05-ديسمبر-2021

الشاعر وليم بتلر ييتس

خمس وأربعون قصيدة للشاعر الإنجليزي وليم بتلر ييتس صدرت منذ سنوات بترجمة بديعة للشاعر الفرنسي إيف بونفوا. صدرت باللغتين الإنجليزية والفرنسية.

هذا الكتاب الرائع الذي أعيد طبعه، كأنه، لوحات فيها من الغموض بقدر ما فيها في الصّفاء، من الأسئلة الميتافيزيقية، بقدر ما فيها من اليوميات والتفاصيل والوصف، والحب والغضب والسخرية والنقمة والتمرد.

نصوص مترسّلة أحيانًا، وأخرى وعرة، كأنما في متاهة تعبيرية، تتصادم فيها الكلمات، والجمل، والإيقاعات في سمفونيات متعددة الأصوات، تختلط فيها الأمكنة بالحالات، بالموت، والحنين، والزمن، والهزيمة، والانتصار. إنه ييتس، كأنه طالع من غابات شكسبير، أو من غنائية كيتس، أو ملحمة بايرون.

على الرغم من ذلك حين تقرأه تستغرق فيه، كله، بطرقه غير المسلوكة، وبنبراته التي من خصوصياته، ومن هواجسه، ومن لعبه الماهر في مكونات اللغة والتراكيب. نسيج نفسه، وإن خاض في مواضيع ومسائل، سبق أن خاضها كثيرون من الفلاسفة كأفلاطون، وسقراط، ونيتشه. يتفلسف بغير مفاهيميّة الفلاسفة، ويتأمّل بغير صرامة المفكرين، ويقارب حالاته، بهذا المزيج المُرّ، والمتوجس، من كل ما يجعل الإنسان فريسة للغيوب، والأفكار.

ولهذا فإنه عندما يستجير ببعض الفلاسفة، فإنه لا يتماهى بهم، وإنما يعبر عن عبثية كلّ شيء. يكسر الثوابت، والمعتقدات، والعادات، على غير نهيلية، وإنما بين الاحساس العميق بالعدم واللاجدوى واللاشيء التي يشغلها كلها بسخرية إلهية حادة.

هنا بعض القصائد التي ترجمناها عن الفرنسية مستعينين بالنص الأصلي الإنجليزي، الذي حاول إيف بونفوا، ترجمته، بروح حرة لكنها أمينة، فمع هذا وجدنا من خلال المقارنة بين القصائد الأصلية والترجمة، كثيرًا من التصرف الذي سمح لنفسه بونفوا، أن يمارسه، وإن أدى أحيانًا إلى التفسير بدلًا من العنف التعبيري التفصيلي الذي قصده ييتس.


أسفلَ حدائق الصفصاف

 

أسفل حدائق الصفصاف التقيتك، يا حبيبتي.

تعبرين حدائق الصفصاف بخطى كأنها الثلج.

قلت لي أن آخذ الحب ببساطة، تمامًا

كما تنبت الثمار.

لكنني كنت فتىً مجنونًا ولم أرد

أن أفهم

في حقل قرب النهر تحاضنا يا حبيبتي

على صدري المنحني وضعت يدك

التي هي كالثلج الأبيض

قلت لي أن آخذ الحياة بسهولة، كما

ينبت العشب في  la vie

لكنني كنت فتىً مجنونًا ومنذ ذلك

الحين أنا أبكيك.

 

إلى الطفل الذي يرقص في الريح

 

ارقصْ هنا على الشاطئ

إذ ما ينفع أن يسفلك

الريح أو الماء الذي يهدر؟

وبعدها هزّ شعرك

الذي بللته القطرات المُرة.

أنت فتى، لا تعرف أن الغبي

هو الذي ينتصر،

ولا أننا نفقد الحب

الذي فزنا به بعدها.

آه، وما حاجتك إلى الخوف

من الرعب الذي تصرخه الريح.

 

بعد شيئين

 

أولم يقل لك أحد

إن العين التي تجرؤ على الحب

عليها أن تكون أكثر دراية؟

ولا مدربة على اليأس

من الهش الذي يشتعل؟

كنت قادرًا على تعليمك،

لكنك يافعة، ونحن نتكلم

لغتين جد مختلفتين.

آه، ستأخذين كل ما يقدم لك كل شيء،

وتحلمين بأن العالم طيب،

وستتعذبين كأمك

التي تحطمت في النهاية.

لكنني هرمٌ، وأنت صبية

أتكلم لغة بربرية.

 

المجوس

 

الآن كما في كل آن أستطيع

أن أراهم بعيون الروح،

شاحبين، غير مسرورين بلباسهم

ذي القماش السميك الملون،

يظهرون، يختفون في هوة السماء الزرقاء.

