12-نوفمبر-2018

صار فصل الشتاء نذر شؤم على الأردنيين (Getty)

كنا في الشتاءات الماضية، عند اقتراب الموسم، نبدأ بتجهيز العدّة ونقوم بالإجراءات المألوفة؛ تركيب صوبة الغاز، تفقّد الشبابيك للتأكد من عدم تسريبها لأي جزء من الدفء الذي تولّد عن الصوبة. في بعض البيوت والعمارات كانت تأتي صهاريج الديزل للتدفئة المركزية ويتنقل بعض العمال بين البيوت لتنظيف البويلرات قبل تشغيلها، ويسبق كل ذلك بكل تأكيد استخراج "كسوة الشتاء" من أماكن غامضة في المنزل، تحت الأسرّة، أو فوق الخزانات. نشعر ببعض الأمن الذي تجلبه حرارة البطانيات الثقيلة، وتوفّر المقسوم من زيت الزيتون و"مونة" الشتاء.

لم يقل الأردنيون إلا كلمات الرضا، وزادوا عليها جملة واحدة بسيطة: أن ما حلّ بنا هو حصيلة فساد ممتدّ منذ عقود

أما هذا الشتاء، فلم يكد الموسم يبدأ حتى فجع الأردنيون بوفاة أكثر من 30 شخصًا حتى الآن. انهمار قصير لكن غزير للأمطار، تشكّلت بعده سيول جارفة داهمت طلابًا في رحلة مدرسيّة في منطقة البحر الميت، فجرفتهم المياه الطينية، نحو البحيرة المالحة، مخلّفة ألمًا مريرًا لن ينسى في كل مرة سنذكر فيها البحر، الميّت!

21  شخصًا ماتوا غرقًا، جلهم من الأطفال، كانوا في رحلة مدرسيّة وعدتهم بالمغامرة، فراح كل فتى وفتاة مسرعين متحمّسين، نحو حتف على غير ميعاده، وعلى غير الطريقة التي ترسم لغياب أرواح في عمر الورد. كان ذلك الشؤم يوم خميس، 25 تشرين الأول/أكتوبر. السماء وقت الظهر ملبّدة بالغيوم، شيء ما يكتم على عمّان ويخنقها، ويخنق معها أطرافها جميعًا. الجميع يتحدّث عن موت حام فوقنا تلك الساعة، ووجدنا ضحاياه في البحر الميّت.  

اقرأ/ي أيضًا: الصورة الكاملة لاحتجاجات الأردن.. تعددت الأسباب والشعب واحد

بدا الغضب على الجميع، وصارت السحب ناقوس خطر والأمطار لعنة. تأكّد ذلك يوم الجمعة الماضي أيضًا، كأننا مع موعد أسبوعي الآن مع كابوس الشتاء. سيناريو مشابه لفاجعة البحر الميّت. تلبّد للغيوم، أمطار غزيرة جدًا تهطل في دقائق معدودة، ثم سيول جارفة مفاجئة تهاجم ساكنة القرى والوديان على أطراف هذه البلاد، هذه المرّة نحو أقصى الجنوب في مدينة البتراء الأثرية، وفي قرية طيّبة في مدينة مأدبا تدعى "امليح". توفي هذه المرّة 12 شخصًا، من بينهم طفلة واحدة.

لم يقل الناس هنا إلا كلمات الرضا، وزادوا عليها جملة واحدة بسيطة: أن ما حلّ بنا هو حصيلة فساد ممتدّ منذ عقود، تظهر آثاره في العاصمة عمّان، في أحيائها الفقيرة أكثر، وأكثر منه في محافظات المملكة الأخرى، لاسيما في الجنوب. أما الحكومة، ففوق غيابها في توفير الخدمات وتفقد البنى التحتية وتطويرها، كانت شبه غائبة أيضًا في كلتا الحادثتين؛ فلم تحسن أداء دور إعلامي متوازن بالحديث مع المواطنين، عبر تقديم رواية متماسكة عمّا حصل وعن أسبابه والمسؤولين عنه، كما غابت آليات دعم أهالي الضحايا وسكان المناطق المنكوبة، ولم تفلح الدولة حتى اللحظة سوى في المضي قدمًا في تقييد حريّة الرأي عبر قوانين من شأنها خنق المساحة الوحيدة المتبقية للمواطنين للمشاركة في الحوار العام على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر قانون جديد للجرائم الإلكترونية، وإطلاق "دوريات" إلكترونية لتصيّد كل من أخطأ على تويتر أو فيسبوك، في حق الحكومة وحاول الكشف عن فساد موظفيها، دون "دليل"، وكأن ما يحصل لا يكفي دليلًا على هذا التداعي الحرّ والسريع في بنية الدولة المادية والمعنويّة وضعف مؤسساتها وأجهزتها الحيويّة وتراجع دورها حتى على المستوى الإغاثي الطارئ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجلوة العشائرية في الأردن.. القبيلة فوق القانون

المغرب والأردن.. ملكيّة الاستبداد الذكي