من قصور في التغذية، بينهم 100 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من الهزال.

وخلال الأيام القليلة الماضية، كشفت دراسة أعدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنك المغرب أن قيمة الثروة الإجمالية للمغرب تضاعفت لتصل ما يفوق 12 ألف مليار درهم (قرابة 1200 مليار دولار)، أي أن نصيب الفرد يفترض أن يكون 375 ألف درهم، في حين ينحدر الدخل الفردي المغربي نحو فئة دول العالم الأضعف، علماً أن هناك هوة شاسعة من حيث توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء والمدن والقرى، حيث يقول في هذا الصدد تقرير صادر عن مؤسسة "أفراسيا بنك"، إن "هناك فئة اجتماعية قليلة مقربة من دوائر القرار هي التي تستفيد من الثروة التي أنتجها المغرب في السنين الأخيرة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الفوسفات.. الثروة المهدورة في المغرب

هل ستصبح المغرب من دول "البترودولار" قريبًا؟