14-مارس-2018

زياد عيتاني يوم البراءة (فيسبوك)

استفاق اللبنانيون صباح الخميس الـ23 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 على خبر توقيف الممثل المسرحي زياد عيتاني، من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية، بتهمة التعامل مع إسرائيل. لم يصدّق معظم زملاء وأصدقاء زياد عيتاني، وهم كثر، الخبر بداية الأمر، خاصةً وأن زياد معروف بمواقفه المناهضة لدولة إسرائيل والمنحازة للحريات والعروبة ولحقوق الشعوب المستضعفة وسجله الفني الغني بالأعمال الإنسانية الملتزمة. في اليوم التالي أصدر جهاز أمن الدولة بياناً أكد فيه توقيف زياد عيتاني، في عملية وصفها البيان بالنوعية ووضعها تحت خانة الإنجاز الأمني. ليتبعه يحيى جابر الشاعر والمؤلف والمخرج المسرحي، وتوأم زياد عيتاني الفني، بمنشور فيسبوكي كان له صدى واسع، هاجم فيه زياد عيتاني وختمه بال"تفوووو" الشهيرة. في اليوم التالي كتب الصحفي "الاستقصائي" رضوان مرتضى، الذي يحاول اليوم الظهور بمظهر متقصي حقيقة براءة زياد عيتاني، مقالاً في جريدة الأخبار، نشر خلاله معلومات، قال لاحقاً أنه استقاها من مصادر أمنية مطلعة على التحقيقات، تبيّن رحلة زياد عيتاني المزعومة مع العمالة، واتصاله مع الموساد الإسرائيلي الذي طلب منه العمل على تأمين أرضية للتطبيع الثقافي بين لبنان وإسرائيل، لقاء بدل مالي، وأن زياد عيتاني عمل على مراقبة شخصيات هامة كوزير الداخلية نهاد المشنوق، الوزير الذي بارك عملية التوقيف يومها، والذي تلقى التهنئة بالسلامة بعد كشف عميل كان يراقبه، بينما سارع بالأمس عقب الإفراج عن زياد عيتاني إلى منزله بمظهر الممتن لظهور البراءة، رافضًا في الوقت عينه تسمية الأطراف صاحبة المسؤولية في المظلمة الكبرى الذي تعرض لها زياد عيتاني المواطن وزياد عيتاني الفنان والشخصية العامة!

قلة قليلة آمنت طوال مدة توقيف زياد عيتاني ببراءته، وأن فبركة ملفات كهذه غير مستبعدة في بلد ينخره الفساد والمحسوبيات وشبكات المصالح

ذُهل أصدقاء زياد عيتاني. اللبنانيون بغالبيتهم صدّقوا بيان الأجهزة وأدانوا زياد. لم يدر في خلدهم، وبالرغم من اهتزاز ثقتهم بالدولة وأجهزتها الأمنية، أن ملفاً كهذا ممكن أن يكون مختلقًا ولا أساس له من الصحة، بل وينبع من حسابات ضيقة وانعدام مهنية لأصحاب مواقع أمنية حساسة كسوزان الحاج يغلبون نشاطهم ومماحكاتهم عبر السوشال ميديا على مسؤولياتهم المهنية.

اقرأ/ي أيضًا: في رحاب الشوفينية اللبنانية

في الأيام التالية انتشرت أخبار جديدة. واستمرت محاولات إثبات الإدانة الملفقة، إذ كتب رضوان مرتضى نفسه مقالاً أخر في جريدة الأخبار في الــ28 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 قال فيه أن زياد عيتاني غيّر إفادته أمام أمن الدولة، وأنه اعترف أنه تعامل مع إسرائيل مجانًا، بعدما تعرض لابتزاز جنسي من ضابطة في الموساد تسمّى كوليت، كانت قد تواصلت معه على اعتبار أنها سويدية، وتورط معها بعلاقة جنسية الكترونية، وأنه وافق على طلباتها بعدما هددته بنشر فيديو جنسي له.

أدخل التضارب بين الروايتين الشك الى نفوس بعض المتابعين، إلا أن ألحديث عن قضايا التعامل مع إسرائيل، دائماً ما يكون بالغ الحساسية، وتفضل الغالبية عدم الخوض فيه، أو على الأقل عدم التشكيك به كي لا تضع نفسها موضع الشك والشبهة.

