24-يونيو-2023
kpp

يقدر عدد الدجاج بـ 23 مليار من بين 30 مليار حيوان يعيش في المزارع (GETTY)

هذا التقرير مترجم عن التقرير الأصلي المنشور في الإيكونوميست.


داخل قِن في واحدة من مزارع الدواجن بالقرب من كولتشستر في جنوب- شرق إنجلترا، تجلس آلاف الدجاجات فوق أكوام من برازهن، فالمنشآت لن تنظف حتى تذبح الدجاجات، وهو ما يعني أنها ستعاني من عدوى الأمونيا وأن ريشها بالكاد سينمو.

النمل والديدان تزحف فوق جثث الدجاجات اللواتي لم ينجحن بالعيش حتى يذبحن، فصناعة لحوم الدجاج صناعة قذرة، لكنها مدرة للأرباح كذلك. إذ إنه في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والتي تُعدّ بمثابة تجمع للدول الغنية، لم يتغير معدل استهلاك لحوم الخنازير والعجول منذ عام 1990، في حين نما استهلاك لحوم الدجاج بحوالي 70% من ذلك الحين.

يلتهم البشر كميات كبيرة من الدجاج لدرجة أن أعداد هذا الطائر صارت تقدر بـ 23 مليار من بين 30 مليار حيوان يعيش في المزارع في العالم

يلتهم البشر كميات كبيرة من الدجاج لدرجة أن أعداد هذا الطائر صارت تقدر بـ 23 مليار من بين 30 مليار حيوان يعيش في المزارع حول العالم. ووفقًا لدراسة حديثة أعدتها كاريز بينيت وزملاء لها في جامعة لايستر، فإن العدد الإجمالي لدجاج المزارع يتجاوز عدد كافة الطيور على وجه الكوكب مجتمعة.

في لندن، على بعد 50 ميلًا غربي كولتشستر، ترى محلات الدجاج المقلي في كل مكان، وكثير منها أطلقت عليها أسماء ولايات أمريكية من بينها كنساس ومونتانا، وبالتأكيد كينتاكي، لكن أطفال المدارس ومن يرتادون الحفلات ليلًا لا يبدو أن الأسماء الغريبة تعنيهم، كما أنهم لا يأبهون للمكان الذي جاءت منه وجباتهم.

ولمَ عليهم ذلك؟ فالدجاج رخيص ولذيذ، إذ إن باوندًا واحدًا (أي حوالي نصف كيلو غرام) من الدجاج في أمريكا يكلف 1.92 دولار، بعد أن انخفض سعره بمقدار 1.71 دولار منذ عام 1960 بعد تعديل الأسعار بسبب التضخم، في حين أن أسعار لحم العجل انخفضت بمقدار 1.17 دولار لتصبح 5.80 دولار.

وعلى محبي الدجاج رخيص السعر أن يشكروا نوعًا محددًا من سلالات هذا الطائر، ففي الأربعينيات من القرن الماضي أطلقت الولايات المتحدة سلسلة من المنافسات بين المزارعين عرفت باسم "دجاج الغد"، وكان هدفها كما تصف الصحف ذلك الوقت هو إنتاج "طير واحد سمين لدرجة تكفي عائلة كاملة. دجاجة لها لحم صدور غاية في السمك لدرجة أنه يمكن تقطيعه إلى شرائح، وأفخاذ تحتوي على أقل قدر ممكن من العظام المدفونة في طبقات من اللحم الداكن الطري. وكل ذلك بتكلفة أقل لا أكثر".

أما النتائج فكانت شبيهة بالدجاج من سلالة برويلر المنتشر اليوم.

منذ ذلك الحين والدجاج يكبر أكثر فأكثر، فقد وثقت دراسة أعدها مارتن زويدوف وزملاؤه في جامعة ألبيرتا هذه التغيرات من خلال مقارنة الدجاج الذي كان ينتقى ليربى في الأعوام 1957 و1978 و2005. وقد وجد الباحثون أن الدجاجات عندما كان يبلغ عمرها 56 يومًا، كان وزنها يبلغ 0.9 كلغ، و1.8 كلغ، و4.2 كلغ على الترتيب.

