22-فبراير-2024
سفيان بوفال

سفيان بوفال يرد بعضًا من جميل والدته التي عملت في تنظيف المنازل من أجل رعايته

يعتبر منتخب المغرب لكرة القدم من أوائل الفرق العربية والأفريقية التي شاركت بمسابقة كأس العالم، وهو أوّل منتخب عربي وأفريقي يتخطى مرحلة المجموعات، حدث ذلك في كأس العالم 1986، والمنتخب العربي والأفريقي الوحيد، الذي بلغ نصف نهائي كأس العالم، وحصلت هذه المفاجأة الكروية السارة في كأس العالم قطر 2022.

مرّ على منتخب المغرب عبر تاريخه الكثير من النجوم المميزين والمدربين اللامعين، كذلك الحال بالنسبة لحراس المرمى الذين حفروا اسمهم في ذاكرة عشاق كرة القدم المغربية، لكنّ الجيل الذهبي الذي حقق الإنجاز في كأس العالم 2022، سيبقى خالدًا في ذاكرة المغاربة، فحينما تسمع بعبارة "مدرب المغرب" لن يخطر ببالك سوى وليد الركراكي، وحينما يتحدث أحد بعبارة "ياسين بونو" سيخطر ببالك فورًا التصديات المميزة التي قام بها في كأس العالم، وركلات الترجيح أمام إسبانيا.

الكثير من نجوم منتخب المغرب في كأس العالم 2022، أصبحوا يمثلون رمزًا للشارع المغربي، وأحد فرسان المونديال، كان المهاجم سفيان بوفال، والذي شارك في كل مباريات المغرب بكأس العالم 2022، لكنّ الإصابة منعته من المشاركة في جميع مباريات أسود الأطلس في كأس أمم أفريقيا 2023، والتي انطلقت في بداية عام 2024، وكما تعلمون جميعًا، ودّعت المغرب فيها مبكرًا من دور الستة عشر.

 

سفيان بوفال وحياته الشخصية

مثل الآلاف من العائلات المغربية، هاجر والدا سفيان بوفال إلى فرنسا، وهما ينحدران من مدينة مكناس المغربية، وفي عام 1993 رزقا بتوأم أحدهما ذكر والآخر أنثى، فسمّي الذكر بسفيان، والأنثى عائشة، وسبق هذان التوأمان في القدوم إلى الدنيا شقيقهما الأكبر عبد.

انفصل الوالدان عن بعضهما البعض في عام 1996، كان سفيان عمره ثلاثة أعوام فقط، فتولّت والدته رعاية الأطفال الثلاثة "عبد، سفيان، عائشة"، وكانت الظروف صعبة للغاية، فعملت السيدة زبيدة بلمولات في تنظيف المنازل، من أجل رعاية سفيان وشقيقيه، وتأمين القوت اليومي لهم.

نشأ سفيان بوفال في مدينة آنجيه الفرنسية، وأحب لعب كرة القدم لدرجة كبيرة منذ صغره، فكان يقتحم خلسة أماكن لعب الأطفال الأكبر منه، يقول سفيان عن ذلك: "كنت دائمًا في المنزل على الشرفة، وكثيرًا ما كنت أرى الأطفال الصغار يلعبون بعد ظهر يوم الأربعاء، لم أكن كبيرًا بما يكفي للعب بعد. لم يكن لدي رخصة، لكنني كنت أتسلق البوابة دائمًا وأذهب للعب معهم، لقد فعلت ذلك مرة، مرتين، ثلاث مرات، وقد سئم المربي من ذلك لدرجة أنه قبلني".

 

سفيان بوفال ومسيرته الكروية

ظهرت موهبة سفيان بوفال منذ الصغر، وكان قادرًا على تغيير سير المباريات بمفرده، خلال تدربه مع الفئات الدنيا لناد محلي في أنجيه، وأحيانًا كان يلعب مع اللاعبين الكبار في كرة الصالات وهو بعمر 9 سنوات فقط.

