31-ديسمبر-2018

كاظم الساهر (الأناضول)

لا شيء يُطمئن. هذا لسان المواطنين في عددٍ من الدول العربية، إن كان تلك التي تعيش حروب منذ سنوات، أو تلك التي تعيش أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية حادّة، الأمر الذي يؤثّر بطبيعة الحال، وينعكس بصورةٍ مُباشرة، على قطاع الثقافة الذي لا يعيش عربيًا أفضل أحواله إطلاقًا. الأمر هنا ليس احتجاجًا ولا تذمّرًا، أو مجرّد شكوى كما يُخيّل للبعض، وإنّما نوع من الإشارة إلى التحدّيات التي تواجه الثقافة وصناعتِها ونشاطاتِها التي من الممكن، دون شكّ، أن تتقلّص وتنحدر إن ظلّت الأمور كما هي. وإن ظلّت الثقافة ذاتها تشهدُ هذا النوع من التهميش، واستمرار اعتبارها نوعًا من الترف، لا سيما حين يكون الحديث عن الموسيقى تحديدًا.

في البحث عن نشاطاتٍ موسيقية عربية بارزة، سيكون لبنان بشكلٍ عام، وعاصمته بيروت بشكلٍ خاص، هما الوجهة الأولى

في البحث عن نشاطاتٍ موسيقية عربية بارزة، من شأنها أن تصنع عامًا موسيقيًا عربيًا يستحقّ الحديث عنه، يكون لبنان بشكلٍ عام، وعاصمته بيروت بشكلٍ خاص، هما الوجهة الأولى. المهرجانات التي شهدتها بيروت وغيرها من المدن اللبنانية، جاءت بصورة روتينية وانتهت كذلك، دون ما يُميّزها عمّا سبقها، أو ما يجعل منها حدثًا فارقًا، وكأنّها حدثت لمجرّد أن تحدث فقط. ربّما يعود السبب إلى الظروف والاضطّرابات السياسية في البلاد، وانعكاسات أزمات البلدان المجاورة على هذا البلد الصغير. تلك التي حالت دون مشاركة ضيوف كان من شأن مشاركاتهم أن تُحدث مفاجأة من جهة، وعلامة فارقة من جهةٍ أخرى. لذلك، كان مستوى ضيوف مهرجانات هذه السنة أقلّ من المستوى الذي كان عليه ضيوف الدورات السابقة. ولكن، رغم ذلك، كان مجرّد قيام هذه المهرجانات في مواعيدها، أمرًا يبعث على التفاؤل والأمل، ويجعل من 2018 سنةً ثقافية كاملةً نوعًا ما بالنسبة لبلدٍ كلبنان، مع الأخذ بالاعتبار طبعًا المهرجانات السينمائية وغيرها من النشاطات الثقافية.

اقرأ/ي أيضًا: ريم بنّا.. لم تكن تلك حياتي

البداية كانت مع مهرجانات بيت الدين التي افتتحها الفنّان اللبنانيّ زياد الرحباني بعرضٍ موسيقيّ تضمّن مجموعة أغانٍ قام الرحباني بأدائها برفقة أوركسترا ضمّت عازفين من لبنان ومصر وسوريا وعدّة دولٍ أوروبية أيضًا. أضف إلى ذلك مشاركة الفنّان العراقيّ كاظم الساهر في المهرجان.

إلى جانب بيت الدين، كانت هناك مهرجانات أخرى ضخمة في مدينة جبيل وصيدا وطرابلس وصور وإهدن وقلعة الشقيف التي استضافت الفنّان التونسيّ لطفي بوشناق، وبعلبك وحمّانا وغيرها من المدن اللبنانية. مهرجانات متنوّعة ضمّت ضمن برامجها عروضًا موسيقية عدّة إلى جوار أخرى مسرحية أو راقصة.