ولأن تربية طائر واحد كبير أكثر جدوى من تربية اثنين أصغر حجمًا، فإن كل ما يحتاجه المزارعون اليوم هو 1.3 كلغ من الحبوب من أجل إنتاج كيلو غرام واحد من الدجاج، بالمقارنة مع 2.5 كلغ من الحبوب عام 1985.

إن الاستخدام المكثف للمضادات الحيوية يعني أنه لم يعد على المزارعين أن يقضوا الكثير من الوقت بالقلق على صحة دجاجاتهم.

قبل الحرب العالمية الثانية، كانت معظم الطيور تربى في أراضٍ صغيرة المساحة، وكان المزارعون يبقون على الدجاجات من أجل بيضهن ويبيعون لحومها عندما تصبح كبيرة في السن ولا تعود قادرةً على وضع البيض. ولكن، وسائل الوقاية أتاحت المجال للمزارعين ليحشروا الدجاجات ضمن ظروف كانت تعتبر بديهيًا في وقت سابق مكتظة وقذرة. والطيور التي تربى في مساحات أكثر اكتظاظًا لا تتحرك كثيرًا، ومن ثم فهي تحتاج إلى طعام أقل.

نتخ

كما استفاد المزارعون أيضًا من الصيت المنتشر عن كون لحم الدجاج صحيًا، ففي الثمانينيات من القرن الماضي كان الأطباء يتخوفون من أن تناول كميات كبيرة من لحم العجل والخنزير يؤدي بالناس لاستهلاك كثير من الدهون المشبعة، والتي كان يعتقد حينها أنها تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، وهي مخاوف تلاشت مع مرور الوقت لتحل مكانها مخاوف أخرى نتجت عن أدلة تشير إلى أن اللحوم الحمراء قد تزيد من فرص الإصابة بسرطان القولون. وفي الوقت ذاته، ظلت صورة الدواجن المتمثلة بكونها لحومًا صحية، من دون أن تتأثر.

أرجل وريش

ليس الغربيون النيّقون وحدهم هم من أصبحوا شيئًا فشيئًا يفضلون الدجاج، فزيادة الدخول يعني أن الطلب على اللحوم ازداد، وبسرعة أكبر، في الدول الفقيرة، ونتيجة لذلك أصبح الدجاج أكثر أنواع اللحوم مبيعًا في العالم، وإن تحدثنا بلغة الاقتصاد، فالدجاج أصبح يمثل النقيض لتجارة السيارات، إذ إنه ينتج كاملًا لكن قيمة أرباحه تتضاعف بمجرد تقسيمه.

وفي حين أن الغربيين يفضلون اللحوم البيضاء الطرية، فإن الكثيرين في آسيا وإفريقيا يفضلون اللحوم الداكنة، وذلك يتضمن الأرجل والأفخاذ. وهذه التفضيلات تنعكس على الأسعار محليًا، ففي الولايات المتحدة ترتفع أسعار الصدور بمقدار 88% بالمقارنة مع الأفخاذ، في حين أنها في إندونيسيا أرخص بما نسبته 12%. بل إن الفروق في أسعار أرجل الدجاج أكثر حدة، إذ يشمئز الكثير من الغربيين من فكرة تناول المخالب، في حين أنها غالبًا ما تكون جزءًا من الوصفات الصينية. والصين تستورد اليوم حوالي 300,000 طن من مخالب الدجاج، التي يطلق عليها اسم مخالب طائر الفينيق، كل عام.

وحقيقة أن الدول المختلفة تتخصص في أنواع مختلفة من الإنتاج يزيد التجارة كذلك، فالولايات المتحدة والبرازيل، وهما أكبر مصدري الدجاج في العالم، تعدان قوتين زراعيتين تنتجان كميات هائلة من الأعلاف، التي تشكل بدورها التكلفة الأساسية في إنتاج الدواجن. في المقابل، فإن تايلاند والصين تحتلان سوق اللحوم المعالجة التي تتطلب عمالة ماهرة ورخيصة التكلفة. كما أن كلًا من روسيا وأوكرانيا اللتان كانتا في يوم من الأيام مستوردتين خالصتين للدجاج، أصبحتا مصدرتين خالصتين له بسبب نمو صناعة الحبوب لديهما.

