31-مارس-2024
كتاب أبي الذي أكره

كتاب أبي الذي أكره واحدًا من أهم الكتب التي يجب مطالعتها للآباء والأبناء

يتفق علماء النفس على أن كل ما يعايشه الإنسان من مشاعر ومواقف في طفولته ينعكس لاحقًا على سلوكه وأفكاره ونمط حياته عامة، وهذا أمر على أولياء الأمور أن يعيروه كل اهتمامهم لما له من آثار قد تكون إيجابية أو سلبية على طفلهم لاحقًا وعلى محيطه، ويأتي هنا كتاب أبي الذي أكره للكاتب عماد رشاد عثمان ليضعنا أمام بعض هذه التصرفات وما ينتج عنها لاحقًا ويوجه ضحاياها لكيفية التعامل الصحيحة معها، فما هو مضمون الكتاب وما هي أهميته؟

 

بشرية أكثر..ملائكية أقل

يؤكد الكتاب في مقدمته على تذكيرنا بأننا لسنا ملائكة، فكلنا بشر نخطئ ونصيب فالإساءة لا تعني الأخطاء وإنما الأذى والأنكى منه الإمعان فيه، إذن فهذا كتاب لا يطمح ببلوغ الأبوين حد المثالية ولكنه يخص أولئك الذين يرجحون كفة الأذى على الحماية والخطأ على الصواب. وعلى ما في الكتاب من معلومات قيمة وعلى ضرورة مطالعته إلا أنني سأحاول في هذا المقال تلخيص كتاب أبي الذي أكره قدر المستطاع.

كل ما يعايشه الإنسان من مشاعر ومواقف في طفولته ينعكس لاحقًا على سلوكه وأفكاره ونمط حياته عامة

سجن بلا قضبان

الفصل الأول من الكتاب يروي فيه الكاتب قصصًا لـ9 أشخاص مختلفين، يصورهم كالمساجين الذين حبسوا بقفص لا قصبان له، وإنما شكل معارفهم وأهلهم وأصدقاؤهم هذه القضبان اللامرئية عندما وضعوا كل واحد منهم وعلى طريقته في هذا السجن الافتراضي.

يقسم الكاتب القصص إلى 9 زنزانات يروي كل قصة منها كما ذكرها صاحبها أو صاحبتها، ويعرض ما تعرضوا له جراء التربية القاصرة من أبويهم معهم، فمنهم من عانى جراء الإهمال من والديه، أو نتيجة مقارنته الدائمة بأقرانه أو تباعد فكري وحسي يفصله عن أهله لدرجة تصبح معها مشاكله أسرارًا غائرة داخل صدره، منهم من عانى من الحب المفرط أو المشروط أو الدلال الزائد، منهم من عانى من انعدام الثقة بالنفس نتيجة التقليل من شأنه دائمًا.

يعتبر إغفال مساحة الحرية الشخصية والاختيار للطفل واحدًا من أنواع الإساءة النفسية

الفصل الثاني تكوين

في الفصل الثاني من الكتاب يذكر الكاتب أنواع الإساءة ويشرحها بالتفصيل، وهي كما ذكر في الكتاب:

  • الإساءة البدنية: وهي التعرض للضرب والتعنيف الجسدي وإحداث أضرار من خلال الضرب المبرح الذي قد يتعرض له الطفل بحجة أخطائه والحرص والخوف عليه من تكرار الخطأ، ومن الأضرار الجسدية ما يمكن أن يتجاوز حد الضرب إلى الحرق أو الربط والتكتيف مما فيه ألم بدني ونفسي في آن معًا.
  • الإساءة النفسية: ويفصلها الكاتب تفصيلًا مطولًا أوجزه هنا بأنها كل ما يقدم من إساءة تترك أثرًا على نفس الطفل من مقارنة مع الأقران، أو تجاهل وتقليل من مشاعره أو تهديده الدائم بالهجر. ومن الإساءات النفسية كذلك تلقيب الطفل بألقاب مهينة أو التنمر عليه، يدخل بدائرتها أيضًا تعنيف وصراع الزوجين على مرأىً من الأطفال. كما يعتبر إغفال مساحة الحرية الشخصية والاختيار للطفل واحدًا من أنواع الإساءة النفسية، بالإضافة لدوام من الأب أو الأم بالإنفاق على أبناءهم أو الدلال المفرط والحماية المبالغ بها وخذلان الوعود المتكررة، ناهيك عن السباب والألفاظ البذيئة التي قد تطال الأبناء من والديهم.
  • الإساءة الروحية: وغالبًا ما تتعلق بتأدية الفروض الدينية والتهديد الدائم بالمصير الأخروي في النار بحالة الامتناع عن تأديتها، ويتعلق بها كذلك رواية القصص المتعلقة بالسحر والجن والشعوذة وما إلى ذلك مما قد يسبب تشوهًا روحيًا عميقًا يؤثر بتكوين النفس وسلوك الجوارح.
  • الإساءة الجنسية: بمعنى التحرش الجنسي المباشر في الطفل وانتهاك جسده، أو التحرش اللفظي به أو حتى بالنظر إليه، كما يدخل في دائرتها كذلك الاستخفاف بالقصص التي يرويها الأطفال من تعرضهم لهذه الإساءة والرغبة في سدل الستار عليها بغية الستر، مما يعمق شعور الضحية بالخزي والجريمة، أيضًا الممارسة الحميمة للأزواج على مرأى ومسمع من الأطفال يعتبر تحرشًا جنسيًا، عداك عما يمكن أن تتعرض له بعض الفتيات من عمليات الختان "انتهاك الأعضاء التناسلية الأنثوية" وهي عمليات ما تزال منتشرة في بعض المدن للأسف بشكل كبير.

