30-ديسمبر-2022
لا أحد يشتري أرجل الدجاج في مصر سوى المعدمين (Getty)

لا أحد يشتري أرجل الدجاج في مصر سوى المعدمين (Getty)

تستلم مصر أولى دفعات قرض "صندوق النقد الدولي" الجديد، بقيمة 347 مليون دولار، بعدما سددت للصندوق نفسه 318 مليون دولار قيمة أحد أقساط القروض السابقة، ليصبح صافي ما تتحصل عليه مصر من أولى دفعات القرض الجديد 29 مليون دولار، وهكذا تدور السلطة المصرية في فلك صندوق النقد وسياساته التقشفية.

أدى فشل الدولة في توفير العملة الأجنبية، والسيطرة على ارتفاع سعر صرف الدولار، إلى جانب أسعار السلع الأساسية، إلى تدني المستوى المعيشي للمصريين

انعسكت آثار سياسات الاستدانة الكارثة التي اتبعتها السلطة المصرية خلال السنوات الأخيرة، وخلال العامين السابقين تحديدًا، في انخفاض قيمة العملة المصرية بشكل سريع ومتكرر أمام الدولار، إرضاءً لرغبة صندوق النقد، الذي وصل سعره إلى مستويات قياسية لم يبلغها من قبل، حيث تجاوز الـ 35 جنيهًا في السوق الموازي، بينما بلغ سعره الرسمي 24,63 بعد أن كان 15,60 في شهر آذار/ مارس الماضي.

فشل الدولة في توفير العملة الأجنبية، والسيطرة على ارتفاع سعر صرف الدولار، إلى جانب أسعار السلع الأساسية، أثّر سلبًا على حياة المصريين وأدى إلى تدني مستويات المعيشة إلى درجة دفعت أغلب وسائل الإعلام والجرائد المحلية إلى صياغة أخبار (من المرجح أنها بتوجيهات أمنية) عن البدائل الغذائية زهيدة السعر عالية القيمة الغذائية، مثل العدس وأجنحة الدجاج وأرجلها. وهذا أمر يشير إلى مستوى الانحطاط الذي وصل إليه الإعلام والصحافة المصرية التي تتلقى توجيهاتها من ضباط الأمن حسب التأثير المرجو في الجمهور.

مرحلة أرجل الدجاج وما بعدها

نشر "المعهد القومي للتغذية" على صفحته في موقع "فيسبوك" منشورًا يستعرض فيه الفوائد الغذائية لأرجل الدجاج بوصفها مصدرًا غذائيًا غنيًا بالبروتين والفيتامينات والمعادن اللازمة لإصلاح أنسجة الجلد ونمو العضلات، والكولاجين الذي يجدد خلايا البشرة ويؤخر علامات الشيخوخة ويحافظ على الشعر والأظافر، والأهم من كل ذلك أنه غير مكلف ماديًا. واختتم المعهد منشوره بوسم #بدائل_اقتصادية_لكن_غنية، و#بدائل_غذائية_توفر_الميزانية.

في هذا السياق، استدعى بعض المدونين أحداث رواية "يوتوبيا" للروائي المصري أحمد خالد توفيق التي صدرت عام 2008، وتدور أحداثها بشكل تنبؤي ضمن أدب الديستوبيا في عام 2023، أي العام الذي يشارف على البدء. تحكي الرواية عن انقسام المجتمع المصري إلى طبقتين فقط، طبقة شديدة الفقر تتقاتل على الغذاء والماء النظيف، وأخرى بالغة الثراء تعيش في مدينة "يوتوبيا" المسوّرة، بعيدًا عن أزمات الفقراء وصراعاتهم وجرائمهم.

المقطع الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي يتحدث عن رواج أرجل الدجاج والرؤوس والأجنحة، وارتفاع أسعار ملابس البالة المستعملة لمئة جنيه للقطعة، ووصول الدولار إلى ثلاثين جنيهًا، وهو ما يمثل الواقع تقريبًا. الأحرى أن الواقع أصبح أكثر بؤسًا.