إن المنتجين الذين يبيعون اللحوم في الخارج يعرضون أنفسهم للمخاطر، فالدجاج يُعد نقطة ساخنة في المفاوضات التجارية. ففي عام 2010، فرضت الصين رسومًا جمركية على الطيور القادمة من الولايات المتحدة ثم منعت كافة وارداتها عام 2015، وذلك بعد وقت قصير من انتشار إنفلونزا الطيور.

kj
إنتاج البيض في أقفاص البطاريات. (GETTY)

مراقبو الصناعة متشائمون حيال رفع الحظر، شأنهم في ذلك شأن المزارعين الأمريكيين المحبطين والذين يحبون أن يحصلوا على المزيد من الأموال مقابل 20 مليار من أرجل الدجاج التي ينتجونها كل عام والتي باتت اليوم غذاءً للحيوانات.

على غرار ذلك، حظر الاتحاد الأوروبي استيراد الدجاج الأمريكي المعالج بالكلور عام 1997 بسبب مخاوف من أن استخدام الكلورين يقلل من معايير النظافة المعتمدة في المزارع. وقد أثبت النقاش الذي دار حول الدجاج المعالج بالكلور وجود عثرة كبيرة في المفاوضات من أجل اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي، والتي تُعدّ اليوم اتفاقية فاشلة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويخشى بعض البريطانيين أن خروجهم من الاتحاد الأوروبي يعني أن أي اتفاقية تجارية وقعت مع الولايات المتحدة ستتطلب منهم قبول استيراد مثل هذا الدجاج.

وعلى الرغم من أن ازدهار إنتاج الدجاج كان جيدًا بالنسبة للمستهلكين، فإن المناصرين توفير ظروف أفضل للحيوانات يتخوفون من أن معايير تقليل التكلفة التي تتبعها هذا الصناعة جاءت على حساب الطيور نفسها. إذ تقول فيكي بوند، الناشطة في مجال حقوق الحيوان في "الرابطة الإنسانية"،  إن حجم الدجاج في عصرنا هذا هو السبب وراء أكبر المشاكل، إذ إن الدجاج من سلالة برويلر لديه عضلات صدر ضخمة جدًا ولا تتناسب مع قدرة العظام على إسنادها، وهو ما يؤدي إلى ضعفها. ففي كولتشيستر تجد أن الدجاجات لا تبدي أي استجابة للبشر لدرجة أنها تبدو مثل كائنات الزومبي، بل إن الدجاج في وقتنا هذا أصبح ضخم الحجم لدرجة أن عضلاته تمنعه من التكاثر، وهو ما يعني أن عليه التضور جوعًا ليحظى بفرصة للتكاثر.

واليوم فإن أعدادًا متزايدة من المستهلكين مستعدون لإنفاق المزيد من النقود على لحوم أنتجت في ظروف أفضل، وذلك يعود في جزء منه للجمعيات الداعية لتوفير ظروف أفضل للحيوانات، ولكون اللحوم أصبحت في متناول الجميع من ناحية أخرى. مبيعات الدجاج المربى في مساحات واسعة والدجاج العضوي، والتي يمكنها التحرك بحرية في الخارج على خلاف الدجاج من سلالة برويلر، آخذة بالازدياد، ففي هولندا خرجت انتقادات عامة تتعلق بما يطلق عليه هناك اسم "الدجاج المتفجر" ضخم الحجم، وكانت حادة لدرجة دفعت تجار التجزئة للتوجه بأعداد كبيرة لتربية سلالات من الدجاج تنمو بسرعة أقل، وقد تهاوت حصة مبيعات الدجاج المتفجر في سوق الأسهم من 60% عام 2015 إلى 5% فقط عام 2017، كما أنه في بريطانيا تجاوزت مبيعات البيض المنتج في مناطق مفتوحة ذلك المنتج في أقفاص.

