13-فبراير-2020

من قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا (الأناضول)

دون ضوضاء هذه المرة أُسدل الستار على توصيات القمة الأفريقية السنوية، وتعهد القادة بأن تلعب الكتلة التي تضم 55 دولة دورًا أكبر في حل النزاعات المطولة والعمل على إطلاق الإمكانات الاقتصادية للقارة، وكانت القضية الأكثر اهتمامًا وتركيزًا هى كيفية التخلص من شبح الموت، وأرق معاناة الحرب المستمرة في كل أنحاء القارة السمراء.

تحديات القادة الأفارقة مستمرة باستمرار العنف، وغياب الديمقراطية وهروب الشباب إلى مناطق اللجوء غير الكريمة، عطفًا على إذكاء القوى الكبرى نيران الصراعات الداخلي

تضمن البيان الختامي عدة توصيات منها رفض التدخلات الخارجية في ليبيا ورحب بوقف إطلاق النار بين الأطراف، إذ من المؤمل أيضًا أن يدفع قادة القارة مقترحًا بتشكيل قوة أفريقية تعمل على حفاظ السلم في ليبيا، وإنجاح الفترة الانتقالية في السودان، ونادى البيان بضرورة دعم الحقوق الفلسطينية وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس، منددًا بما يعرف بصفقة القرن.

اقرأ/ي أيضًا: ثورة الفهود الشابة.. هل سيتنحى الرجال العجائز من حُكم أفريقيا؟

السيطرة على النزاعات

تماهيًا مع موضوع قمة "إسكات البنادق"، تحدث رئيس جنوب إفريقيا سیریل رامفوزا عن أفريقيا "المزدهرة والهادئة مع نفسها"، حيث تولى منصب رئيس الاتحاد الأفريقي من نظيره المصري عبد الفتاح السيسي.

بعد خيبة أمل الأفارقة في السيطرة على النزاعات، سارع رامفوزا إلى تحديد ليبيا وجنوب السودان باعتبارهما النزاعين اللذين يريد التركيز عليهما خلال فترة ولايته، ما يعني أن على رئيس جنوب أفريقيا استثمار الرغبة الكبيرة للزعماء في بذل جهد أكثر صرامة لمعالجة أشد الأزمات دموية في القارة، سيما وأن الكتلة المنعقدة سنويًا سعت منذ فترة طويلة إلى لعب دور أكثر بروزًا في الجهود الرامية إلى حل النزاع الطويل الأمد في ليبيا، مع اعتقاد بعض الدول الأعضاء بأنها يمكن أن توفر الشرعية اللازمة لعملية سلام متعددة الأطراف.

مواجهة التحديات

تبدو مبادرة "إسكات البنادق" بالنظر للمعطيات الجارية غارقة في المثالية، إذ لا توجد دولة أفريقية، لا تعاني من حروب ومشاكل أمنية، يتسبب فيها القادة والنخب الحاكمة نفسها، للحفاظ على امتيازاتها بكل الوسائل، حتى غير القانونية، إلى جانب الدور الخفي للمستعمرات القديمة، كما أن مبادرة إسكات البنادق مطلوب منها إيقاف شراء الأسلحة وتمويل الحركات الأهلية المتمردة، وهو دور يتطلب دعمًا دوليًا، على الأقل، وتُكرَّيس كلّ الموارد المادية والمعنوية، نسبة لأن السِّلم يعتبر الضامن الأكيد للتنمية بعد عقود من الصراع الدامي.

جنوب أفريقيا حاليًا ليست في ثقلها السياسي والاقتصادي القديم، ما يضاعف مهمة رئيسها رامافوزا الذي جاء بعد انتهاء فترة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الغارغة في الكسل، حيث كان السيسي  يتطلع "لتعزيز العمل الأفريقي المشترك" لكنه بدا بعيدًا عن التواصل مع القادة الأفارقة، وحبس همومه في قضية سد النهضة الأثيوبي، المختطفة من قبل أمريكا، دون أن يشرك الاتحاد الأفريقي في تقريب وجهات النظر بين دول حوض النيل، أما رئيس الدورة الأسبق الرواندى بول كاجامى، فقد سعى خلال رئاسته للاتحاد الأفريقي، للاستمرار فى بناء اتحاد قوى، وقادر ليحقق أهداف أجندة 2063، كما تم إعادة إطلاق صندوق السلام بمبلغ مقداره 89 مليار دولار.

استعادة هدوء الجبهات

يضطلع الاتحاد الأفريقي بدور أكبر في الآونة الأخيرة في معالجة مسائل السلام والأمن في القارة، لكنه أيضًا مواجه بتحديات ماثلة، منها قدرة الرئيس سيريل رامفوزا، المنتخب حديثًا، ويعاني من مشاكل داخلية، في دفع مسار النمو، واستعادة هدوء جبهات القتال، ما يعكس تطلعات الهيئة القارية السابقة لإنهاء الصراعات ومنع الإبادة الجماعية في أفريقيا، مع الوضع في الاعتبار أن القادة الأفارقة أقل التزامًا بصنع السلام الجماعي، إلى جانب ضعف الاتحاد نفسه في التصدي للمهمات الكبرى.

