سطّر المنتخب المغربي حروفًا من ذهب في مشاركته بكأس العالم 2022، حيث نجح أسود الأطلس في بلوغ الدور نصف النهائي من المسابقة، ليصبح المنتخب المغربي الفريق العربي والأفريقي الوحيد الذي يحقق هذا الإنجاز.
الإنجاز التاريخي للكرة المغربية والعربية والأفريقية كان وراءه العديد من العوامل، أبرزها وليد الركراكي الذي يعتبر أفضل مدرب في تاريخ المغرب، والحارس المتألّق ياسين بونو أحد أفضل حراس المرمى الحاليين بالعالم، والقائد رومان سايس المدافع الصلب، والنجم أشرف حكيمي الذي لعب وما زال يلعب في أفضل الأندية بالعالم، وموهبة خط الوسط المغربية عز الدين أوناحي.
بلوغ المغرب لنصف نهائي كأس العالم لا يرتبط فقط باللاعبين النجوم، أو المدرب المحنّك، بل هو نتيجة لعمل دؤوب، وجهد جماعي ساهم به الجميع، على الصعيد الإداري والفني وحتى الجماهيري، فلم يقصّر أي من اللاعبين بقطرة عرق سواء كان من الأساسيين في التشكيلة أو الاحتياطيين، سواء لعب في كلّ المباريات أم خاض دقائق معدودة، فالكلّ شارك بتحقيق هذا الحلم الكروي.
من هؤلاء اللاعبين الذين ساهموا بالإنجاز رغم عدم خوضهم لدقائق لعب طويلة، كان الجناح المغربي زكرياء بوخلال، والذي تدرّج في الفئات السنية الصغرى للمنتخب الهولندي، واختار تمثيل أسود الأطلس، فمن هو زكرياء بوخلال؟
زكرياء بوخلال وحياته الشخصية
في 18 شباط/فبراير عام 2000 رُزق الليبي طارق بوخلال من زوجته المغربية لمياء البكراوي بولد سماه زكرياء، الوالدان كانا يعيشان في هولندا بمدينة روتردام، وتتكون أسرتهما من أربعة أطفال هم إضافة إلى زكرياء نور ودنيا وزياد، فقررا في عام 2003 الرحيل إلى الدار البيضاء في المغرب، من أجل تعليم الأولاد اللغة العربية وتنشئتهم ببيئة أكثر ملائمة من الناحية الإسلامية.
زكرياء بوخلال ومسيرته الرياضية
والدة زكرياء بوخلال كانت بطلة مغربية سابقة في ألعاب القوى، واعتزلت مبكرًا بسبب زواجها، ما يعني أن الطفل زكرياء بانت مواهبه الرياضية منذ الصغر، حيث عاد وأسرته إلى هولندا عام 2007 وعمره سبع سنوات، ولعب في العديد من الأندية المحلية هناك، إلى أن اكتشفه أكبر الأندية الهولندية.
في عام 2007، التحق زكرياء بوخلال بنادي آيندهوفن، وتدرّج في فئاته، وانضم في عام 2019 إلى الفريق الأوّل بي إس في آيندهوفن، وخلال هذه الفترة أتته عروض من نادي توتنهام الإنجليزي، لكنّه فضّل التريّث حتى يستمر النجاح بمسيرته في هولندا.
في موسم 2019-2020، انضم زكرياء بوخلال إلى نادي ألكمار الهولندي، وفيه تألّق بشكل لافت، إلا أن جائحة كورونا أنهت الموسم مبكرًا، علمًا أن زكراء بوخلال جاءه عرض من نادي إيفرتون الإنجليزي من أجل تمثيله في تلك الفترة.
موهبة زكرياء بوخلال أسالت لعاب الكثير من الأندية الأوروبية، اختار منها نادي تولوز الفرنسي، والذي رحل إليه في صيف عام 2022، وساهم معه بتحقيق لقب كأس فرنسا التاريخي بالنسبة للنادي الفرنسي، وما زال يعتبر من العناصر الهامة للغاية في الفريق.
زكرياء بوخلال ومسيرته الدولية
كما تكلمنا سابقًا، والد زكرياء بوخلال ليبي الجنسية، ووالدته مغربية، ونشأ وترعرع في هولندا، وكان من الطبيعي مثله مثل أكثر اللاعبين في أفريقيا، أن يختار اللعب للمنتخب الهولندي، فتدرّج في فئات فريق الطواحين ليلعب مع منتخب هولندا تحت 16 عامًا في عام 2015، وفي 2016 لعب مع منتخب هولندا تحت 17 عامًا، كذلك في عام 2017 لعب بقميص المنتخب الهولندي تحت 18 عامًا، وفي 2018 شارك مع منتخب هولندا تحت 19 عامًا، وفي 2019 لعب لمنتخب هولندا تحت 20 عامًا.
كل المؤشرات دلّت على أن زكرياء بوخلال سيختار اللعب مع منتخب الطواحين فئة الرجال، سيما وأنه خاض جميع المراحل السنية لهذا الفريق، ومكانه محجوز في المنتخب الأول، لكنّه ظهر في عام 2020 على ثلاث قوائم خاصة بالمنتخبات، وهي المنتخب الليبي والمنتخب الهولندي والمنتخب المغربي.