وقد دفعت المخاوف حول ظروف تربية الثروة الحيوانية بالاتحاد الأوروبي لسن بعض أشد القوانين في العالم في هذا المجال، فقد منعت أقفاص البطاريات الخاصة بالدجاج المخصص لوضع البيض عام 2012. أما في الولايات المتحدة فقد كانت الإصلاحات التشريعية أصعب، خاصة على المستوى الفدرالي. من جهتهم، ينتقد الداعون لتوفير ظروف تربية أفضل للحيوانات النظام التشريعي في البلاد، والذي يمنح الولايات الريفية نفوذًا زائدًا. ولكن مع ذلك، فقد حدث تغيير نادر ومهم على مستوى الولايات في تشرين الثاني/ نوفبمر من عام 2018، وذلك عندما صوتت كاليفورنيا لصالح تمرير المقترح 12، الذي يمنع إنتاج لحوم الخنازير والعجول والبيض من حيوانات محبوسة في أٌقفاص، وهو ما جعل القوانين الخاصة بالولاية تقترب من مثيلاتها في الاتحاد الأوروبي. وقد أثر التغيير على كافة منتجي اللحوم الذي يرغبون في بيع منتجاتهم في الولاية الأكبر في الولايات المتحدة، وهو ما ولد المزيد من الضغط عليهم لتغيير ممارساتهم في المزارع.

الشركات العامة كانت أكثر استجابة للمخاوف المتعلقة بصحة الحيوانات من المشرعين، وقد حقق الناشطون نجاحات مهمة في السنوات الأخيرة من خلال تهديد الشركات بنشر صور ومقاطع فيديو ليست باللطيفة ليرى الناس كيف ينتج طعامهم، وقد وجدت دراسة للمشروع الخيري المفتوح، الذي تنظمه مجموعة تدعم نشطاء رعاية الحيوانات، أن مثل هذه الحملات دفعت منذ عام 2015 بأكثر من 200 شركة أمريكية، من بينها ماكدونالدز وبرغر كينغ وولمارت، للتوقف عن شراء البيض من دجاج ربي في أقفاص البطاريات.

ولادة فكرة

من أجل ذلك، أصبح المزارعون أكثر اهتمامًا بتحسين ظروف معيشة الطيور لديهم. ريتشارد سوارتزنتروبر يمتلك قِنَّي دجاج في غرينوود، وهي بلدة صغيرة في ديلاور. الشركة التي يورد لها منتجاته، وهي بيرديو فارمز، توقفت عن استخدام المضادات الحيوية، كما أن لقنَّي الدجاج الذين يمتلكهما سوارتزنتروبر العديد من النوافذ والأبواب التي يفتحها كلما كان الجو مناسبًا لتتمكن الدجاجات من الخروج إلى حقل مسيّج مغطى بالأعشاب. ويأتي مع ذلك ثمنه، فالدجاجات قد يصعدن ليجلسن فوق الأشجار، وكذلك تفعل الصقور.

وفي داخل القنين، تجد رزمًا من القش وصناديق خشبية ومنصات بلاستيكية مبعثرة هنا وهناك للترفيه عن الدجاجات، وقد ساعدته مثل هذه التجهيزات للحصول على شهادة المزارع الجيد من منظمة "غلوبال أنيمال بارتنرشيب" الخيرية.

زكي وزكية الصناعي

بروس ستيوارد براون، العالم في مجال سلامة الغذاء في "بيرديو فارمز"، يقول إن شركته تود لو أنها تربي المزيد من الدجاج العضوي، إلّا أنّ قدرتها على توفير لحوم عضوية ذات صحة أفضل تظل مقيدة بقوى السوق، وذلك أن الأعلاف القانونية المطلوبة باهظة الثمن.

ورغم أن أعدادًا أكبر من الناس باتوا ربما مستعدين لدفع المزيد للحصول على منتجات عضوية أو منتجة في مساحات مفتوحة، فإن الأغلبية لا زالوا يفضلون الأقل كلفة أيًا كان. ورغم النمو المتزايد للاهتمام بأنماط التغذية النباتية، فإن الدراسات لم تجد إلا القليل من الأدلة التي تشير إلى أن كثيرًا من الناس في الدول الغنية باتوا يتوجهون إلى تناول النباتات، فقد يرغب الناس باتباع أنظمة غذائية معتمدة على النباتات من وقت لآخر، ولكن ما يحبونه حقًا هو الدجاج.