29-فبراير-2024
مهدي بن عبيد

مهدي بن عبيد الحارس الاحتياطي لمنتخب المغرب

ماذا يعني أن تكون حارس مرمى؟ هو سؤال لا يخطر على بال الكثيرين، فغالبية الأطفال الذين يحلمون بأن يصبحوا لاعبي كرة قدم، لا يفكّرون بشغر منصب حارس المرمى، أكثرهم يتخيل نفسه وهو يسجّل الأهداف، ويقفز فوق جسده رفاقه في الملعب، محتفلين بتسجيله لهدف الفوز الغالي.

إلا أن أطفالًا آخرين يجدون أنفسهم مناسبين كلاعبي خط وسط، يراوغون المنافسين ويذلّونهم كرويًا، ويقدّمون لرفاقهم التمريرات الحاسمة، ويتخذون لاعبين مهرة كقدوة لهم، ككيفن دي بروين وزين الدين زيدان وآخرين.

لكنّ ثمّة أطفال وهم نادرون، يتخيلون أنفسهم في المستقبل كمدافعين، يحبون ارتداء شارة القيادة، والقتال في المناطق الخلفية من أجل حماية المرمى من أي هدف، إلا أن هناك فئة أكثر ندرة، تحلم بارتداء قفّازين في مستقبلها، من أجل شغل مركز حارس المرمى، لأنهم اعتادوا أن يكون حارس المرمى هو ذاك الشخص البدين الذي لا يجيد كرة القدم، ويأتي كتكملة لعدد الفريق، ليتم وضعه بين أخشاب المرمى، أو بين قطعتي الأحجار في المباريات التي تجري بأزقّة الشوارع.

أن تكون حارس مرمى، يعني أن تحظى بأضواء أقل من اللاعبين الآخرين، لكنّك في الوقت نفسه تحمل مسؤوليات أكبر منهم بكثير، فلو أهدر المهاجم 5 فرص، وسجّل السادسة، فسيصبح بطلًا، ويحتفل الجميع بإنجازه، ناسين الفرص المحققة التي أهدرها، ولكن لو تصدى حارس المرمى لعشرة أهداف محققة، وارتكب هفوة تسبّبت باهتزاز شباكه، سينسى المتابعون ما فعله، وسيصبح المتسبب بالهزيمة.

كذلك يعاني حراس المرمى من مصاعب أخرى تتعلّق بالفرص القليلة التي ينالونها من أجل إثبات كفاءتهم، فقد يشارك في المباراة الواحدة خمسة مهاجمين "مع إجراء التبديلات" ومثلهم من المدافعين أو لاعبي خط الوسط، لكن لا يشارك سوى حارس مرمى واحد، وتندر حالات خروجه من الملعب وإشراك بديل له.

وفي هذا الصدد، سنتكلّم اليوم عن حارس المرمى المغربي مهدي بن عبيد، والذي كان من حسن حظ منتخب بلاده، وسوء حظه بالوقت نفسه، يعيش في فترة يتواجد بها العملاق ياسين بونو، ما جعله حبيسًا لمقاعد البدلاء مع أسود الأطلس، لكنّه في الوقت نفسه، يلعب أساسيًا مع نادي الجيش الملكي المغربي، ويعوّل عليه الكثيرون من أجل مستقبل حراسة المرمى بالمنتخب المغربي.

 

مهدي بن عبيد ومسيرته الرياضية

ولد مهدي بن عبيد في 24 كانون الثاني/يناير 1998 في العاصمة المغربية الرباط، وحاله كحال أكثر الأطفال، كان يلعب كرة القدم في الحي الذي يسكن به، ولكنه بشكل مختلف عنهم، اختار اللعب في مركز حراسة المرمى.

مهدي بن عبيد

 

انضم مهدي بن عبيد بسن مبكر إلى أكاديمية الفتح في مدينته الرباط، من أجل صقل موهبته في حراسة المرمى، وهناك تولى تدريبه مدرب الحراس عيسى بن جمعة، وتحدث مهدي بن عبيد عن الأكاديمية في تلك الفترة، فقال إنّها كانت احترافية على أعلى طراز، وتعلم اللاعبين الانضباط وتنمي مهاراتهم، وتركّز على حالة اللاعبين النفسية والذهنية واستقرارها، من أجل تنمية عقليته الرياضية بشكل سليم.

استطاع مهدي بن عبيد أن يتدرج في أكاديمية الفتح الرباطي، إلى أن تدرب مع فريق الرجال موسم 2017-2018، وقتها كان يدرّب الفريق وليد الركراكي، والذي أصبح أفضل مدرّب بتاريخ المغرب في وقت لاحق.

