22-نوفمبر-2018

ملصق المسرحية

قبل سنةٍ من الآن تقريبًا، وقعت الحادثة، دون أن تكون مُتوقَّعة إطلاقًا. زياد عيتاني، الكاتب والممثّل المسرحيّ اللبنانيّ، يُقاد إلى السجن بتهمة العمالة للعدو الإسرائيليّ. الأمر كان مفاجئًا، صادمًا، ويبعثُ، دون شك، على الدهشة، سواء لمن عرفوا عيتاني عبر المسرح، أو لمن يعرفهُ شخصيًا، أصدقاؤه وعائلته وأقاربه. هناك من رضخ للأمر الواقع، وهناك من ظلّ متمسكًا ببراءة زياد، وبفكرة أنّ أمرًا ما غريبًا يحدث مع الرجل الذي لا يُعقل أن يكون عميلًا، كما كرَّروا دائمًا.

لا تبتعد مسرحية "وما طلّت كوليت" عمّا جرى للمسرحي اللبناني زياد عيتاني قبل قرابة سنة من الآن من حملة تنكيل وظلم

اعترافات الأخير عقّدت الأمور، وتهمة العمالة تحوّلت إلى أمرٍ واقع، وألصقت بالفنان المسرحيّ الذي جنَّدته، بحسب ما كان يصدر عن التحقيقات، فتاةٌ سويدية بعيون زرقاء وشعر أشقر، وهي تعمل لصالح الموساد الإسرائيليّ أيضًا. ولكن، بعد مرور ما يزيد عن 3 أشهرٍ في المعتقل، أُفرج عن زياد عيتاني أخيرًا، بعد أن صدرت براءته من كلّ ما أُلصِق به من اتّهامات اكتُشِفَ أنّها مُلفّقة ومُدبّرة من عدّة جهاتٍ أمنية وقضائية. خرج زياد إذًا، وكُشفت حقائق الحكاية كلّها تقريبًا، دون واحدةٍ ظلّت لغزًا عند الجميع: المُشغِّلة كوليت، ماذا عنها؟ ومن هي؟

اقرأ/ي أيضًا: زياد عيتاني حُر وجوقة التصفيق في قفص التلفيق.. العرض مستمر!

هذا السؤال ستُعرفُ إجابتهُ، وإن مجازيًا، الجمعة 23 تشرين الثاني/نوفمبر، على خشبة مسرح "مترو المدينة" في العاصمة اللبنانية بيروت، حيث ستنطلق العروض الأولى لمسرحية زياد عيتاني الجديدة المعنونة بـ"وما طلّت كوليت". تَشارك في تأليف المسرحية كلّ من خالد صبيح وزياد عيتاني نفسهُ. ودون شك، فإنّ المسرحية لا تبتعد عمّا جرى مع المسرحي اللبنانيّ قبل قرابة سنة من الآن. وإنّما تنهلُ مشاهدها من تلك التجربة المريرة. ولكنّ ذلك لا يعني إطلاقًا أن تكون المسرحية مجرّد تصفية حسابات، أو ردًّا من زياد على ما عاناهُ آنذاك، إن كان ذلك في السّجن، أو خارج السّجن، والمقصود هنا معاناته إعلاميًا بعد حملات التشهير والتخوين ضدّهُ. المسرحية باختصار شديد، لُخَّصت رسالتها، أو ما تودّ إيصاله للمشاهد، ببضعة كلماتٍ بسيطة: "مسرحية كي لا تتكرّر تلك المسرحية"، أي حادثة الاعتقال واتّهامات العمالة لعيتاني. أي أنّ رسالة المسرحية تتجاوز إطار الخاص، المتمثّل بزياد وتجربته، وتنتقل إلى المساحة العامّة لتكون شاهدة على ما يكابدهُ المواطن العادي، المُجرّد من النفوذ والسلطة بمختلف أشكالها، مع أصحاب النفوذ والسلطة بصورةٍ عامّة، ضُبّاط أمن أو قُضاة أو حتّى إعلاميين.