إلى جوار المهرجانات السابقة التي كان للموسيقى فيها حضور، وإن كان بسيطًا، هناك مهرجانات أخرى مُخصَّصة للموسيقى فقط. مهرجان "البستان" واحد من أشهر المهرجانات الموسيقية اللبنانية شهرةً. وكان القائمون عليه قد خصَّصوا هذه الدورة منه للألماني يوهان سيباستيان باخ، حيث قُدّمت 25 حفلة موسيقية متنوّعة كانت عبارة عن مقطوعاتٍ ألّفها باخ، أو أعمال مستوحاة من مؤلّفاته، تشاركت فرق موسيقية محليّة وعالميّة في أدائها. بالإضافة إلى "البستان" كان جمهور الموسيقى على موعدٍ آخر مع مهرجان "بعبدات" الذي قدّم في دورته الثانية موسيقى كلاسيكية غربية لكلٍّ من موزارت وبرامز وهنديميت وشومان وبروخ وشوبرت. ومهرجان "بيروت جاز". ومهرجان "بيروت ترنّم" الذي اُفتتح بحفلٍ استعاد عبره الموسيقيّ شارل غونو، وضمّ خليطًا واسعًا من الأنماط الموسيقية التي تناوبت على تقديمها فرق عالمية ومحليّة. ومهرجان "ارتجال" الدولي في نسخته السابعة عشر، والمُخصّص للموسيقى المعاصرة والممارسات الموسيقية التجريبية. وكان الختام مع مهرجان "بيروت أند بيوند" الذي قدّم موسيقى كلاسيكية شرقيّة، وجاز، وموسيقى إلكترونية، وشارك فيه الفنّان الفلسطينيّ باسل زايد، واللبنانية تانيا صالح.

على صعيد الحفلات والأمسيات الموسيقية، شهدت السنة حفلات موسيقية عدّة لمريم صالح، وشربل روحانا، وجاهدة وهبي، وكنان العظمة، وساندي شمعون، وخالد الهبر، وسامي حواط، وزياد سحاب، وأحمد قعبور الذي أطلق ألبومه الجديد "لمّا تغيبي". كما أطلق مارسيل خلفية ألبومه الجديد "غنّي قليلًا" بالتعاون مع الفنّانة عبير نعمة.

رحيل الفنّانة ريم بنّا هو الحدث الأبرز فلسطينيًا، لما كانت تمثّله على الصعيد الموسيقيّ، أو مقاومة الاحتلال

من لبنان ننتقل إلى فلسطين التي كان للموسيقى حضور في أنشطتها الثقافية لهذه السنة، إذ أعلنت الفنّانة كاميليا جبران عن مشروعٍ موسيقيّ جديد حمل عنوان "سداسي"، جُمعت فيه عدّة أصوات شابّة من دولٍ عربية كمصر وسوريا ولبنان وفلسطين أيضًا. كذلك فعل الفنّان باسل زايد الذي أطلق ألبومه "ثلاثي أين"، وأعلن عن مشروعٍ موسيقيّ قريب. وقبل أيام قليلة من الآن، أطلق الثلاثي جبران ألبومهم الجديد تحت عنوان "المسيرة الطويلة"، وأطلقت فرقة "يلالان" ألبومها الأوّل بعنوان "حان الآن". ويظلّ رحيل الفنّانة ريم بنّا الحدث الأبرز فلسطينيًا، لما كانت تمثّله بنّا إن كان ذلك على الصعيد الموسيقيّ، أو مقاومة الاحتلال أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: "ثلاثي أين" لـ باسل زايد.. سردٌ موسيقيّ على ضفّتي المتوسّط

عربيًا، شهدت سنة 2018 عددًا من المهرجانات الموسيقية في مصر: مهرجان الموسيقى العربية، وتظاهرة مساحة، ومهرجان القاهرة الدولي للجاز. والجزائر: مهرجان الجزائر الثقافي الدولي العاشر للموسيقى السمفونية، ومهرجان الموسيقى العتيقة والموسيقى الأندلسية، ومهرجان ديما جاز. وتونس: مهرجان الجاز الدولي، ومهرجان ثلاثيات، وكلاسيكيات النجمة الزهراء. وقطر: مهرجان كتارا الأوروبي للجاز. وغيرها من المهرجانات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أبو غابي.. صوتٌ بنفاسة المخطوطات

رحيل رشيد طه.. راح المسافر وبقي صخبه الهجين