10-مايو-2018

في أقل من 5 أيام، حققت الأغنية أكثر من 60 مليون مشاهدة (يوتيوب)

يمكن للأغنية أن تكون وثيقة غضب أو بيان يسرد واقع مجتمع ما، وهذا ما فعلته أغنية "This is America"، التي أطلقها تشايلدش غامبينو (دونالد غلوفر)، وحققت مشاهدات ضخمة وصلت إلى أكثر من 60 مليون مشاهدة في أقل من خمسة أيام.

في أقل من خمسة أيام، حققت أغنية "This is America" أكثر من 60 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب، لتسجل نفسها حالة صعبة التكرار

وسيعطي اسمها (هذه هي أمريكا) إيحاءً بأنها بيان جاد عن الولايات المتحدة اليوم، لكنك قبل أن تعي ما يريد تشايلدش غامبينو إيصاله بإيقاعه الأفروأمريكي الراقص، ستلتقط أنفاسك بالكاد.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "صورة مجسمة للملك".. انهزامية الحلم الأمريكي

"هذه هي أمريكا".. غامبينو يرسم الوجه الآخر للحلم الأمريكي

يظهر تشايلدش غامبينو دون قميص، ببنطال رمادي في بداية الأغنية. وتبدأ الأغنية بجملة تتكرر عدة مرات متتالية: "قالت لي الجدة.. أحضر مالك أيها الرجل الأسود"، وكأنها عقيدة راسخة، المال هو الشيء الذي ينبني عليه كل شيء.

في عمق آخر، يظهر رجل أمريكي ذو بشرة سمراء ، يعزف على غيتار في بداية الأغنية، تعيد هيئته إلى الأذهان شكل وهيئة والد ضحية العنف البوليسي تريفون بينجامين مارتن، البالغ من العمر 17 عامًا وقت مصرعه في 2012، والذي قتله رجل الشرطة زيمرمان، وتمت تبرئته لاحقًا!

كانت قضية تريفون في ذلك الوقت في الولايات المتحدة، قضية رأي عام، حيث نظمت المئات من المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية على مقتله. وكانت قصته عند الكثير من الأمريكيين أكثر أهمية من الانتخابات الرئاسية التي كانت تجري وقتها. وفي الـ30 يومًا التالية لمقتله، كتب المغردون على تويتر مليوني تغريدة بخصوص حادث مقتله. 

كل مشهد في فيديو أغنية "This is America"، مثل استدعاءً لحادث أو رمزية تكشف عن الوجه العنصري القبيح في الولايات المتحدة

في المشهد التالي الذي يطلق فيه تشايلدش غامبينو النار على الضحية ذات الوجه المخفي من الخلف، يأخذ تشايلدش غامبينو وضع  الشخصية الكاريكاتيرية "جيم كرو" وهي شخصية شعبية، اخترعها المؤلف المسرحي توماس رايس، وأداها بعد أن دهن وجهه باللون الأسود، مقدمًا من خلالها شخصية الرجل ذي البشرة السمراء على أنه "غبي وجاهل وأقل استحقاقًا للإنسانية". 

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "A History of Violence" كصفعة للحلم الأمريكي

جيم كرو ليس مجرد شخصية كاريكاتيرية بالنسبة لأصحاب البشرة السمراء في الولايات المتحدة، جيم كرو هي أيضًا مجموعة قوانين للفصل العنصري، خاضت ضدها حركات التحرر نضالًا طويلًا.

ويبدو في هذا المشهد أيضًا استحضار لحادثة مقتل والتر سكوت عام 2015، والتي قُتل فيها الشاب الأسود والتر سكوت من الخلف على يد ضابط شرطة، حُكم عليه بالسجن عشرين عامًا. 

و بينما يُسحل جسد الضحية على الأرض، يعطي تشايلدش غامبينو المسدس لصبي يخفيه في قماشة حمراء أنيقة، ترمز إلى أن السلاح يتمتع بمعاملة أفضل من تلك التي يحصل عليها جسد الضحية، كما عبرت صحيفة الإندبدنت.

