19-ديسمبر-2020

تهدد الأزمة المائية بنشوب صراعات عسكرية في المستقبل (Getty)

يمكن الاستدلال إلى أهمية الأزمة المائية على المستوى العالمي بتهديدها نشوب ما يزيد عن أربعة صراعات عسكرية دولية أو أكثر بسبب الصراع على الموارد الطبيعية والمائية، يأتي في مقدمتها التحذيرات من نشوب مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة من طرف، والصين من الطرف المقابل بشأن الحدود البحرية للصين على بحر الصين الجنوبي، على أن حال الصراع المتوقع إثارته حول المياه قد يختلف بين الدول بسبب تجاوز الصراعات المائية الأزمة الاقتصادية متأثرة بالأزمة المناخية في المقام الأول.

يمكن الاستدلال إلى أهمية الأزمة المائية على المستوى العالمي بتهديدها نشوب ما يزيد عن أربعة صراعات عسكرية دولية أو أكثر

الصراع الإقليمي على موارد شرق المتوسط

ليس غريبًا القول إن الصراع الدائر في منطقة شرق المتوسط يعتبر واحدًا من الصراعات غير معروفة النتائج، نظرًا لتضارب المصالح السياسية– الاقتصادية مشتركة بين الأطراف الإقليمية، وعلى رأس قائمتها الخلاف المتصاعد بين أنقرة من جانب، وأثينا مدعومة من التكتل الأوروبي من جانب آخر، ما دفع بالتكتل الأوروبي لإعداد لائحة سوداء تتضمن أسماء مسؤولين أتراك لإدراجهم على قائمة العقوبات، بسبب استمرار أنقرة في عمليات التنقيب على الموارد الطبيعية داخل الحدود البحرية المتنازع عليها مع قبرص اليونانية إضاقة لليونان.

اقرأ/ي أيضًا: مصر تفاوض مجلس طبرق لتوقيع اتفاقية بحرية في المتوسط.. ما علاقة تركيا؟

ولا يمكن فصل الخلاف اليوناني – التركي في شرق المتوسط عن دول المنطقة، وهو ما يبرز بشكل واضح عبر منتدى شرق المتوسط للطاقة، الذي تأسس افتراضيًا في أيلول/سبتمبر الماضي، بعضوية مصر، إسرائيل، اليونان، قبرص اليونانية، إيطاليا، والأردن، فيما تقّدمت فرنسا بطلب عضوية للمنتدى، وسجل التكتل الأوروبي والولايات المتحدة كعضوين مراقبين، وينظر للمنتدى على أنه استكمال لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية المؤقعة مؤخرًا بين مصر واليونان، وتعتبر ردًا على اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية مطلع العام الجاري، نظرًا لما تضمه في عضويتها من خصوم أنقرة في المنطقة.

ومن جانب ثالث لدينا مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في شرق المتوسط، نظرًا للخلاف بين الطرفين على طول الحدود البحرية، كما أن الوجود الروسي في ميناء طرطوس المرتبط بعقد الإيجار الموقع مع النظام السوري لمدة 45 عامًا، تُضاف عليه اتفاقيات ثنائية عسكرية واقتصادية أخرى، ويمتد حضور موسكو في شرق المتوسط إلى شركات التنقيب الروسية النشطة في لبنان، فضلًا عن تقديمها التمويل المالي لقبرص اليونانية واليونان.

الصراع على بحر الصين الجنوبي 

على الجانب الآخر من الكرة الأرضية تتحدث التقارير عن عمق الخلاف بين الصين والولايات المتحدة بشأن المساحة المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وسط مخاوف من نشوب صراع عسكري بين بكين وواشنطن، بعدما وصلت ذروت المشاحنات بين البلدين إلى تنفيذهما تدريبات عسكرية بشكل منفصل خلال أقل من أسبوع في تموز/يوليو الماضي، ووفقًا للكاتب دانيال يرجين مؤلف كتاب "الخريطة الجديدة.. الطاقة والمناخ وصراع الأمم"، فإن المخاوف من وقوع حادث قد يؤدي لمواجهة عسكرية بين البلدين أكثر ما يشغل المحللين العسكريين في بكين وواشنطن.

