25-أبريل-2022
أعلن تبون دعم حكومة الوحدة الوطنية (تويتر)

أعلن تبون دعم حكومة الوحدة الوطنية (تويتر)

في خضم التعقيدات السياسية التي تعصف بالمشهد في ليبيا، يتزايد بوتيرة مرتفعة دور دول الجوار في التأثير على مصير أحد أكثر الملفات الإقليمية تعقيدًا. في هذا السياق بات واضحًا الانقسام في  مواقف أكبر جارتين لليبيا وهما الجزائر ومصر بشأن المستقبل السياسي في البلاد.

بات واضحًا الانقسام في  مواقف أكبر جارتين لليبيا وهما الجزائر ومصر بشأن المستقبل السياسي في ليبيا

وبات لافتًا الموقف الجزائري الأخير الذي عبر عنه الرئيس عبد المجيد تبون في دعم حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة خلال اللقاء الذي جمعه مع الصحافة الجزائرية، في حين سجلت مصر موقفًا داعمًا لمجلس النواب الليبي وحكومته الجديدة برئاسة فتحي باشاغا. هنا يتضح حجم التضاد في موقف البلدين وانعكاسه على الداخل الليبي خاصة في  ملف الانتخابات الليبية التي كان الأمل أن تكون الطريق نحو تحقيق وفاق تام بعد نحو عقد من الاقتتال والانقسام.

في هذا السياق، استضافت القاهرة منتصف الشهر الحالي سلسلة اجتماعات للجنة الدستورية المشكّلة من مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة برعاية أممية على أساس المبادرة التي تقدمت بها مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة للشأن الليبي ستيفاني وليامز لصياغة قاعدة دستورية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة من العام الماضي، والتي لقيت ترحيبًا واسعًا من الأطراف الليبية. لكن الوضع تعقد مع قرار وليامز فض الاجتماعات قبل نهايتها بثلاثة أيام بعد الاتفاق على لائحة داخلية للجنة وتحديد يوم 10 آيار/مايو المقبل موعدًا جديدًا لاستكمال المناقشات، وهو ما جاء بسبب خلافات بين المسؤولة الأممية والجانب المصري تعود للضغوطات التي فرضتها القاهرة على الرغم من تعهدات المسؤولين باللجنة الوطنية المصرية المعنية بالملف الليبي بتقديم كل التسهيلات، وعدم التدخل في مسار الحوار.

على أرض الواقع،  كان الدور المصري يدفع لحرف جدول أعمال اللجنة عن محوره الذي حددته المبادرة وتحويله إلى ما يتقاطع مع خارطة الطريق التي أقرها مجلس النواب، ما خلق ازدواجية في جدول الأعمال. فمن ناحية وصل ممثلو مجلس النواب في اللجنة إلى القاهرة تنفيذًا للتعديل الدستوري القاضي بضرورة إجراء تعديل على مشروع الدستور من أجل طرحه للاستفتاء، ليكون دستورًا دائمًا للبلاد وقاعدة للانتخابات. ومن ناحية أخرى يرى نظراؤهم في المجلس الأعلى للدولة أن محور الاجتماع صياغة قاعدة دستورية مؤقتة للانتخابات وترك أمر الدستور للبرلمان القادم، الأمر الذي يتماهى مع المبادرة الأممية التي قدمتها مستشارة الأمين العام للشأن الليبي ودعت إلى الاجتماعات بناءً عليها وفق ما رشح من مصادر مطلعة داخل الاجتماعات.

وهو ما يذهب إليه رئيس حزب التغيير الليبي جمعة القماطي في تصريح لـ "العربي الجديد"، والذي نقل عن ممثلي المجلس الأعلى للدولة المشاركين في اجتماعات القاهرة وجود تدخل مصري في أعمال الاجتماعات، قائلًا "المؤسف أن مجلس الدولة تجاوب مع مبادرة وليامز، ليكتشف عند الوصول أن الأجندة تغيرت بتأثير مكان الاجتماع والدولة المستضيفة التي تدعم وجهة نظر مجلس النواب".

من جهة أخرى، يرى الباحث في الشأن السياسي الليبي الدوكالي الهاين في حديثه للصحيفة عينها أن "الموقف المصري ينطلق من حرص القاهرة على أمن مصر القومي، كما أن لها ثقلها في الملف الليبي، ونعرف أن مجلس النواب أكثر الأطراف المتعنتة في قبول أي توافق سياسي، ولنا أن نتساءل لولا القاهرة من يمكنه تليين مواقف عقيلة صالح وحليفه حفتر وكتلة الشرق الليبي على العموم".

