31-يناير-2024
تهجير غزة

(الأناضول) العديد من الفلسطينيين في لبنان يرون أن ما قد ينتظر سكان غزة يشبه حياتهم في المنفى

تبرز محاولات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة كهدف أساسي للعدوان على القطاع المحاصر، رغم عدم تصريح الحكومة الإسرائيلية بشكلٍ رسمي بذلك. ومع ذلك، تظهر تصريحات وزراء الحكومة الإسرائيلية وبعض السياسيين الإسرائيليين الذين يعبرون عن رغبتهم في تهجير الفلسطينيين، تتقاطع مع التطورات الميدانية وتصاعد الهجمات.

جاء ذلك، مع  أمر الاحتلال سكان شمال غزة بمغادرته تحت أوامر الإخلاء، وتكرر هذا المشهد في وسط القطاع وجنوبه، إذ أصبحت مدينة رفح المكان الأخير الذي يلجأ إليه أهالي القطاع. ومع تزايد الحديث عن قرب عملية عسكرية إسرائيلية عند محور فيلادلفيا على الحدود المصرية، يتخوف أهالي القطاع من تكرار تجربة النكبة عام 1948، عندما قامت العصابات الصهيونية، مئات الآلاف من الفلسطينيين من مدنهم وقراهم وبلداتهم.

يرى العديد من الفلسطينيين في لبنان أن ما قد ينتظر سكان غزة يشبه حياتهم في المنفى، إذا تحولت دعوات بعض المسؤولين الإسرائيليين للتهجير الجماعي لسكان القطاع المحاصر إلى حقيقة واقعة

وفي هذا الإطار، أعدت صحيفة "الواشنطن بوست" تقريرًا عن لقاءات مع عدد من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان عبروا عن تخوفهم من أن يلقى سكان القطاع المصير الذي حصل لهم ولأجدادهم في نكبة عام 1948.

وتتحدث عمشة الحاج سليمان، وهي لاجئة فلسطينية تبلغ من العمر 84 عامًا، وتقيم في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين، جنوبي العاصمة اللبنانية، عن أن "حضور الخروج من قريتها في ذاكرتها"، قائلةً: "لقد مشينا كثيرًا عبر الأراضي، مع تقدم القوات الإسرائيلية قبل حوالي 75 عامًا. أتذكر كيف غادرنا سيرًا على الأقدام وكيف نمنا في العراء، مع حقائب الملابس فقط. لقد مر 75 عامًا وما زلنا لاجئين، أتمنى لو كنا قد متنا تحت أشجار الزيتون، بدلًا من المغادرة ورؤية ما رأيته".

وتلفت "الواشنطن بوست " إلى أن مشاهد ما يقرب من 1.9 مليون فلسطيني نازح بسبب الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، وكثير منهم نزح أكثر من مرة وهم يفرون سيرًا على الأقدام، تعمق جرحًا جماعيًا للفلسطينيين يمتد لأجيال.

يرى العديد من الفلسطينيين في لبنان أن ما قد ينتظر سكان غزة يشبه حياتهم في المنفى، إذا تحولت دعوات بعض المسؤولين الإسرائيليين للتهجير الجماعي لسكان القطاع المحاصر إلى حقيقة واقعة.

مخيم شاتيلا
مشهد من مخيم شاتيلا (الواشنطن بوست)

وهو ما تذهب إليه نادية حامد، وهي طاهية طعام، وتقيم في مخيم برج البراجنة، قائلةً: "أنا أعيش في خوف، لأن الحرب إذا جاءت، فلا مفر لنا منها"، وتقول إنها "تروي لأطفالها الأربعة قصص والديها، حتى لا ينسوا ما تعرض له الشعب الفلسطيني".

وتساعد وظيفة نادية في إعالة عائلتها، وتساعدها في الحفاظ على التقاليد الفلسطينية، إذ تخبر أطفالها الأربعة قصصًا عن والدها "حتى لا ينسوا"، وتقول إنها "قلقة على مستقبلهم، المخيم عبارة عن متاهة من الجدران المتداعية والكابلات المتشابكة، لا يوجد حقًا أي شيء لهم هنا".

من جانبها، تتحدث سعدة غطاس، وهي جدة تبلغ من العمر 54 عامًا، عن أن اللجوء غذى الشعور بعدم اليقين الدائم. وتقول: "يبدو الأمر كما لو كنت تحمل حقيبتك دائمًا وتنتظر"، وأضافت: "أقسم أنني أحتفظ بحقيبة في المنزل لحالات الطوارئ، لا نعرف أبدًا متى قد يحدث شيء ما". وتقيم غطاس في مخيم ضبية، شرق بيروت. ولجأ أقاربها في غزة، وهم من الفلسطينيين المسيحيين، إلى كنيسة تعرضت للقصف الإسرائيلي.

ومع تصاعد عدد الضحايا في غزة، تصف غطاس وغيرها من الفلسطينيين، ذلك "الانتظار اليائس" لكلمة من أقاربها والأصدقاء في القطاع المحاصر.

يعيش إلياس حبيب، مدير اللجنة المسيحية المشتركة الخيرية في مخيم ضبية وجار غطاس، حيث يسلط الضوء على أهمية الحفاظ على ذكريات الناجين القلائل الذين بقوا من نكبة عام 1948. وعرض حبيب وثيقة هوية وجدها في ممتلكات والده، من بينها صورة، عليها ختم "حكومة فلسطين".

ويقول حبيب: "إن الأمر مختلف عندما يكون لديك شخص عاش خلال تلك الفترة، بكل قصص الأيام الجميلة وآلام النكبة"، وأضاف: "لا شيء يمكن أن يجعل الشخص ينسى جذوره وحقوقه. لا يزال الجرح مفتوحًا، لأن النزوح مستمر".

أما عائلة صلاح ظاهر، فأسست لجنة تبحث في نسب العائلة وتجمع الوثائق القديمة من القرية الفلسطينية التي نزح منها والداه عام 1948. وانتهى الأمر بظاهر البالغ من العمر 62 عامًا في مخيم برج البراجنة بعد فراره من جنوب لبنان قبل الغزو الإسرائيلي عام 1982.

ويقول: "لا يزال لدينا مفتاح منزل جدي، احتفظ به والدي. بقي لديه أمل، حتى يوم وفاته، في أن يعود إلى أرضه"، متابعًا القول: "سنمضي إلى ذلك".

يصف الكثيرون هذا العدوان، الذي يشاهدون تصاعده بشكل مباشر على هواتفهم، أو عبر الجلوس أمام أجهزة التلفزيون الخاصة بهم، بأنها تذكير قوي بأن النكبة ليست بعيدةً أبدًا.