أما لقطة مصرع الكورال، فهي في الذاكرة الأمريكية استدعاء لجريمة كراهية شنعاء، ارتكبت عام 2015، في كنيسة تشارلستون، أقدم كنائس ذوي الأصول الأفريقية في الولايات المتحدة، والتي قام شاب أمريكي بإطلاق النيران على من فيها عشوائيًا، ليقتل تسعة منهم.

وفي تجمع السيارات القديمة التي يرقص فوقها تشايلدش غامبينو دون اكتراث، يبدو ذلك المشهد استدعاء لحادثة قتل فيلاندو كاسيل، التي وقعت منذ عامين، حيث قام ضابط شرطة بُرّئ لاحقًا، بقتل شاب ثلاثيني ذي بشرة سمراء. لقد حاولت الأغنية استدعاء مسرح الجريمة، بتجمع السيارات الذي غنى عليه تشايلدش غامبينو دون اكتراث.

وفي خلفية المشهد ما قبل الأخير بالأغنية رجل مخفي الهيئة على ظهر حصان أبيض، ربما في استدعاء لإشارة إنجيلية عن نهاية العالم. وما بين كل لقطة عنيفة وأخرى، أو تستدعي حادثًا عنيفًا وآخر، يرقص تشايلدش غامبينو رقصًا ملتويًا وكأن شيئًا من كل هذا العنف لا يعنيه، أو كأنه يقول إن الأمريكي ذا البشرة السمراء، إن لم يكن راقصًا في سبيل حياته، فهو قتيل لطريقة ما، على حد تعبير صحيفة نيويوركر.

وتتردد في الأغنية جملة "تريدون حفلة؟"، في إسقاط ساخر على الاستهلاك الإعلامي لكل شيء، فترتكب الجرائم، وتظهر المشاهد التي فيها استدعاء لحوادث قتل، ثم يردد: "تريدون حفلة؟".

إرباك وإعجاب

الإعجاب الفائق بأغنية تشايلدش غامبينو لم يمنع حالة الإرباك التي تسبب فيه، ففي كل مشهد بحث المشاهدون عن استدعاء لحادث ما في التاريخ القريب أو البعيد نسبيًا. أحدهم يقول: "إنه جنوني. فيديو تشايلدش غامبينو كله جنوني. ولكنني أشعر أنه يود القول لو أن أحدهم يراك بلونك فقط، فإنه لا يرى شيئًا على الإطلاق".

تسببت الأغنية في حالة إعجاب فائقة عند ملايين الجماهير، كما تسببت في إرباكهم برسائل ضمنية في خلفية مشهدها الرئيسي

جمع المتناقضات المربكة في الأغنية: الرقص والعنف، الالتحام بالواقع البغيض، وتمثيل عدم الاكتراث به، عبر عنه أحدهم بقوله: "مستفز، مزعج، عنيف، خلاب، و شرير.. عمل مبدع لأمير الهيب هوب"، في حين وصفها آخر بأنها أغنية "ملهمة ومحطمة للقلوب أيضًا".

 

 

حاول أحدهم التنبيه على الرسائل التي يتضمنها فيديو الأغنية: "لا تشاهد تشايلدش غامبينو يرقص، وانتبه لما يحدث في الخلفية، لما بات عاديًا بالنسبة للجميع. هذه رسالة الأغنية".

وضع آخر صورة تشايلدش غامبينو وهو يطلق النار من الخلف على الضحية، جنبًا إلى جنب مع صورة جيم كرو المهرج، معلقا: "هذا في حالة إن كنت لا تدري من أين أتى تشايلدش غامبينو بهذه الحركة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

 ديمقراطية تباع وتشترى.. المال الأسود وصناعة الوهم الأمريكي

5 كتب تكشف جذور سيادة الرجل الأبيض في أمريكا