25-أبريل-2021

جزء من إحدى لوحات المعرض

ألترا صوت - فريق التحرير

بدأت تجربة الفنان اللبناني الشاب يزن حلواني (1993)، بالرسم على جدران العاصمة اللبنانية بيروت، حيث انتصبت جدارياتٌ ضخمة تظهر فيها وجوهٌ فنية وأدبية مختلفة، مثل الشاعر الفلسطيني محمود درويش، والأديب اللبناني جبران خليل جبران، بالإضافة إلى مواطنتيه الفنانتين صباح وفيروز، والفنانة السورية أسمهان، إلى جانب جدارياتٍ أخرى خصصها لمهمشي المدينة ومشرديها.

يجعل حلواني من المطار والسفر محور لوحاته، في إشارة إلى المصير الذي يطارد أبناء المدينة والبلاد عمومًا، والغاية التي تشغلهم

وعبر هذه الجداريات، أقام حلواني علاقة مميزة مع المدينة، بدت الأخيرة فيها مساحة مخصصة لاستيعاب جدارياته التي تسعى لتحويلها إلى جدارية ضخمة، قادرة على عكس ثقافتها وهويتها، لا سيما أن الفنان اللبناني الشاب أنجز جزءًا من رسوماته تلك انطلاقًا من قناعته بأن المدينة تعيش أزمة هوية، نتيجة تماهيها مع أدوارٍ وتصوراتٍ مختلفة تعيد إنتاجها وتشكيلها بشكلٍ متواصل.

اقرأ/ي أيضًا: "المرآة الصامتة".. تمثّلات الجسد الأسود

في معرضه الفردي الثاني "Hotel Beirut or Mundane Entropy"، الذي افتُتِح في "غاليري أجيال" بالعاصمة اللبنانية بيروت في الثامن من نيسان/ أبريل الجاري، والمستمر حتى الخامس عشر من أيار/ مايو القادم، يحاول يزن حلواني تأسيس علاقة جديدة مع المدينة، تقوم على رسمها بدلًا من الرسم فيها بشكلٍ يتجاوز اهتماماته السابقة، ويركز على واقعها وأحوالها والتبدل المستمر لصورتها.

يضم المعرض أكثر من 10 لوحاتٍ بأحجامٍ مختلفة، تحضر فيها صورة مدينة بيروت من مسافةٍ بعيدة، وغالبًا من نافذة طائرة. والهدف من هذه المسافة، على ما يبدو، هو خداع المتفرج الذي سيكون أمام مشاهد مألوفة ومعتادة، ولكن الألوان الداكنة والمُعتمة التي رُسمت بها المدينة، تقول العكس تمامًا، وتدعوه إلى قراءة اللوحات انطلاقًا مما لا يظهر فيها، مما يحدث خلف هذه المشاهد التي تشترك جميعها في أنها التُقطت لحظة الابتعاد عن المدينة.

يجعل الفنان اللبناني من المطار والسفر محور لوحاته، في إشارة إلى المصير الذي يطارد أبناء المدينة والبلاد عمومًا، والغاية التي تشغلهم ويسعون خلفها أيضًا، مدفوعين بالخوف من المجهول الذي يسيطر على حياتهم، والذي تبدو ملامحه واضحة تمامًا في لوحةٍ يحتشد فيها جمعٌ من الناس داخل صالة مطار بشكلٍ يبعث على الريبة والقلق، ويشير إلى ما لا يظهر في المشهد، إلى ما دفع هؤلاء إلى السفر والتكدس فوق بعضهم البعض داخل الصالة بهذا الشكل.

يحاول حلواني في معرضه تأسيس علاقة جديدة مع بيروت، تقوم على رسمها بدلًا من الرسم فيها، والتركيز على واقعها وأحوالها

ويحاول حلواني عبر لوحاته هذه، أن ينقل أحوال المدينة بشكلٍ غير مباشر، من خلال تقديم ما يجعل من التنبؤ بها أمرًا سهلًا: المطار، صالات انتظاره واحتشاد الناس فيها، مدرجاته، والطائرة التي تُلتقط صورة المدينة من نوافذها، وغيرها من العناصر التي تحيل إلى خوفٍ يحرك المشهد، وهو خوفٌ يمكن الاستدلال إليه في حال التعامل مع اللوحات كأجزاءٍ من جدارية ضخمة تروي حكاية واحدة محملة بالدلالات والإشارات.

اقرأ/ي أيضًا: أعمال شوقي يوسف.. ما تراه عينك لا ما ترسمه يدك

واحدة من بين هذه الإشارات المتعددة، هي أن المدينة، شأنها شأن البلاد بأكملها، تصدِّر أبنائها إلى الخارج بعد أن فشلت في استيعابهم، بالإضافة إلى إشارة أخرى تتمثل في أن بيروت تبدو مدينة جميلة من بعيد فقط، من نافذة طائرة لا يمكن من خلالها الإحاطة بأحوالها، بينما هي في الواقع، ومن مسافة قريبة، على العكس من ذلك تمامًا، إذ إن الألوان المعتمة والشاحبة، وغياب ملامحها في نهاية اللوحة، تشير إلى امحائها وتلاشيها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من أعلام الفن التشكيلي الحديث في فلسطين

هولي واربورتون.. ما يتبقى من الفرد بعد امّحاءه