اختار زكرياء بوخلال تمثيل منتخب المغرب، وبسبب ذلك تعرّض للكثير من التعليقات المسيئة، لا سيما من بعض جماهير المنتخب الليبي الذين أرادوا أن يمثّل البلاد التي يحمل والده جنسيتها، لكنّه أفضح بعد ذلك عن رغبته لتمثيل المغرب كونها الاختيار الأول له منذ طفولته: "لقد شاركت مع مختلف الفئات السنية الهولندية، لكن عندما تلقيت الاستدعاء الأول من المغرب، قمت بالرد مباشرة وأنا مستعد لتمثيل المغرب".
شارك زكرياء بوخلال مع المنتخب المغربي لأوّل مرّة في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 ضد أفريقيا الوسطى، وفي هذا اللقاء سجّل هدفًا رغم مشاركته الأولى، ومن حينها ثبّت مكانه في اختيارات المدربين الذين تلاحقوا على المنتخب المغربي، سواء وحيد خليلوزيتش أو وليد الركراكي، وكان زكرياء بوخلال من العناصر الهامة للمنتخب المغربي، حيث سجّل هدف تأكيد الانتصار على بلجيكا في كأس العالم 2022.
جدول مشاركات زكرياء بوخلال مع المنتخب المغربي
|
عدد المباريات |
عدد دقائق اللعب |
|
|
كأس العالم |
4 |
73 |
|
كأس أمم أفريقيا |
4 |
133 |
|
تصفيات كأس العالم |
3 |
87 |
|
تصفيات كأس أمم أفريقيا |
4 |
157 |
|
مباريات ودية |
6 |
165 |
|
المجموع |
21 |
615 |
زكرياء بوخلال وحملات التشهير التي تعرّض لها
يعرف لاعب المنتخب المغربي بالتزامه بتعاليم الدين الإسلامي وتديّنه، وانتشرت له مقاطع فيديو وهو يؤم المصلّين، ومقطع فيديو آخر وهو يلقي خطبة الجمعة على لاعبي منتخب المغرب في كأس العالم 2022، كذلك التقى بالداعية المعروف ذاكر نايك والتقط صورًا تذكارية معه.
هذه التصرفات تعتبر طبيعية جدًا في حياة أي إنسان سواء كان رياضيًا أو غير رياضي، لكنّ بعض وسائل الإعلام الصفراء تفضّل أن يعيش اللاعبون حياة المشاهير، وينغمس بعضهم في حياة الفضائح كي تتابع أخبارهم وتتناقل تصريحاتهم النارية، إلا أن زكرياء بو خلال بهدوئه وتواضعه لم يكن من هذا النوع.
أسفر ذلك عن تعرّض زكرياء بوخلال لحملة تشهير بعد كأس العالم 2022، فنشرت صحيفة إلكترونية مغربية مقالًا تصفه فيه بأنه "سلفي يتبنى فكرًا متطرفًا وقام باختراق منتخب المغرب"، وحمل التقرير عنوان: "أبو خلال، سلفي يخترق المنتخب الوطني".
أثار هذا التقرير ردود فعل واسعة وغاضبة، واتفق أكثر الجمهور المغربي على أن سلوك بوخلال يتبعه أي مسلم ملتزم، فالسجود بعد تسجيل الهدف ليس تهمة أو جريمة تستوجب النقد له أو الإساءة لعقيدته.
الاتحاد المغربي لكرة القدم تدخّل في الوقت المناسب، وقرر الدفاع عن لاعبه، واتباع الإجراءات التي تلاحق الموقع الإلكتروني المغربي، فقال في بيان رسمي "على إثر نشر أحد المواقع الالكترونية مقالا يمس شخص وسلوك اللاعب الدولي المغربي زكرياء أبو خلال أثناء مشاركته صحبة النخبة الوطنية في نهائيات كأس العالم قطر 2022، تنفي الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم نفيا قاطعا الاتهامات الباطلة التي طالته في هذا المقال".
ونوّه الاتحاد المغربي لكرة القدم أن اللاعب زكرياء بوخلال: "أبان عن سلوك مثالي إلى جانب زملائه من أجل تحقيق نتائج مشرفة للنخبة الوطنية في هذا المحفل العالمي". كذلك، أدان الاتحاد بشدة " تعاطي هذا الموقع الإلكتروني مع شخص وسلوك اللاعب زكرياء أبو خلال، ومن خلاله، لصورة المنتخب الوطني بكل فعالياته".
تبيّن لنا حكاية زكرياء بوخلال، وتفضيله للمنتخب المغربي على المنتخب الهولندي، أن تمثيل قميص المنتخب المغربي لا يقل أهمّية وشرفًا لأي لاعب عن أي جنسية أخرى، بل يمثل ارتداء قميص المنتخب المغربي تجسيدًا لهدف رسمه اللاعب وعائلته منذ الصغر، وعلى الرغم من أن مشاركات زكرياء بوخلال مع المنتخب المغربي لا تتعدى الدقائق في بعض المباريات، إلا أنها قد تكون مشاركات حاسمة، وما زال بإمكان اللاعب تقديم المزيد في مسيرته خلال السنوات القادمة.
