31-مارس-2020

لا تزال محاربة الثراء الفاحش متعثرة في البرلمان المغربي (Getty)

بدأ البرلمان المغربي بعد إعلان الملك محمد السادس على دستور جديد سنة 2011 في تعديل القانون الجنائي، عبر تغيير بعض النصوص، وإلغاء أخرى، وإضافة نصوص جديدة من شأنها أن تُغني مسار التشريع في محاكم البلاد.

يُعتبر قانون الإثراء غير المشروع من أهم مخرجات الحوار الوطني حول إصلاح العدالة وينُص، كما أحالته الحكومة المرة الأولى، على أن تكوين أي ثروة غير مبررة هو جريمة يُحاسب عليها جميع موظفي الدولة والجماعات المحلية

ومن بين مشاريع النصوص التي تم اقتراحها للإضافة إلى القانون الجنائي نص مشروع قانون الإثراء غير المشروع، الذي وضعه وزير العدل الأسبق، الإسلامي مصطفى الرميد بغية مُحاربة الفساد في مؤسسات الدولة وحماية المال العام.

اقرأ/ي أيضًا: بنجلون وأخنوش.. حكاية أباطرة الثراء في المغرب

وتعد جريمة الإثراء غير المشروع جديدة في مشروع القانون الجنائي وتطبق فقط، على الموظفين الخاضعين للتصريح الإجباري بالممتلكات، وعددهم حوالي 110 آلاف موظف. هذا النص الذي جرى إعداده في سياق خطة محاربة الفساد.

من أين لك هذا؟

يُعتبر قانون الإثراء غير المشروع من أهم مخرجات الحوار الوطني حول إصلاح العدالة وينُص، كما أحالته الحكومة المرة الأولى، على أن تكوين أي ثروة غير مبررة هو جريمة يُحاسب عليها جميع موظفي الدولة والجماعات المحلية بعقوبة سجنية تصل إلى خمس سنوات مع مصادرة الممتلكات.

وأدرجت وزارة العدل، ولأول مرة، في مشروع القانون الجنائي المغربي في الولاية الحكومية السابقة إمكانية مصادرة أملاك أي موظف عمومي يثري فجأة وبدون سبب وذلك بعد توليه للوظيفة، هذه الفترة التي تبين من خلالها أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة، مقارنة مع مصادر دخله المشروع (أجره الشهري).

ويعود نص مشروع قانون الإثراء غير المشروع إلى بداية ستينات القرن الماضي، إذ كان من المقرر أن تخضع منظومة القانون الجنائي كلها للمراجعة، لأنه وُضع في سياق اجتماعي خاص، وبفلسفة أصبحت متجاوزة، رغم أن القانون الجنائي خضع لمجموعة من التعديلات الجزئية على مر سنوات.

التُهمة وجهها مشروع القانون لكُل موظف دولة عجز عن الرد عن سؤال "من أين لك هذا؟"، ولم يدل بما يثبت مصدر إثرائه الفجائي وزيادة ثورته وذلك بمصادرة أملاكه ومنعه من تقلد الوظائف العمومية.

ورغم وضعه في البرلمان نهاية الولاية الحكومية السابقة فلم تتم المصاقة عليه نظرًا لضيق الوقت، مما دفع وزارة العدل آنذاك إلى إصدار مذكرة تقول من خلالها إن  "التعديلات المختصرة جاءت مع اقتراب نهاية الولاية التشريعية الحالية، ما جعل من المتعذر مناقشة المشروعين معًا (المسطرة الجنائية والقانون الجنائي) من طرف البرلمان.

عرقلة في البرلمان

لحدود اليوم لا زال تجريم الإثراء غير المشروع في القانون الجنائي حبيس رفوف البرلمان، والأزمة أُحدثت بين مكونات الحكومة وبين الأغلبية نفسها، التي تباينت رؤياها لطريقة إخراج القانون بصيغة توافقية تخدم المبدأ الأول، وهو محاربة الفساد في مؤسسات الدولة.

فخلال مناقشة نص القانون في عهد الحكومة السابقة وقع نقاش داخل البرلمان، إذ اعتبر البعض أن هذا المشروع ممكن أن يتحول إلى وسيلة لتصفية الحسابات، ويُمكن أن يُطبق بانتقائية على موظفين دون غيرهم، كما أن العقوبة السجنية رفضها بعض البرلمانيين فتم حذفها مع تشديد العقوبات الأخرى في حالة الإدانة.