على الرغم من أن هدف حل جميع النزاعات في سبع سنوات قد سجل بعض النجاحات. في العام الماضي فقط، على سبيل المثال، تدخل الاتحاد في لحظات حرجة للحفاظ على ثورة السودان ومنعها من الانزلاق إلى العنف بين الجيش والثوار، وتوقيع اتفاق سلام بين الحكومة والمتمردين في جمهورية أفريقيا الوسطى، لكن أماكن أخرى لم تحظ بالاستقرار، منها الكاميرون التي تعاني من شبح حرب أهلية كاملة، وبعض دول الساحل وجنوب السودان، إلى جانب تحديات الانتخابات النزيهة، وخطط القادة الأفارقة لتغيير القوانين الدستورية من أجل التمسك بالسلطة.

رئيس المفوضية الأفريقية موسي فكي بدا أكثر تصويبًا نحو النزاعات القائمة في عدد من الدول منها ليبيا وأفريقيا الوسطى، وطالب بعدم التدخل الخارجي في الشأن الليبي، مثمنًا خطوات السلام في السودان. وتطرق فكي إلى مخاطر تصعيد الإرهاب في بعض دول غرب أفريقيا، منها نيجيريا والكاميرون وبحيرة تشاد، وتحدث عن تزايد مخاطر الهجرة غير الشرعية بسبب النزاعات مما يؤخر نمو القارة، كما نوه إلى عدالة القضية الفلسطينية.

معضلة التمويل

معضلة أخرى، بلا شك ربما تقوض الجهود الرامية لتحقيق السلام في حال عدم التوافق عليها، وهى تمويل عملية السلام من قبل الأمم المتحدة لتمكين القادة الأفارقة من القيام بدورهم على نحو أمثل وأكثر فاعلية، واستخدام الاشتراكات المقدرة من الأمم المتحدة لدعم عمليات دعم السلام للاتحاد الأفريقي. لكن على مدار العامين، وفي صلب النقاش، يكمن جهد الاتحاد الأفريقي في ضمان اتفاق تغطي بموجبه الأمم المتحدة 75 في المائة من تكاليف بعثات حفظ السلام، بحيث أنه ليس أي من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في وضع جيد لمواجهة ديناميات الصراع سريعة التغير في القارة دون تبادل العون، والتوافق على خطة عملية لتوفير الدعم المالي تحديدًا.

عدالة القضية الفلسطينية

أخيرًا فإن القضية الفسلطينية كانت من صلب اهتمام القادة الأفارقة، بالدعم والمساندة، ورفض خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهويد القدس، واحتكارها عاصمة لإسرائيل، حيث أدان القادة الأفارقة تلك الخطة ووصفوها بأنها غير شرعية، كما أعربوا عن تضامنهم مع "القضية الفلسطينية" واعتبر سیریل رامفوزا رئيس جنوب أفريقيا، الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد، أن مقترحات ترامب تشبه القوانين التي كانت تنفذ في جنوب أفريقيا خلال فترة الفصل العنصري، مضيفًا أنه "عندما استمعت إلى المقترحات وقرأت كل ما كتب عنها، عاد إلى ذاكرتي التاريخ الفظيع الذي مررنا به في جنوب أفريقيا".

اقرأ/ي أيضًا: جنوب السودان.. صراع متجدد في دولة هشة

وحضر القمة نيابة عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رئيس وزرائه محمد اشتية الذي جدد التأكيد على موقف القادة الفلسطينيين بأن خطة ترامب "ليس لها أي شرعية"، واعتبر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي أن صفقة القرن تمثل "انتهاكًا خطيرًا لقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي العديدة"، وأضاف أن الخطة تم إعدادها بدون مشاورات دولية وأنها "تعتدي على حقوق الشعب الفلسطيني"، وسط تصفيق الحاضرين في القاعة الرئيسية لمقر الاتحاد الأفريقي، ما يعني أن جهود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو في تحييد الأفارقة عبر جولاته المستمرة، وآخرها زيارته لأوغندا ولقاء رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، لن تكون ميسرة.

تضمن البيان الختامي عدة توصيات منها رفض التدخلات الخارجية في ليبيا ورحب بوقف إطلاق النار بين الأطراف

أخيرًا فإن تحديات القادة الأفارقة مستمرة باستمرار العنف، وغياب الديمقراطية وهروب الشباب إلى مناطق اللجوء غير الكريمة، عطفًا على إذكاء القوى الكبرى نيران الصراعات الداخلية من خلال داعم الفصائل التي تحقق مصالحها، أو عبر تسويق عمليات شراء السلاح، بشكل يهدد بتقويض كافة جهود تحقيق السلام، وترحيل أجندة الاتحاد الأفريقي إلى قمة جديدة في العام المقبل دون أن تسكت أصوات البنادق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رئاسة السيسي للاتحاد الأفريقي.. تجارة الوهم

نتنياهو يفتح إفريقيا.. سر الزائر والزيارة