انضم سفيان بوفال في عام 2005 إلى مراكز تكوين اللاعبين في نادي آنجيه، وعمره كان 12 عامًا، لكن سببًا غريبًا كاد أن ينهي مسيرته الكروية قبل أن تبدأ بشكل فعلي، حيث كان سفيان بوفال صغير البنية في عام 2010، عمره 17 عامًا ولم يتخطّ طوله مترًا ونصف المتر بعد، ليفكّر قادة نادي أنجيه بالتخلي عن سفيان بوفال.

إلا أن المدرب الاحتياطي للفريق ستيفان مولان كان يرافق ابنه كيفن مولان في التدريبات، حيث يشارك كيفن وسفيان بوفال بنفس الفريق، وهناك أعجب بمهارات بوفال، وقرر القتال أمام إدارة النادي من أجل السماح لبوفال بالاستمرار مع الفريق.

سفيان بوفال
سفيان بوفال مع ليل الفرنسي

نجحت مساعي ستيفان مولان في إقناع الإدارة ببقاء سفيان بوفال في الفريق، وبعد ذلك بسنوات، نما سفيان بفترة سريعة وقياسية، وصار جسده مؤهلًا لخوض كرة القدم، يقول سفيان بوفال عن هذه الحادثة: "في السابعة عشرة من عمري، كان طولي بالكاد 1.45 مترًا. ولا حتى، بين 1.40 و1.45 كحد أقصى. كان جميع خصومي أطول بما لا يقل عن عشرين إلى ثلاثين سنتيمتراً. كنت لا أزال أمتلك مهاراتي في المراوغة، لكن ذلك لم يعد ممكنًا من الناحية البدنية".

يكمل سفيان بوفال حديثه: "لم يرغب مدربو الفريق تحت 19 عامًا في إبقائي بسبب طولي، لقد ضغطنا بقوة مع عمي حكيم ومدرب فريق تحت 17 سنة، ريتشارد جويون، دون أن ننسى المدرب ستيفان مولان، الذي عرفني عن ظهر قلب وكان مهمًا جدًا بالنسبة لي. كان الثلاثة جميعًا بمثابة مساعدة حيوية في إقناع مدرب فريق تحت 19 عامًا بإبقائي. ثم كبرت فجأة، ولم يعد لدي أي مشاكل".

حينما بلغ سفيان سن الثامنة عشرة، ترك المدرسة نهائيًا، وقرر التفرّغ لكرة القدم، حيث واصل مسيرته مع نادي آنجيه الفرنسي، ووقع في عام 2012 أوّل عقد احترافي له مع الفريق نفسه لمدة ثلاث سنوات، ومن حينها طلب من والدته عدم العمل في المنازل، كونه سيساعد العائلة ويرد بعضًا من جميلها.

مع تألّق سفيان بوفال، حصلت القفزة الحقيقية في مسيرته، حينما طلبه نادي ليل للانضمام إلى صفوفه، وحدث ذلك في سوق الانتقالات الشتوية بعام 2015، بعقد مدته أربع سنوات ونصف، مقابل أربعة ملايين يورو، وعن هذه المرحلة الجديدة في حياته بمدينة ليل تحدث سفيان: "لقد وصلت بدافع وإرادة كبيرين، لكن البداية كانت أكثر تعقيدا مما كنت أعتقد. كنت في مدينة كبيرة، ولم أعرف أحداً. ولحسن الحظ أن والدتي رافقتني، ولم أكن وحدي".

بعد عام ونصف فقط مع ليل، تطوّر أداء سفيان بوفال كثيرًا، وطمحت الكثير من الأندية للظفر بخدماته، لكن من انتصر أخيرًا كان نادي ساوثهامبتون، حيث وقع سفيان بوفال عقدًا بقيمة 24 مليون يورو، ليصبح أغلى لاعب في تاريخ النادي في ذاك الوقت.

سفيان بوفال لعب مع العديد من النجوم في تلك الفترة، زامله تاديتش وفان دايك وآخرين، ولعب لمدة موسمين مع النادي الإنجليزي في العديد من المسابقات المحلية والأوروبية، وأبرزها مسابقة الدوري الأوروبي، وفي موسمه الثاني لم يعد يظهر كلاعب أساسي ضمن تشكيلة المدرب، ما أثر بمستواه، وساهم على حد تعبير سفيان بوفال نفسه في حظوظه بالانضمام لتشكيلة المغرب في كأس العالم 2018.