ويشير الهاين إلى أن الموقف المصري من الانتخابات مبني على دعم خارطة الطريق التي أقرها مجلس النواب بعد التوافق بين لجنتين كُلفتا من مجلسي النواب والدولة، لكن الإشكالية بحسبه تقع على عاتق ممثلي المجلس الأعلى للدولة ومواقفهم الأخيرة غير الثابتة من خريطة طريق مجلس النواب، والتي دعموها في البداية ثم "تحولوا ليصدروا عدة مواقف ضبابية وغير مفهومة".

بالمقابل يأتي الموقف الجزائري المستجد والداعم لحكومة الوحدة الوطنية بشكل حاسم، لكن ما هو معروف أن الجزائر التي تعتبر لاعبًا هامًا في توازنات الملف الليبي، تبني مواقفها على قاعدة عدم الانحياز والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار. وهذه المرة، كسرت القيادة الجزائرية القاعدة، وهو ما يعني تغيير بعض القواعد في تعاملها مع الملف الليبي.

وخلال إطلالته الأخيرة مع الصحافة، أعطى الرئيس الجزائري مواقف لافتة فيما يخص الشأن الليبي، حيث أكد من خلالها أن "حكومة الوحدة الوطنية من لديها الشرعية الدولية، وأن الجزائر تذهب مع الشرعية الدولية"، وأضاف أن "استبدالها يكون بانتخابات تفرز مجلسًا نيابيًا جديدًا يعين حكومة جديدة".

وبشأن النزاع على الشرعية في ليبيا، أوضح تبون أن الموقف الجزائري جاء مخالفًا لعدد من المواقف الأخرى، وقال "نحن لن ندخل في مسار التفرقة في ليبيا.. تم تعيين حكومة جديدة من طرف مجلس وطني، والحكومة التي لديها شرعية دولية هي حكومة عبد الحميد الدبيبة، ونحن ندعم الشرعية الدولية، ولن يكون شيء آخر من غير هذه الشرعية الدولية". ووصف  تبون التمثيل السياسي في ليبيا بـ "النسبي" في إشارة على ما يبدو لمجلس النواب الذي يرى نفسه الجسم التشريعي الوحيد، فيما يعتبره خصومه السياسيون طرفًا سياسيًا يقابله طرف سياسي أخر يتمثل في المجلس الأعلى للدولة.

تصريحات تبون تأتي عقب اللقاء الذي جمعه مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة خلال الزيارة التي قام بها الأخير للجزائر الأسبوع الماضي، وأُعلِن عن نية الجزائر عقد مؤتمر وزاري على مستوى الدول المنخرطة في الملف الليبي من أجل دعم الانتخابات.

يشار إلى أن الخارجية الأمريكية نشرت نهاية الشهر الماضي رسالة من الرئيس الجزائري لوزير الخارجية الأمريكي تعبر عن موقف بلاده بخصوص عدد من الملفات من بينها الملف الليبي. حيث قال في الرسالة "لقد فعلنا كل شيء حتى تسنح الفرصة لأشقائنا وأخواتنا الليبيين للتعبير عن أنفسهم، وقد مر عامان حتى الآن ونحن نكافح من أجل هذه الانتخابات في ليبيا، لأننا توصلنا إلى استنتاج مفاده أن الأشخاص الذين تم انتخابهم لا يمثلون أحد في كل مرة يتم إجراء انتخابات فإنهم يمثلون أنفسهم فقط". وأضاف "نقوم بذلك مرارًا وتكرارًا حتى الدائرة الأخيرة بين الدبيبة والشخص الذي تم تسميته من قبل ما يسمى بمجلس النواب. وسوف تستمر لأن أيا منهم ليس ممثلًا".

تتوقع بعض الآراء أن يكون الموقف الجزائري كفيلًا بضبط موازين المعادلة بين طرفي الصراع، لكن آراء أخرى تقلل من احتمالية ذلك

وتتوقع بعض الآراء أن يكون الموقف الجزائري كفيلًا بضبط موازين المعادلة بين طرفي الصراع، لكن آراء أخرى تقلل من احتمالية ذلك بسبب تعدد الأطراف الإقليمية والدولية التي تتحكم في الملف.