26-نوفمبر-2018

مينكسي كام/ تركيا

لا ينتهي التشويش في تحديد أساس العنف ضدّ المرأة، إذ تأتي التقارير الدولية المتخصّصة لتزيده ضبابيّةً عندما تحيله إلى أسباب رئيسية، من بينها الأسباب الثقافية المتصلة بالدين والعادات والأعراف الاجتماعية، وإذا ما وضعنا في البال أنّ هذه التقارير تتناول أساسًا الدول النامية فمن الوارد جدًّا أن تصبح الثقافة التي تحملها مجتمعات تلك الدول مؤثّمة بالمجمل، وإن لم يأتِ ذلك بشكل صريح واضح، فعقل المركزية لا يستطيع أن يرى غير ذلك.

نكمن مشكلة العنف ضد المرأة في العلاقات الاقتصادية التي يقوم عليها عالم اليوم، والتي يتحكم بها الرجل الأبيض

العنف ضدّ المرأة تاريخي وعالميّ في آن. على الدوام هناك رجل جلّاد وامرأة ضحية. حين تبحث في القضية تجد أنّ لهذا العنف أشكالًا وتجلياتٍ: العنف الأسري، عنف الشريك، عنف الممارسات التقليدية (الختان، إساءة معاملة الأرامل، تفضيل المواليد الذكور، الزواج المبكّر، مثالًا لا حصرًا)، العنف الاجتماعيّ (التحرش، الاتجار بالنساء، القتل)، عنف الدولة (قوانين تحريم الجنس، عدم الاعتراف بأهلية المرأة، سياسات الحمل والإجهاض)، العنف خلال الحروب (الخطف، الاغتصاب).

اقرأ/ي أيضًا: إشكالية التمثيل والوصاية.. هل يستطيع التابع أن يتكلّم؟

في هذا السرد التبسيطي الرجل هو المدان الأول والأخير، فردًا كان أو مجتمعًا أو مؤسسة، وإرجاع المسألة إلى عوامل عديدة، اقتصادية واجتماعية وثقافية ونفسية، ليس دقيقًا تمامًا، خصوصًا فيما يتعلق بالثقافة، ما دام المبدأ الذي يستند إليه هذا العنف هو شعور الذكر بأنّه القوي والمسيطر، وهو ما سيظل يدفعه إلى ارتكاب الفظائع بحقّ المرأة، دون أن يكون محتاجًا لأمر إلهي أو حديث نبوي.

هكذا تتراجع العوامل الثقافية إلى الخلف، خصوصًا أنّ لدينا أرقامًا متقاربة بين العنف ضد النساء في البلدان العربية ودول غرب أوروبا، فحيث يصل المعدل إلى ضحية من بين كل أربع نساء عربيًّا، ستكون النتيجة ضحية من بين كل ثلاث نساء أوروبيًّا. وجود أشخاص من "ثقافة" تدعو إلى العنف ضد النساء ولا يقومون بذلك، ووجود أشخاص من "ثقافة" تحارب العنف ضد النساء ومع ذلك يمارسونه؛ فإنّ ذلك كفيل بتنحية العوامل الثقافية جانبًا، أو على الأقل تقليل تأثيرها. الثقافة تتغيّر لأنها أساسًا في حركة دائمة، تُغيِّر وتُغيَّر. ألم تغدُ الثقافات التي حاربت تعليم النساء بالأمس، مدافعةً عنه كحق مُسلّم به اليوم؟ ما الذي غيّر ذلك؟ ألا يمكن للأسباب التي غيّرته أن تغيّر أيضًا الموقف من العذرية مثلًا؟

هنا يجب الانتباه إلى السياسات الاقتصادية بشكل عام، فلكما تردّت غاب الوعي مع غياب التنمية والقوانين، ما يجعل الضحية، وأعني المرأة هنا، تشعر بأنها أدنى في المرتبة الاجتماعية، فترضى بقيمومة الرجل وتقبل بهذه العلاقة المختلة، بل سوف تدافع عنها، ولطالما تحدّث علم النفس عن تمسّك الضحية بالجلاد.

المشكلة بالأصل في العلاقات الاقتصادية التي يقوم عليها عالم اليوم، والتي يتحكم بها الرجل الأبيض الممسك بزمام الرأسمالية، في السلطة والإعلام وكافة مناحي الحياة، ولا ينجو من سطوته إلا القبائل التي تحافظ على أنماط حياة أولية. بين بدائية القبائل وتطور الرأسمالية ثمة قهر متطوّر أيضًا، يظهر في الأولى بسيطًا إلا أنه يصل مع الثانية إلى حدود جنونية. الفرق الوحيد بينهما أن الأول قابل للتغيير، فيما تغيير الثاني يقع في باب المستحيلات.

العلاقات الاقتصادية العولمية التي تضع المرأة في صور معينة، نظنها لشدة انتشارها ثقافة راسخة هي في الحقيقة مُصنّعة تصنيعًا. الأمر ذاته يمكن أن يقال عن العنف الذي يمارسه المجتمع، ذلك أنه يقلّ أو يتلاشى في الظروف الاقتصادية الملائمة، حين ترتفع فرص التعليم والعمل والحقوق، فيما يزداد سوءًا في الظروف المتردية التي يرافقها غياب الفرص والحقوق.

في أماكن عديدة لا ترفع النساء دعاوى اغتصاب لكلفة هذه القضايا من الناحية المادية

لنسأل: لماذا هناك عنف ضد المرأة في دول آسيا وأفريقيا وأوروبا؟ هل تستند هذه البلدان إلى ثقافة واحدة؟ هل دينها واحد؟ هل لغتها واحدة؟ هل مجتمعاتها قائمة على تركيبة واحدة وحيدة؟ بالتأكيد لا، ما يعني أنّ القهر قادم من علاقات سياسية اقتصادية، تصنعها الرأسمالية المعاصرة وهي تذود عن حياض نظامها الذي ترغب في أن تديمه مها كلّف الأمر من ضحايا.

اقرأ/ي أيضًا: أكذوبة الأم العظيمة

الرأسمالية هي من تضع المرأة في الدرجات الدُنيا من السلم الاجتماعي، فحين تطورت الحقوق والمفاهيم سجلت معدلات الزواج المبكر انخفاضًا على سبيل المثال، ولو شاء هذا النظام لخلق مجالًا أوسع لمحوها كليًّا، لكن كيف له أن يغذّي أسواقه بالمستهلكين دون جهل؟ وكيف له أن يستثمر بسرية في مجالات الاتجار بالبشر دون مقهورين؟

في أماكن عديدة من العالم لا ترفع النساء دعاوى اغتصاب لكلفة هذه القضايا من الناحية المادية، وفي عالمنا العربي يجري تزويج المغتصَبة من المغتصِب. ذلك ذنب القانون والنظام لا الثقافة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

السلطة الذكورية على هيئة أغنية ناعمة

النسوْيّة الإسلامية عند أمينة ودود