تباين المواقف جعل مشروع القانون رهينًا في مجلس النواب لمدة تزيد عن أربع سنوات، إذ ثبُت النقاش الأخير على مُعاقبة الموظف الذي يثري بشكل غير مشروع بغرامة مالية ما بين 5000 (500 دولار) إلى 50 ألف درهم (5000 دولار) ومصادرة الممتلكات والحكم بعدم الأهلية لممارسة الوظيفة مما يعني الطرد من المنصب، هذه العقوبة التي لم تكن منصوص عليها في الصيغة الأولى التي أعدتها وزارة العدل.

وتقول الرؤية الأولى التي يدعمها حزب العدالة والتنمية الإسلامي قائد الائتلاف الحكومي، إن مشروع القانون الذي صادق عليه المجلس الحكومي في حزيران/يونيو 2016 يشمل كل موظف عمومي ملزم بالتصريح بممتلكاته وأولاده القاصرين. والمُتهم في الجريمة وجب الحكم عليه بالغرامة، والمصادرة، والحرمان من تولي الوظائف العامة وإثبات براءته عليه نفسه وليس على النيابة العامة.

أما الرؤية الثانية فتقول إن المجلس الأعلى للحسابات هو المؤسسة المُخول لها إثبات تهمة الإثراء غير المشروع، وأن لا تكون متابعة المتهم إلا بعد تقاعده إذا كان موظف دولة أو انتهاء مدته الانتدابية إذا كان برلمانيًا. وهي الرؤية التي يدافع عنها كل من حزب التجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الاشتراكي، والحركة الشعبية.

وتبقى الرؤية الثالثة والتي يُدافع عنها حزب الاستقلال، والتي تقول إن جريمة الإثراء تخُص كل موظف عمومي يتصرف في المال العام، سواء أكان ملزمًا بالتصريح بممتلكاته أو لم يكن ملزمًا، على أن يعاقب في أي اختلال يرتكبه بعقوبات تتراوح بين السجن النافذ والغرامة والمصادرة والحرمان من أي وظيفة أو مهمة انتدابية.

طريق للمصادقة

خلال مناقشة مشروع قانون الإثراء غير المشروع في أحد اجتماعات لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب عبر عدد من البرلمانيين عن رغبتهم في إصدار نص قانوني يُعاقب المفسدين في المال العام، مُقابل ضبط وتدقيق أركان النص المحدد للجريمة حتى لا تكون مرونة في استعماله.

تباين المواقف والآراء دفع حزب الأصالة والمعاصرة المعارض إلى سحب تعديلاته، الأمر الذي أوقف تمرير المشروع خلال ولاية ثلاثة وزراء، وصرح بذلك وزير العدل الأسبق مصطفى الرميد الذي قال إن حزب الأصالة والمعاصرة عرقل مشروع القانون الجنائي، بسبب رفضه لتجريم "الإثراء غير المشروع".

لكن بعد تأجيلات متكررة، تمكنت الفرق البرلمانية في لجنة العدل والتشريع في 10 كانون الثاني/يناير 2020، من إيداع التعديلات على مشروع القانون الجنائي، ووضعت فرق الأغلبية تعديلًا على جريمة "الإثراء غير المشروع"، وقعت عليها جميع الفرق بما فيها حزب العدالة والتنمية، لكن مصطفى الرميد عبر عن انزعاجه مما اعتبره "إفراغَ جريمة الإثراء غير المشروع من محتواها".

التعديلات التي قدمتها الفرق البرلمانية وضعت قيودًا على تفعيل جريمة الإثراء غير المشروع. فمثلًا عوض أن يتم تحريك المتابعة من طرف النيابة العامة ضد أي موظف متهم، يتولى المجلس الأعلى للحسابات إثبات هذه الجريمة والنيابة العامة دورها يبقى بعد الإثبات.

اقرأ/ي أيضًا: تحركات الأحزاب في المغرب.. حملة انتخابية مبكرة أم أنشطة تأطيرية؟

ثانيًا، أنه لا يمكن متابعة الموظف المتهم إلا "بعد نهاية مهامه وليس أثناءها، أي يجب انتظار إحالة الموظف على التقاعد من أجل متابعته. ثالثًا وبخصوص دخله تتم المقارنة مع ما صرح به من دخل، انطلاقًا من التصريح بالممتلكات الذي أودعه المعني بالأمر، وليس من مصادر دخله.

رغم كل هذه التعديلات لم تُحدد لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب إلى اليوم، تاريخ عقد جلسة للمصادقة على التعديلات

ورغم كل هذه التعديلات لم تُحدد لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب إلى اليوم، تاريخ عقد جلسة للمصادقة على التعديلات، في الوقت الذي قرر فيه حزب العدالة والتنمية سحب تعديل استدراكي، مُطالب بإبقاء النص كما أحالته الحكومة مع إضافة الذمة المالية لزوجة الموظف إلى دائرة مراقبة الإثراء غير المشروع.