05-أبريل-2017

لقطة من الفيلم

في فيلمه تاريخ العنف 2005 "A History of Violence" يوقعك المخرج ديفيد كروننبيرغ في شرَك التسمية قبل البدء بمشاهدته، فتتوقع أن تشاهد سردًا تاريخيًا أو ربما دراميًا لعنف وجرائم أمريكية، ستملأ الشاشة أمامك دماء ومعارك.

هذا ما يبدو عليه فيلم "A History of Violence" في البداية بعد أن يخرج رجلان من مطعم في مكان خاوٍ وقد قتلا كل من فيه. فبعد بداية على مقاس التخيلات الأولية السابقة، يباغتك صراخ حاد يأخذك إلى بيت عائلة تستيقظ لترى ما جرى في أحلام الطفلة، وبعدها بكل حب تطمئنها أمها ليستعيد الجميع نومهم فقد كان كابوسًا عابرًا. ليبدأ بعدها فيلم أخر عن تاريخ فعلي مصاغ بدقة عن عنف يختبئ وراء الباب وسينفجر عما قريب.

يوقعك فيلم "A History of Violence" في شرك التسمية قبل البدء بمشاهدته، فتتوقع أن تشاهد سردًا تاريخيًا لعنف وجرائم أمريكية

يقدم لنا فيلم "A History of Violence" تاريخ العنف الذي يلاحق صاحبه بعد ارتداده عنه ونزوعه نحو حياة جديدة. إنه تاريخ العنف الذي يشبه تاريخ كل شيء لم ينته ولم يوضع له حد. هذا ما نعاينه ونُشرّحه مع البطل/المجرم ضمن إطار التسمية البسيطة تلك. ليذهب به نحو متاهات التاريخ الشخصي لمجرم سابق، رأى أن في الحلم الأمريكي المكون من عائلة صغيرة والكثير من الحب أكثر متعةً وديمومة من القتل والعنف.

وعليه جاء فيلم "A History of Violence" لينسف بشكل بطيء هذا الحلم الحقيقي ولكن على طريقة المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ الذي تميزت أفلامه بطابعها الخاص الذي يقول الأمور كما يحلو له أن يقولها لا كما يجب أن تقال. فيدخل بنا في سراديب الصحيح والمعقول، يقلبه ويرميه أمامنا ليكشف عفن ما يقبع بتخمرٍ تحته، هو شكل الحياة المثالية النموذجية المبني على بركان من الدم.

اقرأ/ي أيضًا: الطريق إلى الذهب.. هؤلاء ينتظرهم قطار الأوسكار

يطرح ذلك التشريح نفسه من خلال سرد دقيق ومنسدل على الأحداث، لا يلبث أن يشكل صدمة تتحول إلى تصريح مفتوح عن الوقائع الحقيقية لكل شيء يبدو صحيحًا ومنتظمًا.

هذا جوهر حكاية توم ستال الذي فضحته وسائل الإعلام الأمريكية خلال احتفائها به كبطل أمريكي حين هاجم مطعمه الصغير قاتلان أرادا بث الرعب والسرقة فواجههما بالقتل فورًا بحركات جسده السريعة المتقنة التي لا يمكن أن يكون قد اكتسبها عن عبث، ومما كان يبدو عليه من تمكن وبراعة فقد أقدم على قتل أخطر المجرمين في أمريكا.

من هنا تبدأ عصابة أخرى بالبحث عن بطل أمريكا الشجاع الذي لها معه تاريخ من العنف واستفزازات ومضايقات مستمرة لينكشف تاريخه الذي لا ينفصل عن العنف مطلقًا، ونتبين إثر ملاحقة العصابة وإصرارها على تتبعه بأنه كان أحد أفرادها بل أمهر القتلة فيها، فيحومون حوله للانتقام منه.

اقرأ/ي أيضًا: 7 أفلام عليك مشاهدتها في السينمات خلال نيسان/أبريل

إحدى الإشكاليات هو تبرير كل تلك الصور والملاحظات التي تقوم على حقيقة ماهو عليه حال العنف في أمريكا كما يصوره فيلم "A History of Violence"، حيث للعنف هناك شكل أخر وقوانين مختلفة، تمكنك من القتل والانتقام كما يمكنك أن تصبح بطلًا بأسرع شكل ممكن. هذا مايعطل الإحساس الفعلي بالمشكلة على حساب الصدمة، فيذكرنا دائمًا أننا أمام دراما أمريكية ببطلٍ واحد سخر لها كروننبرغ كل عوالم العنف والصدمة.

يعيش توم كرجل أمريكي مع عائلته الصغيرة في مدينة هادئة تبدو بعيدة عن ضوضاء القتل وتوابعه. حلم أمريكي ينفقه شيئًا فشيئًا في حب الأولاد والزوجة المحامية العشيقة الودودة. كل هذا يجعل من توم مختلفًا ولكن متنكرًا لتاريخه الذي يظهر له في الحاضر على شكل أشخاص طارئين وغرباء، يستعيد معهم مجد جسده وبطولات مهاراته القتالية وتركيزه العالي.

بفيلم "A History of Violence" يتقابل الحب مع العنف فيغلب الأول، وفي النهاية نعلم أن اختيار الحلم الأمريكي نجح بتوفير مستقبل آمن

إلا أن كل هذا مدفوع ثمنه مسبقًا، نعرف ذلك من إصرار وتعنت القتلى بتتبعه وإحكام مراقبة حياته لعلهم ينجحون بأخذه ورده لذلك التاريخ الذي يقف متصبرًا بانتظار أي أحد يزيح عنه ستارًا ما يكشفه فتنتهي معه سلسلة من المؤجل والذي لم يعف عنه الزمان.

مع تراكم الترقب تبدأ كل عناصر فيلم "A History of Violence" بالانسحاب نحو العنف، حتى أن ابن توم الذي لا يوحي بشخصٍ عنيف بدأ يرى ضرورة لاستخدام العنف وتكريس نفسه من خلاله بمنطق القوي، بعد أن هاجمه زملاؤه في المدرسة إثر فوزه بلعبة البيسبول، هذا ما قد جرى عندما تحرك في الواقع تاريخ العنف المتربص وذكّر العائلة بوجوده وثقل حضوره.

يتقابل في فيلم "A History of Violence" الحب مع كل من العنف والدماء فيغلب الأول، وفي النهاية نعلم أن اختيار الحلم الأمريكي وتفضيله على أي شكل أخر فعل ناجح وله مستقبل آمن، حيث تمسك توم بحلمه رغم أن كروننبيرغ وجه لذلك الحلم صفعة قوية كسرت أساساته والتي من أهمها الثقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "روّحي" وحلم العودة الكئيب

فيلم "Life".. هل يستحق المشاهدة؟