حيث قال سفيان بوفال عن هذه المرحلة: "في 2018 كان الموسم صعبًا في ساوثهامبتون، عانينا للهروب من الهبوط، ولم يجعلني المدرب ألعب كثيرًا دون أن أفهم السبب، المنافسة لم تكن صحية، في بعض الأحيان كنت أستحق اللعب ولم ألعب، أو جعلني ألعب في لحظات صعبة".

يكمل سفيان بوفال: "تطورت الأمور في رأسي، وارتكبت المزيد والمزيد من الأخطاء. كل هذه الأخطاء جعلتني أغيب عن كأس العالم 2018، لقد أعطاني ذلك صفعة كبيرة على وجهي، لأنني أنا من أعطى العصا ليتعرض للضرب، ومنذ ذلك الحين أقسمت لنفسي أن كل هذا لن يتكرر مرة أخرى".

بعد ذلك انتقل سفيان بوفال إلى الدوري الإسباني بنظام الإعارة، وتحديدًا نادي سيلتافيغو، وهناك لم يقدم الكثير من المأمول منه، ولكن مع ذلك ساهم ببقاء النادي في دوري الدرجة الأولى، ليعود إلى سواثهامبتون بعد نهاية الموسم، ويلعب الموسم الجديد 2019-2020 بالدوري الممتاز، ويكون من العناصر التي ساهمت بإنهاء الفريق المسابقة في الترتيب 11.

سفيان بوفال

في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر 2020، وقع سفيان بوفال عقدًا جديًا مع وجهة غير جديدة، لقد عاد مجددًا إلى نادي طفولته آنجيه، فتعاقد معه لمدة أربع سنوات، وعن هذه العودة تحدث سفيان: "كنت دائما على اتصال بالرئيس سعيد شعبان، لقد اتصل بي عدة مرات ليخبرني عن طموحاته المستقبلية مع أنجيه، وشيئًا فشيئًا، بدأت أخبر نفسي أن العودة إلى أنجيه ستكون مفيدة بالنسبة لي".

وبالفعل، كان سفيان بوفال أحد أعمدة فريق آنجيه بالدوري الفرنسي، وعنصرًا هامًا وأساسيًا في تشكيلته، وبعد الأداء اللافت للمنتخب المغربي في كأس العالم، رحل سفيان إلى قطر، من أجل تجربة جديدة بعيدة عن الملاعب الأوروبية، وجهته كانت نادي الريان القطري، والذي تعاقد معه بعقد لمدة ثلاث سنوات، وما زال ينشط في صفوف الدوري القطري حتى الآن، حيث قال سفيان عن التجربة الاحترافية له في النادي القطري: "كانت لدي عدة عروض سواء في أوروبا أو في بعض دول الخليج، لكني فضلت مشروع الريان، لقد كنا على اتصال منذ فترة، وكنت أعرف مشروعهم عن ظهر قلب، وهذا أكثر ما جذبني".

 

سفيان بوفال مع منتخب المغرب

في عام 2015 استدعى مدرب منتخب المغرب حينها بادو الزاكي سفيان بوفال، لخوض غمار تصفيات كأس أمم أفريقيا، لكن اللاعب لم يلتحق ببعثة المنتخب المغربي بسبب الإصابة، إلا أن المدرب بادو الزاكي فسّر ذلك بعد تحديد سفيان بوفال خياره بعد، إن كان سيمثل المنتخب الفرنسي أو المنتخب المغربي.

المدرب بادو الزاكي قال عن هذا الموضوع: "كنت على اتصال به في بداية الموسم وكان كل شيء يسير على ما يرام، حتى اليوم الذي اتصل بي وقال: أيها المدرب، سأتحدث إليك بصراحة، لقد اتخذت القرار بسرعة كبيرة وما زلت بحاجة إلى الوقت، لم نتحدث حتى لمدة دقيقة وأنهيت المحادثة". كان بوفال حسب وجهة نظر المدرب مترددًا في اختيار منتخب المغرب.