وينقل يرجين عن الدبلوماسي السنغافوري السابق لي تومي كوه وصفه للخلاف الناشب في بحر الصين الجنوبي، بأنه مرتبط بـ"القانون، السلطة، الموارد، والتاريخ"، وفيما تقول بكين إن سيادتها على بحر الصين الجنوبي ترجع لمائة ألف عام، فإن واشنطن تقول إن مياه بحر الصين الجنوبي يجب أن تكون متاحة للجميع بموجب القانون الدولي، وهو ما تتوافق عليه الدول المجاورة للصين، فضلًا عن أستراليا، بريطانيا، واليابان، وصنفت دراسة سياسية على مستوى الحكومة الأمريكية تصريحات بكين بشأن سيادتها على أجزاء واسعة من بحر الصين الجنوبي بأنها "أكبر تهديد لحرية البحار في العصر الحديث".

ويضاف إلى بحر الصين الجنوبي خلاف بكين مع طوكيو بشأن السيادة على أرخبيل سينكاكو/ دياويو في بحر الصين الشرقي، حيث تدعي كلًا من طوكيو وبكين سيادتهما على الأرخبيل المكون من خمسة جزر وثلاثة صخور غير مأهولة بالسكان، وغالبًا ما توجه طوكيو انتقاداتها لبكين، بسبب إرسال الأخيرة سفنًا لخفر السواحل قرب الأرخبيل.

ونشب النزاع على سيادة الأرخبيل لأول مرة في عام 1972، بعد دراسة أممية رجحت نظريًا وجود كميات كبيرة من الموارد الطبيعية والمعدنية في المنطقة، ويصف المحللون الصراع الصيني – الياباني على الأرخبيل بأنه من أشد الصراعات في شرق آسيا، محذرين من إمكانية إشعاله مواجهة عسكرية بين البلدين لبسط أحدهما سيادته على الأرخبيل، الذي يخضع لسيادة اليابان في الوقت الراهن.

سد النهضة الكبير  الإثيوبي

تتصدر أزمة سد النهضة الكبير قائمة الأزمات التي قد تنذر بمواجهة عسكرية محتملة بين إثيوبيا صاحبة السد بكلفة تصل لـ4.5 مليار دولار من طرف، ومصر بشكل أساسي من طرف آخر، نتيجة خلاف الدولتين إلى جانب السودان على عملية تشغيل وملء السد في فترة الجفاف، والجفاف الممتد، وقلة الأمطار، مع الاستمرار بتعقّد الوصول إلى اتفاق نهائي في المفاوضات التي يجريها الأطراف الثلاثة تحت مظلة الاتحاد الأفريقي منذ عام 2013.

وتدور أبرز النقاط الخلافية بين البلدين في إطار الفترة الزمنية المخصصة لتعبئة السد، حيث تطالب إثيوبيا بأن تكون فترة تعبئة السد خلال ثلاثة أعوام، فيما تشدد القاهرة على أن تتراوح الفترة ما بين 10 إلى 15 عامًا. ويُنظر إلى سد النهضة في إثيوبيا على أنه من أهم مشاريع الطاقة الكهرومائية، وتشير التوقعات إلى أنه سيغطي احتياجات 60 بالمائة من منازل الإثيوبيين بالكهرباء، إضافة لمنازل الإثيوبيين الذين لا تصلهم الكهرباء، فيما تسود مخاوف لدى القاهرة بأن تتزامن المرحلة الأولى من تشغيل السد مع فترة جفاف شديد في النيل الأزرق من الجانب الإثيوبي، على غرار ما حدث ما بين عامي 1979 –1980.

وتقول القاهرة إنها تواجه خطر فقدان أكثر من مليون وظيفة مع 1.8مليار دولار من الناتج الاقتصادي سنويًا، كما ستفقد كهرباء بقيمة 300 مليون دولار، وأكثر من 1.3 مليون فرصة عمل، وعلى الرغم من أن مشروع سد النهضة سيجعل من أديس أبابا مصدرًا أساسيًا للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، والترجيحات التي تشير لحصول السودان على سعر مخفض من كهرباء السد، وتدفق المياه المستقر الذي سيقلل من الفيضانات ويزيد من الري، فإن القاهرة تضيف إلى الأزمة الاقتصادية والبيئية الناجمة عن السد، ترجيحات بأن أديس أبابا تهدف من وراء السد إلى بيع المياه إلى مصر مستقبلًا.