قلة قليلة آمنت طوال هذه المدة أن زياد عيتاني بريء، وأن فبركة ملفات كهذه غير مستبعدة في بلد ينخره الفساد والمحسوبيات وشبكات المصالح وإعلام المال السياسي. ظهرت على وسائل التواصل بعض التغريدات والمنشورات التي شككت بعمالة زياد عيتاني، حتى بعد صدور بيان أمن الدولة، وتلقى رئيسه إشادة من رئيس الجمهورية، بعد نشر رضوان مرتضى لمقالتيه.

لا يستغرب على الحالة الإعلامية اللبنانية وجود من وظف قلمه طويلًا، بغوغائية وشعبوية مفرطة، لتوريط زياد عيتاني، بينما يحتفل اليوم بظهور حقيقة براءته

وفيما كان الشك يتسلّل إلى نفوس البعض حول صحة التهمة، نشر الصحفي فداء عيتاني، ابتداءَ من الـ27 كانون الثاني/يناير 2018  تباعاً، ثلاث مقالات على مدونته "حدثنا غودو" وعلى صفحته على فيسبوك، حملت معلومات عنيفة وصادمة للمتابعين، قال إنه استقاها من مصادر متعددة أمنية وحقوقية وأنه عمل على جمعها بصمت طوال الفترة السابقة. أهم ما جاء في المقالات كان التأكيد على أن زياد عيتاني اعترف تحت التعذيب، وأن المقدم سوزان الحج، الرئيسة السابقة لمكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، كانت قد فبركت له الملف، على خلفية قيام شخص آخر يدعى زياد عيتاني (صحفي ورئيس موقع إخباري)، بتصوير "سكرين شوت" للايك/علامة إعجاب وضعته الحاج على تغريدة للمثل الديماغوغي شربل خليل، سخر خلاله من المرأة السعودية، اللايك هذا دفعت سوزان الحج منصبها ثمناً له، وتشابه الأسماء بين الزيادين جعل زياد عيتاني الممثل يقع ضحية ملف مفبرك واستهداف غير مهني سعى لتدمير حياته والإساءة لكرامته واسمه الفني أيضًا في مجتمع يعيش معضلة العمالة لإسرائيل طوال إرثه السياسي وصولًا لأرفع المناصب في تراتبية الإقطاع السياسي.

اقرأ/ي أيضًا: مقص الرقيب القروسطي يطال فرج الله الحلو!

مقالات فداء العيتاني الثلاث إضافة لبعض المعلومات والتسريبات من هنا هناك فتحت كوة وثغرة في ملف زياد عيتاني، جزء من الرأي العام بدأ يميل أكثر نحو التشكيك ببيانات أمن الدولة. في 3 آذار/مارس كشف وزير الداخلية نهاد المشنوق، من خلال تغريدة على تويتر، إن زياد عيتاني بريء وعلى اللبنانيين الاعتذار منه. لم ترُق هذه التغريدة لمعظم المتابعين خاصة أن المشنوق وزير داخلية وحري به هو الاعتذار ومحاسبة كل المتورطين في القضية، في اليوم نفسه أوقفت سوزان الحج وظهر اسم ايلي غبشة، الهاكر المفترض الذي قرصن حساب زياد عيتاني واختلق الحديث الذي أوقف زياد عيتاني بسببه. ايلي غبشة يتهم سوزان الحج بأنها هي من طلبت منه الإيقاع بزياد، والأخيرة  تنكر.

من يحمي المواطن اللبناني العادي من أن يلقى يومًا ما لقاه زياد عيتاني؟ ومن يعوض لزياد الضرر الجسدي والنفسي الذي لحق به وبعائلته؟

خرج زياد عيتاني إلى الحرية يوم 13 أذار/مارس بينما أوقفت سوزان الحج، السحر انقلب على الساحر على ما يبدو. عاد زياد عيتاني إلى عائلته، خاصة ابنته التي يعرفها ويحبها أصدقاؤه الحقيقيون والافتراضيون. نجا زياد عيتاني إذًا، ولكن من يحمي المواطن اللبناني العادي من أن يلقى يوماً ما لقاه زياد؟ ومن يعوض لزياد عيتاني الضرر الجسدي والنفسي الذي لحق به وبعائلته؟ ببساطة، من يتحمل مسؤولية المس بكرامة الإنسان والتطبيل العبثي لهذا المس الكيدي؟!

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإرهاب وأخطاء الإعلام اللبناني التي لا تحتمل

ديك "النهار".. حين يتقيأ عنصرية ضد السوريين