ولكن في عام 2016 تولى المدرب الفرنسي هيرفي رينارد تدريب منتخب المغرب، وهنا أعلنها صراحة أنه سيتصل بسفيان بوفال، وبالفعل، ما هي إلا أيام حتى أعلن سفيان بوفال اختيار الدفاع عن قميص أسود الأطلس بدلًا من الديك الفرنسي.

سفيان بوفال
سفيان بوفال بقميص منتخب المغرب

وشهد الـ26 من آذار/مارس مشاركة سفيان بوفال الأولى مع منتخب المغرب، في لقاء جمع أسود الأطلس مع الرأس الأخضر ضمن تصفيات كأس أمم أفريقيا، لكن تراجع مستوى بوفال مع الأندية سبب في عدم مشاركته في جميع مباريات التصفيات، وعدم لعبه في النهائيات التي جرت عام 2017.

غياب سفيان بوفال عن المنتخب المغربي استمر في نهائيات كأس العالم 2018، حيث قال عن ذلك: "من الواضح أن عدم المشاركة في كأس العالم أمر مخيب للآمال، هذا قدري أنني لم أذهب إلى هناك، ذلك لأنه لم يكن ينبغي علي الذهاب إلى هناك، ولكن من الواضح أن هذا لا يزال في ذهني".

بعد ذلك شارك سفيان بوفال مع منتخب المغرب بنهائيات كأس أمم أفريقيا 2019، وخرجت المغرب أمام بنين بركلات الترجيح في الدور ثمن النهائي، وقتها كان سفيان من اللاعبين الذين أهدروا ركلات الترجيح، وهنا تم التخلي عن المدرب رينارد، والتعاقد مع مدرب جديد هو وحيد خليلوزيتش.

سفيان بوفال
سفيان بوفال في كأس العالم 2022

لم يستدع المدرب خليلوزيتش سفيان بوفال لتمثيل منتخب المغرب في عام 2020 وحتى 2021، إلى أن تم الاستدعاء في تصفيات كأس العالم 2022، وفيها قدّم سفيان مردودًا جيدًا، وبعد ذلك شارك مع أسود الأطلس في نهائيات كأس أمم أفريقيا 2021، والتي أقيمت في عام 2022، وفيها قدّم أداء ملحوظًا، حيث اختير رجل المباراة أمام غانا، قبل أن تودع المغرب البطولة من ربع النهائي أمام منتخب مصر.

اختار المدرب وليد الركراكي سفيان بوفال ضمن التشكيلة المشاركة في كأس العالم 2022، وكان بوفال من ضمن العناصر الأساسية التي شاركت في كل مباريات المغرب السبع، وأحد المساهمين في الإنجاز التاريخي بالوصول إلى الدور نصف النهائي.

وفي نهائيات كأس أمم أفريقيا 2023 التي أقيمت بداية عام 2024، عوّل المدرب وليد الركراكي كثيرًا على سفيان بوفال، وحينها ضمنت المغرب صدارة مجموعتها، وقابلت جنوب أفريقيا في ثمن النهائي، بغياب سفيان بوفال الذي تعرض لإصابة عضلية، قبل أن تودع المغرب البطولة بشكل مفاجئ.

 

جدول مشاركات سفيان بوفال مع منتخب المغرب

البطولة

عدد المباريات

عدد دقائق اللعب

كأس العالم

7

482

كأس أمم أفريقيا

11

594

تصفيات كأس العالم

9

269

تصفيات كأس أمم أفريقيا

4

233

مباريات ودية

15

960

المجموع

46

2528

 

حكاية سفيان بوفال وقصّة كفاحه من أجل ردّ الجميل لوالدته، والتي كابدت وعانت من أجل ترتبية أطفالها، تمثّل إلهامًا كبيرًا للعديد من الأطفال الذين يطمحون لدخول عالم كرة القدم، فمن منا ينسى حينما بلغت المغرب نصف نهائي كأس العالم 2022 كأول فريق عربي وأفريقي يفعل ذلك، حينها اختار سفيان بوفال والدته ليهديها هذا الإنجاز، وأنزلها على أرضية الملعب أمام عشرات الآلاف من المشجعين، ليراقصها وينسب الفضل لها بإنجازه الشخصي وإنجاز الفريق المغربي.