لكن الصراع ليس سياسيًا واقتصاديًا فقط

يمكن ملاحظة أن مساعي الدول الكبرى والإقليمية لفرض سيادتها على البحار تعد واحدة من الأسباب البارزة التي قد تؤدي لنشوب مواجهة عسكرية على المستوى العالمي، إلا أن ذلك لا يعني أن الأزمة المائية غير مرتبطة بالأزمة المناخية في الوقت الراهن، فقد حذر تقرير صادر عن معهد الاقتصاد والسلام من أن نقص المياه والغذاء سيؤدي إلى هجرة جماعية من 31 دولة لا تملك القدرة على التعامل مع الأزمة المناخية.

وبحسب تصريحات للرئيس التنفيذي للمعهد ستيف كيليليا فإن الجفاف سيسبب نزوحًا أوسع من حركة النزوح التي سجلت ما بين عامي 2015 – 2016، ووفقًا لما تشير التقارير المرتبطة بهذه التوقعات، فإن الدول المعرضة لتشهد موجة نزوح جماعي بسبب الأزمة المائية، يتواجد معظمها في أفريقيا المعروفة بـ"جنوب الصحراء الكبرى"، وجنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويقول المعهد إن 19 دولة من أصل 40 من الدول الأقل أمانًا على المستوى العالمي تواجه تهديدات بيئية، بما في ذلك دول أفغانستان، سوريا، العراق، تشاد، الهند، وباكستان.

هل يكون الصراع في العقد الحالي مائيًا؟

تشير التقارير الأممية إلى أن أكثر من خمسة مليارات إنسان سيعانون من نقص المياه بسبب الأزمة المناخية بحلول عام 2025، مع توقعات بارتفاع عدد سكان العالم من 7.7 مليار إلى ما يقرب 10.2 مليار نسمة، لافتة إلى أن هذا النمو السكاني سيرفع من الطلب على المياه بشكل متسارع في البلدان النامية، وتمضي توقعات التقارير الأممية التي تحمل نظرة قاتمة للمستقبل، محذرةً من أن ما بين 4.8 مليار إلى5.7 مليار شخص سيعيشون في مناطق تعاني من ندرة المياه لمدة شهر واحد على الأقل كل عام اعتبارًا من العام 2025.

ومع هذه النظرة القاتمة لمستقبل المياه على مستوى العالم، تتداعى في الأفق إمكانية نشوب مواجهة عسكرية سواء أكانت بين باكستان والهند اللتين تتنازعان السيطرة على إقليم كشمير، نظرًا لخضوع نهر نيلم المعروف بموارده المائية للسيادة الباكستانية، أو من خلال تحذيرات ترامب بشأن اتجاه القاهرة لقصف سد النهضة، على الرغم من تقليل المحللين لذهاب أديس أبابا والقاهرة إلى المواجهة العسكرية، أو حتى في صراع الولايات المتحدة مع الصين بخصوص بحر الصين الجنوبي.

اقرأ/ي أيضًا: ملف شرق المتوسط.. تعقيدات تزيد من احتمالات التصعيد

في هذا الجانب يرى المحللون أن ندرة الحروب الناشبة بسبب الصراعات المائية كقضية أساسية تقلل من إمكانية وقوعها، إلا أنها قد تكون عاملًا مضاعفًا كمشكلة تضاف إلى مجموعات مشاكل قد تكون عاملًا في عدم الاستقرار، كما الحال مع الصراعات الإثنية وأسباب أخرى، وترى هذه الآراء أن سبب ذلك يرجع إلى أن ندرة المياه ساهمت بزعزعة استقرار المجتمعات، مما يجعل حل الخلافات بشكل ودي صعبًا.

يرى المحللون أن ندرة الحروب الناشبة بسبب الصراعات المائية كقضية أساسية تقلل من إمكانية وقوعها، إلا أنها قد تكون عاملًا مضاعفًا كمشكلة تضاف إلى مجموعات مشاكل قد تكون عاملًا في عدم الاستقرار

غير أن التوقعات بالنسبة لشرق المتوسط تنذر بنشوب مواجهات عسكرية صغيرة بالاعتماد على وكلاء الأطراف الإقليمية في المنطقة، وفقًا لما يشير تقرير لموقع BBC الإلكتروني، موضحًا أن الشرق الأوسط قد يدخل في حرب باردة على الأصعدة الاقتصادية والإعلامية والسياسية، بسبب الصراع على الثروات الطبيعية في شرق المتوسط، مع بروز توقعات بانتقال الصراع لمناطق جديدة مثل اليمن أو الصومال أو قيام كل طرف إقليمي بتحسين موقعه عبر إقامة قواعد وموانىئ على خط طرق التجارة البحرية الدولية.