إذًا، تجربة زياد عيتاني حاضرةً في هذه المسرحية، وبصورةٍ مُباشرة، ولكن بشخصياتٍ وأسماء وسيناريوهات مختلفة. أي أنّ هناك إعادة خلق تجربة أخرى تُشير إلى تجربة زياد كاملةً. وفي نفس الوقت، يُمكن القول إنّ الأمر تأكيدًا على أنّ زياد عيتاني ليس وحده ضحية النفوذ والسلطة، وأنّ آخرين قد مرّوا بهذه التجربة، وهناك من سيمرُّ بها، وإن بسيناريوهات مختلفة. هكذا، يغيب زياد عيتاني لبعض الوقت، أو التجربة والحكاية الخاصّة به، وتحضر على خشبة المسرح حكاية فوزي، الشّاب اللبنانيّ الذي يعمل كسائق لتوصيل الطلبيات في أحد الأفران. قبل أن يقوده القدر إلى سيدة تملك من النفوذ ما يجعلها قادرةً على تلفيق تهمة العمالة للكيان الصهيونيّ له. بهذا الشكل، تصير تهمة العمالة تعتمد بصورةٍ مُباشرة على النفوذ أوّلًا، بغضّ النظر عمّا إذا كان الأمر واقعيًا أو لا، وأنّ من أُلصقت به التهمة عميلًا حقًّا أو غير ذلك. ما يعني أنّ الحقيقة هنا لا تبدو مهمّة إطلاقًا، ولا مكان لها في هذه الأجواء الملوّنة بشتّى أطياف العنف.

تجربة زياد عيتاني حاضرةً في "وما طلّت كوليت"، لكن بشخصياتٍ وأسماء وسيناريوهات مختلفة

فوزي، عامل التوصيل البسيط، كان يملك أيضًا حياة بسيطة لا تخرج عن إطار المنزل والعمل. ولكنّها ستتحوّل إلى أخرى شديدة التعقيد بفعل تهمة العمالة، وتصيرُ، يومًا وراء آخر، ومأساةً وراء مأساة، فصولًا من كوابيس مُتلاحقة، ولكنّها واقعية، تُعاش وتُحسّ وتُلمس، وتدور بين أقبية التحقيقات، وجلسات الاستجواب التي يُديرها مُحقِّقون هواة يشتغلون، من خلال التعذيب واهانة الانسان وكرامته، على صنع إنجازاتٍ ما، أو أسماء تظلّ حاضرةً لأطول فترةٍ ممكنة، دون أن يكون الثمن مهمًّا، حتّى لو كلّف الأمر حياة انسان ما.

اقرأ/ي أيضًا: في رحاب الشوفينية اللبنانية

الحكاية لا تتوقّف عند جلسات التحقيق والاستجواب، ولا تظلّ محصورةً في أقبية أجهزة الأمن أيضًا، بل ثمّة من يشتغل بجهدٍ على صنع حكاية حقيقة من هذه التهمة، بتفاصيل تكون قريبة من الحقيقة، بحيث يسهل اقناع البشر والمجتمع بها، والمقصود هنا هو الإعلاميين الذين اشتغلوا على ذلك بقصد تحقيق إنجازٍ أو سبقٍ صحفي، وجعلوا من شخصية كوليت، مُشغّلة فوزي ومن جنّدته، شخصية موجودة فعلًا في مكانٍ ما، دون وجود ما يدلّ على وجودها. وأيضًا، دون أن يصدر القضاء كلمته في القضية، حوّل هؤلاء الإعلاميين الشّاب فوزي إلى عميلٍ بصورةٍ مُطلقة، بغضّ النظر عن الحقيقة الغائبة، أو المُغيّبة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ملحم بركات... إرث الأحزان الشفيفة

لماذا استعاد اللبنانيون أيقونتهم صباح؟