07-مارس-2020

انقلبت حيلة الإمارات عليها في مهرجان هاي أبوظبي (فيسبوك)

على عكس ما اشتهت سُفن حكومة الإمارات العربية المتّحدة، جرت رياح مهرجان "هاي أبوظبي" الذي أُقيمت فعّاليات دورته الأولى في منطقة الشرق الأوسط في العاصمة الإماراتية في الفترة الممتدّة بين 25 و28 شباط/فبراير الفائت تحت رعاية ما يسمّى بـ "وزارة التسامح". من جديد، تستثمر أبوظبي في الفعّاليات الفنّية والثقافية الضخمة لتلميع صورتها عالميًا، وصرف النظر عمّا يحدث خلف البذخ الذي يُراد منه أساسًا التخلّص من الوعي العام بالانتهاكات الحقوقية المتصاعدة في البلاد التي أنشأت وزارتين للتسامح والسعادة، فبدت عبرهما نموذجًا مُعاصرًا لدولة "الأخ الكبير".

تُقاتل السلطات في الإمارات العربية المتّحدة منذ سنواتٍ طويلة لبناء صورة مضلّلة تصرف الانتباه عن انتهاكاتها الحقوقية المرعبة، خلف بذخ الفعاليات الثقافية والمؤتمرات

جاء في بيان المهرجان، كما على لسان مسؤولين إماراتيين، أنّ "هاي أبوظبي" احتفال معني بالتسامح والتبادل الثقافي الهادف. بينما هو في الواقع، وكما بيّن عددٍ من المشاركين فيه، جزء من سياسة بناء وتصدير صورة مشرقة للإمارات كدولة متسامحة، تحترم حقوق الإنسان وتضمن الحرّيات. ولكنّ الموارد الهائلة التي خصّصتها حكومة أبوظبي لهذا الغرض، لم تكن كفيلةً بأن تضمن لها السمعة الحسنة، ولا تبدو كذلك قادرة على تجميل سجّلاتها الحقوقية القاتمة. لذا، وخلافًا للمتوقّع، تحوّل المهرجان من حفل هدفه التضليل وتزييف الصورة الأصلية للإمارات، إلى مناسبة لتعرية ممارساتها وإدانتها كذلك على الملأ.

اقرأ/ي أيضًا: "مهرجان الهاي للأدب والفنون" يصل الإمارات في ظل إدانات لانتهاكات حرية الرأي

بدأت الحكاية بإدانة عددٍ من الشخصيات الحقوقية المشاركة في المهرجان سجّل حرّية الرأي في البلاد، قبل أن يتطوّر الأمر بمطالبة نحو 50 مثقّفًا ومنظمة غير حكومية وأخرى حقوقية دولية، منها منظّمة العفو الدولية ومنظّمة القلم الدولية، بالإضافة إلى ستيفن فراي رئيس المهرجان؛ حكومة الإمارات بضمان دعم حرية التعبير وإطلاق سراح كل المدافعين عن حقوق الإنسان، وذلك في خطاب أكّدوا فيه وجود تضارب بين دعم أبوظبي للمهرجان، وعدم التسامح مع الناشطين الحقوقيين. كما أشار الخطاب إلى استمرار السلطات في أبوظبي بتصدير صورة إيجابية مضلّلة للعالم من خلال دعم ورعاية فعّاليات كهذه، تسعى عبرها إلى إخفاء انتهاكات حقوق الإنسان فيها بدلًا من معالجتها.

زعزعت الرسالة طمأنينة السلطة الإماراتية التي وجدت نفسها عاجزةً عن السيطرة على مجريات المهرجان، لا سيما وأنّ الأمر لم يتوقّف عند هذا الحد، حيث خرجت الروائية المصرية أهداف سويف أثناء مشاركتها في إحدى الندوات عن الخطوط الحمراء في البلاد بفتحها قضية الناشطين المعتقلين أحمد منصور ومحمد الركن: "اثنان من نشطاء حقوق الإنسان الإماراتيين كانا سيحضران لولا أنّهما مسجونان ظلمًا". بهذه الكلمات أدانت سويف الإمارات وسجلّها الحقوقي الرهيب، معبّرة عن تضامنها مع معتقلي الرأي في الإمارات، ومؤكّدة أنّه ليس من السهل "أن تصبح الأحداث الثقافية دخانًا"، وأنّه "من المهم ألّا تستغلّ الفعّاليات الثقافية للتعتيم على أوجه الظلم".

