28-مارس-2018

من الفيلم

يكاد تاريخ ورصيد السّينما في الجزائر يرتبطان بثورة التّحرير (1954 ـ 1962)، وكأن الجزائريين لم يعيشوا وينجزوا تجربة غيرها. فمعظم الأغلفة المالية التي خصّصتها حكومات الاستقلال للإنتاج السّينمائي ذهبت إلى أفلام ترصد بطولات الجزائري ومعاناته في ظلّ الاحتلال الفرنسي. واستطاعت بعض هذه الأفلام أن ترسخ في أذهان ووجدان الجزائريين وتخترق أجيالهم.

تخصّصت نخبة من المخرجين الجزائريين في سينما ثورة التّحرير، حتى أنه من النّادر أن نجد لأحدهم فيلمًا خارج مناخاتها

من هذه الأفلام، "معركة الجزائر" الذي أخرجه الإيطالي جيلو بونتيكورفو عام 1966، و"ريح الأوراس" الذي أخرجه لخضر حامينة عام 1966، و"الأفيون والعصا" الذي أخرجه أحمد راشدي عام 1969، و"دورية نحو الشّرق" الذي أخرجه عمّار العسكري عام 1971، و"أولاد نوفمبر" الذي أخرجه موسى حدّاد عام 1975، و"وقائع سنوات الجمر" الذي أخرجه لخضر حمينة، وتحصّل على السّعفة الذّهبية في مهرجان كان عام 1975.

اقرأ/ي أيضًا: متى ستُوثق السينما الجزائرية لجزائر الحاضر؟

وقد تخصّصت نخبة من المخرجين الجزائريين في سينما ثورة التّحرير، حتى أنه من النّادر أن نجد لأحدهم فيلمًا خارج مناخاتها. مثل لخضر حمينة وعمّار العسكري وأحمد راشدي (1938)، الذي تكوّن على يدي الفرنسي رنيه فوتييه الذي كان سبّاقًا إلى تخليد يوميات الثورة الجزائرية من خلال الكاميرا. وهي الخبرة التي أهلت أحمد راشدي لأن يسيّر العديد من الهيئات السّينمائية مباشرة بعد الاستقلال الوطني، ويخرج أفلامًا ثورية توصف بالكبيرة.

جعلت هذه السّمعة انتظارات الجزائريين كبيرة من الفيلم الجديد لأحمد راشدي، الذي حمل عنوان "أسوار القلعة السّبعة" بمجرّد الإعلان عن شروعه في تسجيله، خاصّة بعد أن تبيّن أنّه استدعى ممثّلين سبق لهم أن تألّقوا في أفلام ثورية سابقة وتحوّلوا إلى أيقونات في الأذهان، مثل حسان بن زراري وحسان كشّاش.

اكتظّت قاعة العرض في أوبرا الجزائر يوم 20 آذار/ مارس الجاري بنخبة من الفنّانين والإعلاميين والسّياسيين لمشاهدة العرض الشّرفي للفيلم. وما هي إلا لحظات من انطلاق البثّ حتى راحت القاعة تكتظ بالهمهمات والوشوات الموحية بأن الحاضرين، خاصّة الإعلاميين منهم، يعلّقون على اختلالات في ما يشاهدون. ثمّ تمّ انتهاك ظلام القاعة بأضواء الهواتف النّقالة، لأن البعض لم يستطع أن ينتظر الخروج منها ليكتب رأيه في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

تروي أحداث الفيلم قصّة طفل قتل الاحتلال الفرنسي أسرته وأحلامه، فيشرع في التّخطيط للانتقام، ثمّ يكتشف أنه حلقة في سلسلة طويلة من الضّحايا. فتصبح الثّورة لديه قضية عامّة لا خاصّة. ولئن أحسن أحمد راشدي إدارة الممثّلين على اختلاف أجيالهم وتجاربهم، في إبراز الجوانب الإنسانية العميقة لتلك المرحلة، فقد أخفق في دراسة ملامحها الخارجية حتى ينقلها بنزاهة.

رصدت الإعلامية آسيا شلابي مرور بعض المشاهد، التي لا علاقة لها بالسّياق الزّمني والتّاريخي للأحداث. منها الألبسة الجديدة والمكويّة لثوّار يعيشون في الجبال، وبالكاد يجدون نعالًا ينتعلونها، والأواني اللامعة مثل الفناجين، ومثبّت الشعر لدى بعض الممثلين الشّباب. تعلّق: "ما معنى يهدف الخطاب العامّ للفيلم إلى إبراز معاناة الجزائريين في تلك الفترة، في حين تقول مظاهر الممثلين إنهم كانوا يعيشون في بحبوحة. أليست هذه إساءة للثّورة؟". تسأل: "لماذا لم يقوموا بدراسة حقيقية لطبيعة الألبسة والأثاث والأمكنة واللهجات المميّزة لتلك الفترة؟ لم يقع أحمد راشدي في هذا الخطأ في أول فيلم أخرجه مطلع ستينات القرن العشرين، فكيف يقترف هذا بعد هذه الخبرة؟".

بعد الصّدمة التي خلفها فيلم "أسوار القلعة السبعة" حان الوقت للتخلّص نهائيًا من الشّرعية الثّورية السّينمائية

من جهته أشار الجامعي محمد أوراري إلى غياب المونتاج في فيلم "أسوار القلعة السبعة"، ويسأل: "هل مورس ضغط على راشدي للإسراع في الانتهاء من الفيلم؟ هل هناك ظروف لا نعلمها؟ مشاهد وحوارات مقحمة بلغت الـ 10 دقائق أحيانًا. فأين التركيب أم استعملت كل المادة المصورة ليدوم الفيلم 03 ساعات؟ لقد توفّرت جودة الصّورة وفريق محترف من الممثلين لا غبار على موهبتهم وأدّوا ما عليهم؟".

اقرأ/ي أيضًا: نادٍ للسّينما باسم الأخضر حامينة في الجزائر

كتبت الإعلامية ليلى بوزيدي أنه بعد الصّدمة التي خلفها فيلم "أسوار القلعة السبعة" حان الوقت للتخلّص نهائيًا من الشّرعية الثّورية السّينمائية وإعطاء الفرصة لمخرجين ومنتجين شباب جديرين بالإبداع وتجسيد المعنى الحقيقي للثورة. في السّياق نفسه كتب المنتج محمد والي أنه إذا استمر إنتاج الأفلام الثورية بنفس الشّكل والصّورة التي نشاهدها اليوم، ستصبح هذه الأفلام مسخًا ونسخًا رديئة لأهم ثورة في القرن، "وجب على من يدعم السّينما التخلّص من النظرة الأحادية والانتقال بالأفلام إلى مساحات التّجديد ومواكبة ما ينتج في العالم".

اقرأ/ي أيضًا:

عبد الكريم قادري.. كمن يمسح بالضّوء

جودي فوستر: نحن في عصر البحث عن الهوية!