لكن وكما تعلمون جميعًا، مركز حراسة المرمى من الصعب حجزه، خصوصًا بالنسبة لحارس شاب، ليقرر الركراكي إعارته إلى نادي يلعب في الدرجة الثانية، علّه ينمي مهارات الحارس مهدي بن عبيد، من خلال الفرصة التي ستتاح له بلعب دقائق أكثر.

لعب مهدي بن عبيد في نادي الخميسات بدوري الدرجة الثانية لأول مرة بمسيرته في شهر أيلول/سبتمبر 2017، وفي ختام الموسم أعاده الركراكي إلى فريق الفتح الرباطي، من أجل لعب المباريات التحضيرية للموسم.

وفي موسم 2018-2019 خاض مهدي بن عبيد أول لقاء احترافي في مسيرته مع نادي الفتح الرباطي، حدث ذلك في شهر آب/أغسطس 2018 ضد الكوكب المراكشي، ليصبح من الركائز الأساسية لنادي الفتح الرباطي، حتى صيف عام 2023. والذي شهد انتقال مهدي بن عبيد إلى نادي الجيش الملكي، بعقد مدته ثلاث سنوات، وما زال يلعب في صفوف الجيش الملكي حتى الآن.

 

مهدي بن عبيد مع منتخب المغرب

بدأ مهدي بن عبيد مسيرته مع منتخب المغرب الأولمبي في عام 2019، من أجل التأهل لبطولة أفريقيا تحت 23 عامًا، لكنّ المغرب ستفشل في بلوغ النهائيات، بعد ذلك بفترة قصيرة يتلقى مهدي ضربة موجعة، تمثّلت بإيقافه من الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، بسبب شجار مع حكم لقاء مواجهة المغرب ومالي، ليستمر الإيقاف حتى ثلاثة أشهر.

عاد مهدي بن عبيد ومثل المنتخب الأولمبي المغربي في عام 2022، للمشاركة في دورة ألعاب التضامن الإسلامي في تركيا، فتغلبت المغرب على إيران وتعادلت مع أذربيجان وخسرت أمام السعودية، لتودع المسابقة من الدور الأول، علمًا أن الفريق كان كل عناصره من اللاعبين المحليين النشطين في الدوري المغربي.

مهدي بن عبيد
مهدي بن عبيد مع وليد الركراكي

وفي عام 2023 استدعى مدرب المنتخب المغربي الأول وحيد خليلوزيتش الحارس مهدي بن عبيد، لخوض المباراتين الفاصلتين ضد الكونغو، وفي حصيلة المباراتين سيتأهل المغرب إلى نهائيات كأس العالم، مع مهدي بن عبيد في مقاعد الاحتياط.

ولم يكن مهدي بن عبيد في التشكيلة المشاركة بكأس العالم 2022، والتي حقق بها المنتخب المغربي إنجازًا استثنائيًا، تمثّل ببلوغ الدور نصف النهائي، ليصبح الفريق العربي والأفريقي الوحيد الذي يفعل ذلك.

وبعد الأداء المميز للمغرب في كأس العالم، عاد وليد الركراكي واستدعى مهدي بن عبيد إلى قائمة الفريق الأول، ولكن كحارس بديل، بسبب تواجد الحارس ياسين بونو، ولكن مع ذلك قال الركراكي متحدثًا عن مهدي بن عبيد ومؤكدًا ثقته به: "إذا استمر في العمل الجاد، فسيكون ذلك عملاً كبيرًا للغاية، علينا أن نتحلى بالصبر معه".

كان مهدي بن عبيد من اللاعبين الذين استدعاهم وليد الركراكي للمشاركة في كأس أمم أفريقيا 2023، والتي انطلقت بداية عام 2024، حيث ودّعت المغرب البطولة من دور الستة عشر، رغم كونها أحد المرشحين لنيل اللقب، ولعبت أربع مباريات، وفي جميع المباريات كان الحارس الأساسي ياسين بونو يشغل حماية عرين أسود الأطلس.

في المحصّلة، لم يشارك مهدي بن عبيد في أي لقاء لمنتخب المغرب الأول، رغم تواجده في مقاعد البدلاء، وهذا إن دل على شيء سيشير إلى الجهد الكبير الذي على حارس المرمى أن يبذله، كي يحظى بفرصة المشاركة، وفي حالة مهدي بن عبيد، ففرصه تبدو ضئيلة للغاية، خصوصًا مع تألّق ياسين بونو، ومع ذلك يشير إليه الكثير من المتابعين، على أنه عبارة عن مستقبل لحراسة مرمى أسود الأطلس، وليس عليه سوى المثابرة والانتظار.