تُقاتل الإمارات العربية المتّحدة منذ سنواتٍ طويلة لبناء صورة مضلّلة تصرف الانتباه عن انتهاكاتها الحقوقية المرعبة، ثم تأتي سويف ومن قبلها مجموعة كبيرة من الناشطين لتقويض ما تسعى حكومتها إلى بنائه.

لا يمكن التعامل مع حديث الكاتبة المصرية إلّا كصفعة خلّفت أثرًا هائلًا على وجه سلطات أبوظبي التي راقبت تحوّل المهرجان من حدثٍ مُضلّل، إلى فرصة لإظهار وكشف الحقائق المؤلمة، كما رأى ناشطون. هكذا، يصير لزامًا عليها البحث عن مخرج من أزمتها تلك، فلجأت إلى تقويل سويف ما لم تقلهُ.

في منشور نشرته على حسابها الشخصي في موقع "فيسبوك"، ذكرت أهداف سويف أنّ الحوار الذي نشرته جريدة "الاتّحاد" الإماراتية يوم الخميس 5 أذار/مارس الجاري يتناقض تمامًا مع موقفها الذي عبّرت عنه علانيةً في "هاي أبوظبي" بشأن الواقع الحقوقي المتردّي في الإمارات. الحوار وبحسب ما ذكرت سويف يحمل الكثير من المغالطات، ويقوّلها ما لم تقلهُ أيضًا، أي أنّ "ما يظهر في الحوار ليس صوتي بالمرّة"، لا سيما في الجزء المتعلّق بإشادتها باحترام الإمارات لحقوق الإنسان، وهو الجزء الذي تقول إنّ الكاتب العراقيّ شاكر نوري الذي أجرى الحوار معها قد أضافه ونسبه لها زورًا.

سعت حكومة أبوظبي من خلال تلفيق تصريحاتٍ كهذه لسويف إلى الالتفاف على ما ذكرته أثناء مشاركتها المُزعجة، بالنسبة إليهم، في المهرجان، وستر ما يمكن ستره أيضًا، وإن عبر التلفيق غير الجديد على صحفها وإعلامها.

 كما يبدو من غير المستعبد أيضًا أن يكون تلفيق هذه التصريحات، بالإضافة إلى كمية المغالطات الهائلة الموجودة في الحوار، مُحاولة للنيل من الكاتبة التي وجدت نفسها تقول ما تسعى دائمًا إلى قول نقيضه تمامًا، من خلال إظهارها أمام الرأي العام كصاحبة مواقف متناقضة. وهو ما تعتبره أهداف سويف أمرًا غير معقول، أي أن "أقول ما قلت علنًا في ندوة في داخل الإمارات حول القمع وانتهاك حقوق الإنسان، وأسمّي أسماء: أحمد منصور ومحمد الركن، ثمّ أخرج على هامش الندوة لأُسِرَّ لمحاور بأنّ البلاد حقّقت طفرة كبيرة في حقوق الإنسان. عيب والله عيب".

وكانت رسالة مفتوحة موقعة من عدة مثقفين منهم نعوم تشومسكي وتحالف من أكثر من 40 منظمة غير حكومية منها منظمة العفو الدولية ومنظمة القلم الدولية، قد دعت حكومة الإمارات لاستخدام فعاليات المهرجان في أبوظبي، لإظهار احترامها لحرية التعبير، بإطلاق سراح كل المدافعين عن حقوق الإنسان الذين اعتقلوا بسبب التعبير عن أنفسهم بسلمية على الإنترنت"، حسب ما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية. 

سعت حكومة أبوظبي من خلال تلفيق تصريحاتٍ كهذه لسويف إلى الالتفاف على ما ذكرته أثناء مشاركتها المُزعجة، بالنسبة إليهم، في المهرجان، وستر ما يمكن ستره أيضًا

وحسب الصحيفة، فإن الرسالة تسلط الضوء على الازدواجية الكامنة في دعم وزارة التسامح للمهرجان "في بلد لا يتسامح مع الأصوات المعارضة". مبينة أنه "للأسف تكرس حكومة الإمارات جهودًا أكبر في إخفاء انتهاكات حقوق الإنسان فيها بدلًا من معالجتها وتستثمر كثيرًا في تمويل ورعاية مؤسسات وفعاليات ومبادرات بهدف تصدير صورة حسنة عن نفسها للعالم الخارجي".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الإمارات.. عداء متصاعد للربيع العربي