16-ديسمبر-2019

من الاحتجاجات التي أطاحت بموغابي قبل أعوام (Getty)

على الرغم من أن أفريقيا تحتضن قوة شبابية هائلة، إلا أن الرجال العجائز تقريبًا يهيمنون بشكل واسع على  غالب أنظمة الحكم، بعضهم ينتمي لجيل التحرر الوطني، والبعض الآخر ورث السُلطة عبر الانقلابات العسكرية، أو بالتدخل القبلي العنيف، فيما تلك الصورة بدأت تتصدع شيئًا فشيئًا خلال السنوات الأخيرة، والتي شهدت  فيها القارة السمراء صعود جيل جديد، يؤمن بالديمقراطية، ويسعى عبرها للوصول إلى مقاعد السُلطة.

بسقوط نظام الرئيس السوداني عمر البشير (30) عامًا وقبله معمر القذافي الذي حكم ليبيا أربعة عقود، ظهرت بوادر ثورة شبابية، انتقلت إلى جيل جديد، من خلال الضغوطات التي أفضت إلى تغيرات واسعة في بنية الحكم الأفريقي

مأساة القارة الأفريقية بدأت مع نهاية عهد الاستعمار الأوروبي، الذي حرص على تمكين النخب المستبدة، لضمان ولائهم الدائم له، فتناسلت بعدها حقب الفساد السياسي، على ما وصفهم الاقتصادي الغاني جورج آيتي "نخبة فرس النهر الفاسدة"، ونادى بالتخلص منهم عبر تولى من أسماهم بالفهود الشابة زمام المسؤولية.

اقرأ/ي أيضًا: جنوب السودان.. صراع متجدد في دولة هشة

رحيل القدامى

بسقوط نظام الرئيس السوداني عمر البشير (30) عامًا وقبله معمر القذافي الذي حكم ليبيا أربعة عقود، ظهرت بوادر ثورة شبابية، انتقلت إلى جيل جديد، من خلال الضغوطات التي أفضت إلى تغيرات واسعة في بنية الحكم الأفريقي، وتجلت في مغادرة بعض العجائز كراسي السلطة طوعًا أو كرهًا أحيانًا، إذ استقال الرئيس "خوسيه إدواردو سانتوس" من رئاسة أنجولا بعد 38 عامًا، ولحق به قبل ثلاثة أعوام روبرت موغابي، الذي انحنى ظهره داخل مقعد الحكم في زيمبابوي، إلى جانب رحيل "جاكوب زوما" من رئاسة جنوب أفريقيا.

لكن حال كثير من الدول الأفريقية لم يتغير، حيث اشتهرت هذه القارة تحديدًا باحتضان الرؤساء الأكثر مكوثًا في الحكم، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، حتى في مناطق شهدت طفرة حضارية مثل رواندا، والتي يتزعمها بول كاغامي (73) عامًا، أحد أبرز قادة الجبهة الوطنية الرواندية، حين صعد للرئاسة بتزكية البرلمان في مطلع الألفية الثانية، وعدل الدستور أكثر من مرة ليتسنى له الحكم حتى العام 2034 ومثله كذلك ألفا كوندي، الذي يحكم غينيا منذ العام 2010 ويعتبر الرئيس الرابع لغينيا منذ استقلالها عن فرنسا عام 1958، وبينما يسعى كوندي (81) عامًا لولاية ثالثة في العام المقبل تتواصل الاحتجاجات ضده لمنعه من تعديل الدستور.

البقاء الطويل

بالنسبة لأوغندا يبدو أنها استسلمت لقبضة الديكتاتور يوري موسيفيني، الذي يحكم البلاد منذ 23 عامًا، ولم تلح بعد محاولات جاده لإسقاطه، سواء كان عبر الانتخابات، أو انتفاضة شعبية، فبعد سنوات من قتال القوات الحكومية، استطاع الضابط حينها موسيفيني من قيادة جيش المقاومة الوطني إلى السلطة في كانون الثاني/يناير 1986 وأفلح كذلك بمساعدة الجيش الشعبي في القضاء على "جيش الرب" الذي سعى عبر قائده جوزيف كوني للإطاحة بنظام موسفيني، وإقامة نظام ثيوقراطي يتأسس على الكتاب المقدس، وفقًا لامرأة تدعى أليس لاكوينا زعمت في مطلع الثمانينات أن الروح المقدسة خاطبتها وأمرتها بالإطاحة بالحكومة الأوغندية، لما تمارسه من ظلم وجور ضد شعب أشولي، لكن موسيفني بدعم الغرب تمكن من إضعاف جيش الرب، وفاز بثلاث دورات انتخابية، حيث سمح في الدورة الأخيرة منها عام 2006 للمرشحين بالتنافس على أساس حزبي.