قرأت الرواية منذ زمن بعيد ولا أتذكر أحداثها جيدًا، فعدت إليها مرة أخرى كي اتأكد من وجود المقطع المنتشر. لم يسعفني الوقت لقراءة الرواية، فحاولت تصفح الصفحات والتجول بنظري بين الأسطر بحثًا عن المقطع المُشار إليه، لكني فشلت في استخراجه، فربما تكون الصورة المنتشرة غير حقيقية، وربما خدعني نظري، لكني وجدت مقاطع أخرى تشير إلى نفس الصور ونفس المعنى، حيث اعتاد الفقراء أكل الدجاج الميت وحتى الكلاب.

يقول أحد أبطال يوتوبيا: "ها أنتم أولاء يا كلاب قد انحدر بكم الحال حتى صرتم تأكلون الكلاب!.. لقد أنذرتكم ألف مرة.. حكيت لكم نظريات (مالتوس) و(جمال حمدان) ونبوءات (أورويل) و(هـ. ج. ويلز).. لكنكم في كل مرة تنتشون بالحشيش والخمر الرخيصة وتنامون.. الآن أنا أتأرجح بين الحزن على حالكم الذي هو حالي، وبين الشماتة فيكم لأنكم الآن فقط تعرفون.. غضبتي عليكم كغضبة أنبياء العهد القديم على قومهم، فمنهم من راح يهلل ويغني عندما حاصر البابليون مدينته.. لقد شعر بأن اعتباره قد تم استرداده أخيرًا حتى لو كانت هذه آخر نشوة له.. إنني ألعنكم يا بلهاء.. ألعنكم!".

تُعتبر أرجل الدجاج من الأكلات الشعبية في كوريا الجنوبية، لكنها تشير في مصر إلى تدني المستوى الطبقي، فلا أحد يشتري أرجل الدجاج إلى جانب الهياكل العظمية سوى المعدمين كي يتمكنوا من عمل حساء أو تذوق طعم اللحوم، أو أفراد من الطبقة الوسطى الذين يملكون كلابًا ويشترون لهم الأرجل والهياكل كطعام مغذٍ ورخيص لا يتعدى قيمة الكيلوجرام منه بضع جنيهات مقارنةً بطعام الحيوانات الجاف مرتفع السعر. يرى الكثير من المصريين إلى أرجل الدجاج على الطاولة عيبًا وفضيحة، فكيف وصل بنا الحال إلى الدعاية الرسمية للتقاتل على غذاء الكلاب من أرجل وهياكل؟

بعد انتشار هذه الأخبار، تبعتها أخبار أخرى من نفس المواقع الصحفية القريبة للدولة، عن زيادة في أسعار الدجاج وارتفاع أسعار الهياكل إلى الضعف لتصبح بعشرين جنيهًا بدلًا من عشرة جنيهات.

تُعتبر أرجل الدجاج من الأكلات الشعبية في كوريا الجنوبية، لكنها تشير في مصر إلى دنو المستوى الطبقي، فلا أحد يشتريها سوى المعدمين

وعلى افتراض أن المواطنين تقبّلوا الوضع الراهن بجميع أزماته، وقاموا باستبدال عاداتهم الغذائية بأخرى أكثر اقتصادًا للتأقلم مع الظرف الاقتصادي؛ تبقى هناك أزمة أخرى تتمثل في تهديد الأمن الغذائي المصري من اللحوم البيضاء. فبعد أن كانت تربية الدواجن تجارة رائجة ومشروعًا ناجحًا لدرجة أنه كان لدينا ما يكفينا ويفيض، أصبح التجار وأصحاب المزارع يغيرون نشاطهم بعد أزمة الأعلاف التي شهدتها مصر في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وعجزهم عن توفير الذرة لإطعام الدواجن على الرغم من وجود الأعلاف في الموانئ المصرية لأكثر من شهرين، ولم يُفرج عنها بسبب عدم توفر العملة الأجنبية. لجأ أصحاب مزارع الدواجن حينها إلى حل صادم، حيث انتشرت وقتها المقاطع المصوّرة التي توثق إعدام مئات الآلاف من الكتاكيت نظرًا لعدم قدرة أصحابها على توفير العلف اللازم.

لا صورة أكثر قتامة من تلك، فلا المواطن يجد الطعام واللحوم البيضاء، ولا الدجاج يجد الأعلاف. أما الإعلام، فيدعو المواطنين إلى مشاركة الكلاب طعامهم. الخوف كل الخوف أن تصبح أرجل الدجاج طعامًا للأغنياء، ويقاتلون عليه الفقراء والكلاب.