وجوههم محفرة كحجارة متآكلة بالأخطار

في الموجة المعدنية من طرف الى طرف،

وعيونهم التي ما زالت محدقة. بمَ يأملون؟

عذبتهم حركة الصلب

يقاسون، من جديد،

السرّ المستعصي على الترويض

في الحظيرة.

 

الذاكرة

 

واحد كان يتمتع بوجه جميل

واثنان أو ثلاثة آخرون، بالسحر

لكن الجمال والسحر كانا بلا جدوى،

لأن عشب الجبال

لا يمكنه سوى حفظ شكل

سوى أرنب الجبل

يرقد هناك ليلته.

 

الموت

 

لا رعب ولا أمل

للحيوان الذي يموت

لكن الانسان ينتظر نهايته،

خائفًا، وآملًا في كل شيء.

كم مرة مات

ثم قام!

الإنسان الكبير، وحده،

يواجب قتلته

بكبريائه التي يرمي

الانحراف على

مجرد الانخلاع السهل للأنفاس.

فمو يعرف الموت في العمق.

فالإنسان هو الذي خلق الموت.

 

القرن التاسع عشر وبعد

 

حتى وإن لم تستعد هذه الأغنية الكبيرة،

فسيكون، ما يبقى لنا، فرحًا خالصًا!

تكسر الموج على الشاطئ،

في جزر الموجة.

 

أمر الله

 

رعب الحب المثلث: الشعلة

يجر الأذن؛ أجنحة

ترفرف في الغرفة؛ وهذه

الفكرة،

آه! رعب الرعب. أن

أحمل السماوات في بطني.

 

ألم أكن سعيدة بين مزايا

كل امرأة عادية،

زواية النار، الممر في الحديقة

صهاريج الحجارة حيث كنّا

نضربه الملابس، ونستقي كل الأخبار،

 

ما هذا الجسد الذي جعلته جسدي

بالألم؛ ما هي هذه النجمة

التي سقطت على صدري، وتشرب

حليبي؟

ما هو هذا الحب الذي يجمد قلبي

ويسري كرجفة في عظامي؛

وتحت شعري الذي يقف؟

 

عندما تطعنين في السن...

 

عندما تطعنين في السن رمادية وناعسة

على أبواب النجوم قرب النار، خذي هذا

الكتاب،

واقرئي بلا عجلة، واحلمي بالعذوبة

التي تمتعت بها عنياك أمس، بظلالها الثقيلة.

 

تذبذب

 

I

بين المتناقضات

يجري الإنسان في مساره.

جمرات، لهب نار

تأتي، تدمر

هذه القوى المتعارضة

لليل والنهار.

يسمي الجسد ذلك

الموت، ويأسف القلب.

لكن إذا كان الأمر كذلك

فما هو، الفرح؟

 

II

هذه الشجرة حتى قمة أغصانها

نصفها من نار نقية، تشرقط،

ونصفها الآخر أوراق خضر، كثيفة،

مبللة كلها بالندى. كل نصفٍ

ليس سوى نصف، ومع هذا فهو كل المشهد.

ونصف زائد نصف يغني ما يزهر من جديد

ومن علق صورة "آتيس"

بين هذا الغضب الأعمى وهذه

الأوراق الوفيرة، العمياء؛ هذا

لا يستطيع أن يعرف ما يعلم لكنه

لا يعرف الألم.

 

III

سنّي الخمسين جاءت ورحلت.

كنت جالسًا، مستوحدًا

في صالون شاي مزدحم في لندن.

كتاب مفتوح، وفنجان فارغ.

على طاولة الرخام.

 

وبينما كنت أنظر إلى الصالة، والشارع،

اشتعل قلبي فجأة،

وخلال عشرين دقيقة، تقريبًا،

بدا لي، كم كانت سعادتي كبيرة،

بأنني كنت مباركًا وقادرًا على المباركة.

 

IV

إنه تلوّن شمس الصيف

أوراق غيوم السماء

أو يحفر القمر في الشتاء

في الحقول جداوله،

وتفرقها العاصفة

لا أستطيع أن أتأمل

ما دمت أحس نفسي مسؤولًا.

سواء هذا أو ذلك،

منذ سنوات طويلة

أشياء لم أقلْها أو لم أفعلها

أو كان من المحتمل أن أفعلها

كل شيء يرهقني، ولا يمر يوم

لا يثقل ضميري

أو لا يجمد كبريائي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيليب جاكوتيت: أكتبُ بلغةِ الضّوءِ والماءِ والعشب!

فروغ فرخ زاد: ستأخذنا الريح