29-يوليو-2018

يانيس فاروفاكيس (AGF)

"لا يمكن لأحد أن يكون حرًا إذا كان شخص ما مقيد في سلسلة، ناهيك عن شعب بأكمله. من مصلحة الجميع، اليهود والعرب والأوروبيين والأمريكيين والآسيويين والأفارقة، أن ينتهي حصار غزة والإساءة الجماعية لشعبها والقتل الآن!"، هكذا صرّح وزير المالية اليوناني السابق، والمفكر الاقتصادي البارز يانيس فاروفاكيس، وهو يدعو العالم أجمع في مقطع فيديو قصير، للتكاتف من أجل إنهاء معاناة قطاع غزة المحاصر.

نشر وزير المالية اليوناني السابق، يانيس فاروفاكيس، مقطع فيديو على حسابه بيوتيوب، يدعو فيه للتكاتف لإنهاء معاناة قطاع غزة المحاصر

في المشهد الأوروبي الكئيب المشبع بالوجوه البيروقراطية المتشابهة، ثمة عدد قليل من الشخصيات السياسية الجديرة بالاهتمام، يانيس فاروفاكيس واحد منهم، وهو السياسي اليساري العنيد، غير المحبب بتاتًا بالنسبة لقادة الاتحاد الأوروبي ومسؤوليه. 

قبل عام من الآن، أجرى "ألترا صوت" حوارًا مع فاروفاكيس، وشبه فيه حربه ضد المؤسسات الرأسمالية بمقاومة الفلسطينيين لسلطات الاحتلال الإسرائيلي. وقال إن "الفلسطينيين يواجهون كل هذا التغول والعالم ينظر إلى وجهة مغايرة كليًا. وهذا ليس أخلاقيًا ولا يجب أن يكون اختيارًا. أن تنظر لما يحصل في فلسطين أمر أساسي، وعدم اختيار الاعتراف بالقضية الفلسطينية مؤشر خطير على أن العالم غير مستقر وفي عمق أزمة خطيرة".

اقرأ/ي أيضًا: حوار| يانيس فاروفاكيس.. الحياة قصيرة الحرب أطول!

ليس غريبًا عن الرجل انشغاله بالهم الفلسطيني، إذ لطالما عُرف عنه وقوفه في صف القضايا الشعبية والإنسانية ضد قوى الهيمنة، ولهذا السبب أسّس فاروفاكيس "حركة الديمقراطية في أوروبا عام 2025" (DiEM25)، التي تسعى، بحسبه، إلى "استعادة الديموقراطية الشعبية المسروقة في أوروبا"، ويشارك بنشاط في الندوات والنقاشات والخرجات الإعلامية، التي كان آخرها مقطع فيديو "الحرية لغزة الآن".

قبل انتخابه في البرلمان، كان فاروفاكيس أستاذاً يدرس الاقتصاد في عدد من الجامعات باليونان وخارجها، لكنه لم يكن من طينة الأكاديميين المملين، إذ كان يملك مدونة ذات شعبية، يساهم من خلالها في إحياء القضايا الإنسانية، وبينها القضية الفلسطينية، وينتقد فيها بشدة المؤسسات الاقتصادية الرأسمالية.

في كانون الثاني/يناير 2015، عُيّن يانيس فاروفاكيس وزيرًا للمالية في الحكومة اليونانية، وقاد مفاوضات شاقة مع دائني اليونان، التي كانت قد تخلفت عن رد قرابة 200 مليار يورو عن موعدها، إلا أنها فشلت في التوصل إلى اتفاق مع الدائنين، بسبب رفض فاروفاكيس الإذعان لشروط التقشف التي أمر بها الاتحاد الأوروبي، مطالبًا بإعادة تمديد أجل الدين، ووضع برنامج تنموي بدل السياسات التقشفية، وفيما قبلت المفوضية الأوروبية البند الأول، رفضت الجزء الثاني منه، ما أدى إلى تنظيم استفتاء على سياسة "إنقاذ اليونان".

رفض فاروفاكيس الإذعان لشروط التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي على اليونان
رفض فاروفاكيس الإذعان لشروط التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي على اليونان

وفي يوم الاستفتاء، قام فاروفاكيس بحملة قوية لصالح التصويت بـ "لا"، حتى أنه أعلن في التلفزيون نيته الاستقالة من منصب وزير المالية إذا ما صوت اليونانيون بـ"نعم"، بينما دعمت وسائل الإعلام اليونانية القبول بحزمة مجموعة اليورو لإنقاذ اليونان، وكانت النتيجة، تصويتًا ساحقًا بنسبة 61.5% لصالح "لا".

غير أن المقرضين، من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، لم يكونوا سعداء بالنتيجة، لأن الحكومة اليونانية الجديدة كانت عازمة على تغيير الشروط السابقة للاتفاق، وهو ما لن يسمحوا به، وفرضوا ضغوطًا لتحييد فاروفاكيس من المفاوضات الجديدة، وهو الذي اختار الاستقالة من منصبه كوزير مالية على الاستسلام لشروط التقشف، التي قال عنها "إنها ستؤدي إلى تحميل الطبقات الشعبية غير المالكة لوسائل الإنتاج العبء الأكبر، مما سيخلق أزمة إنسانية، وهذا شيء لن أقبله ولن أكون طرفاً فيه".

تفاوضت الحكومة اليونانية من جديد مع الدائنين، ونجحوا هذه المرة في الوصول إلى اتفاق، وعلى إثر ذلك استقال فاروفاكيس من الحكومة ومن فريق حزبه البرلماني، مفسرًا ذلك بأنه "لا يستطيع الجمع بين معارضته الشديدة لعملية الإنقاذ الجديدة والولاء للحكومة والحزب اللذين أيدا هذه العملية". لم يترشح فاروفاكيس بعد ذلك لأي انتخابات، وعاد من جديد إلى التفرغ للدفاع عن القضايا الشعبية.

وصفت وكالة بلومبيرغ، يانيس فاروفاكيس بعد استقالته من منصبه وزيرًا للمالية في اليونان، إنه "كان اقتصاديًا بارعًا صلبًا ذا رؤية إنسانية"

مثّل يانيس فاروفاكيس نسخة فريدة من السياسيين اليساريين الثائرين، الذين كانوا يمارسون السياسة بوضوحها وبعدها الكوني، بعيدًا عن سياسة المصالح. وبينما يعتقد العديد من منتقديه، من مواطنين يونانيين ومستثمرين أجانب، أن لعبته الخطيرة كلفت اليونان وقتًا ثمينًا وهروب المليارات من رؤوس الأموال، قالت وكالة بلومبيرغ عنه "إنه كان اقتصاديًا بارعًا صلبًا ذا رؤية إنسانية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإمبريالية وسوق العالم.. الوحش الذي "يداعبنا"

غزة التي خذلناها مرارًا