أما في تشاد فإن الرئيس إدريس ديبي (67) عامًا لا زال متشبثًا بمقعد الرئاسة، منذ نحو 29 عامًا، وقد استولى على الحكم بدعم من نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، حين أطاح بسلفه حسين حبري دون مقاومة تذكر، وقام ديبي بتعديل الدستور أكثر من مرة للاستمرار في الحكم.

ديمقراطية الشباب

الحال نفسه ينسحب إلى إرتريا التي يعتبر رئيسها الأول هو رئيسها الحالي أسياس أفورقي، ومكث في الحكم (27 عامًا) منذ أن نالت استقلالها في مطلع تسعينات القرن المنصرم من إثيوبيا، ويقود أفورقي حزب الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة، دون منافس له، وهو الحزب الوحيد المسموح له بالمشاركة في الحياة السياسية، كما أنه تخلى عن رفاق الكفاح الوطني القدامى، خشية منازعته على النفوذ، أو الإطاحة به من داخل عرين السلطة، لكن ذهاب أفورقي غالبًا سوف يمنح إرتريا فرصة جديدة لتداول السلطة، وبروز الجيل الشاب الذي اختار المنافي، ويحلم بالعودة إلى وطنه.

خلال الفترة ما بين 2011 و2017 أجريت الانتخابات في 44 دولة أفريقية، وبدا العنصر الشبابي يعبر عن نفسه بحماس، رغم مواجهته بالعنف الرسمي، لقطع الطريق أمام الطموحات الشابة، ولعل صعود آبي أحمد (43) عامًا في إثيوبيا فتح المجال واسعًا لمحاولات في بلدان أخرى، وأغرى نماذج في أفريقيا للإعلان عن نفسهان داخل إثيوبيا، وفي مناطق أخرى تسعى بدأب إلى التمرد على وصاية الكبار، وإنهاء سطوة الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: الدلالات السياسية لعودة المغرب للاتحاد الأفريقي 

لا قارة للعجائز

وفقًا لمؤشر(EIU) الذي يصنف الدول من حيث الديمقراطية، وهي وحدة مستقلة تابعة لمجموعة مجلة الإيكونوميست، فقد قدمت الوحدة صورة محبطة للديمقراطية في أفريقيا، بل إن هذه القارة تصدرت قائمة الأنظمة الاستبدادية، حيث جاءت تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى، ثم جمهورية الكونغو، تليها سوريا، وأخيرًا كوريا الشمالية باعتبارها الدول الخمس الأكثر استبدادًا. وتشير مؤشرات الاستبداد إلى دورٍ لا يخفى للاستعمار الذي أوقد جذوة الصراع في البلدان الأفريقية بين الزعامات المحلية المتطلعة للقيادة. وقد طرح الكاتب الأفريقي عبد الله عليم، إشكالية تنامي نفوذ كبار السن، في مقالة على فورين بوليسي تحت عنوان عنوان "لا قارَّة للعجائز" .

جسد المقال معاناة القارة الأكثر ثراءً بالشباب، لكنها ظلت تحت هيمنة القدامى، الذين تولوا الحكم لفترات طويلة للغاية، ما أهدر الحيوية السياسية في تلك البلدان، وحرم جيل مسلح بالوعي من المشاركة في إدارة الشأن العام، بشكل بدا فيه الحكم على أغلب أجزاء القارة السمراء فضاءً مكرَّسًا للقادة الكبار، أو المسنودين بالخارج، ما جعل حكم المُسنِّين المستبدِّين هو السائد في كل أرجائها، كما أن السعي وراء "ريادة الأعمال" للشباب عوض الممارسة السياسية يشكل عائقًا أمام التغيير.

على الرغم من أن أفريقيا تحتضن قوة شبابية هائلة، إلا أن الرجال العجائز تقريبًا يهيمنون بشكل واسع على غالب أنظمة الحكم، بعضهم ينتمي لجيل التحرر الوطني، والبعض الآخر ورث السُلطة عبر الانقلابات العسكرية

تتمثل الإشارة المهمة في التقاط الأجيال الثائرة للمبادرة، وإيقاف التلاعب بالقيود الدستورية، أو ما عرف بالعجر الديمقراطي، إلى حالة عدم الركون لمسارات الأحزاب العريقة التي تعمل للحفاظ على الوضع السائد، كما هو في عدة بلدان أفريقية، والتخلص بالمرة من عقبة الأنظمة القديمة، والتي نادرًا ما تسمح بنقل أي سلطة حقيقية إلى الشباب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في مواجهة كابوس التقسيم.. كيف أسقطت هوية أبطال سودانيين بسبب الانفصال؟

ما هي الصفقة وراء رفع العقوبات الأمريكية عن السودان