تحكم وتسلط الآباء وإشعارهم للطفل دائمًا بالإحباط يسبب كره الطفل لهم

أبعاد الإساءة

يبدأ الكاتب بعد ذلك بالحديث عما تعمقه أنواع الإساءات السابقة في النفس لاحقًا ويشرح أبعادها بشكل تفصيلي، وهذه الأبعاد هي:

  • جرح الهجر: ولا يعني الكاتب هنا الهجر بالمعنى الحقيقي للكلمة بطبيعة الحال، وإنما الشعور بالهجر والإحساس الدائم باللاجدوى من الوجود ضمن أسرة تنبذ الشخص المعني منذ أن كان طفلًا، وتنصبّ خطورة هذا الأمر في الخيارات الأخرى التي يلجأ لها الشخص خاصة في مرحلة المراهقة والتي قد تتمثل بالإدمان أو الانخراط في البيئات اللاأخلاقية والتي تستقطب تحديدًا هذا النوع من الشباب نظرًا لما يتعرض له من الفراغ. بعد عرض هذه النتائج يقودنا الكاتب إلى حل واقعي لعدم الغوص أكثر في مستنقع الفشل هذا والمتمثل ببيئة جيدة أو طبيب نفسي أو معلم فاضل مؤتمن يمكن أن يمد يد العون بكل رحابة صدر واحتواء.
  • الاستياء الدفين: وبمعنى آخر الغضب المكبوت والمتولد نتيجة سكوت الطفل سابقًا عن موجات التعنيف المستمر التي كان يتلقاها بلا هوادة من الأسرة، فيكبر الشخص والطفل الخائف الغاضب ما زال قابعًا في إحدى أركان النفس رافضًا أن يكبر، ثم يتنامى لديه شعور بالغضب تجاه كل شيء فيبدأ بتعريض الآخرين في محيطه لما تعرض له من أذىً سواء لأطفاله أو لمرؤوسيه في العمل أو طلابه في المدرسة إن كان معلمًا، مما يجعلنا ندور بحلقة مفرغة فالآباء الغاضبون هم نفسهم الأبناء الغاضبون. يتمثل الحل هنا بالسماح للطفل بالداخل بالصراخ والتعبير عما يجول في نفسه، والسماح برحيل المشاعر السلبية واحتضان الطفل بدواخلنا وتفهمه وليس التعنت وعدم الاعتراف بوجود المشكلة.
  • الصدمة وعدم الشعور بالأمان: وهو أمر يتسبب بالعديد من المشاكل السلوكية التي قد تؤدي إلى نتائج فادحة ومنها الإلحاد، حيث يشير العلماء إلى أن معظم الملحدين هم ضحايا تفكك أسري واضح على الصعيد الجغرافي أو الروحي على حد سواء.
  • الخزي: وهو البُعد الرابع والأهم، يعتقد المعظم أن تحكم وتسلط الآباء وإشعارهم للطفل دائمًا بالإحباط يسبب كره الطفل لهم، لكن غالبًا ما يعود هذا بسخط وكره الأبناء لنفسهم نظرًا لكونهم بعين أنفسهم أشخاص لا قيمة لهم ولا فائدة تُرجى منهم حسب ما يقوله آباؤهم، مما يسبب شعورًا دائمًا بتأنيب النفس والشعور بالذنب والخزي.

تعرض الطفل للأذى الجسدي والألم بدافع الحماية من الأهل يخلق عنده رابطًا غريزيًا بين الحب والألم

اضطراب العلاقات

يقول الكاتب أن كل ما سبق يؤدي إلى أمر واحد لا غير وهو الاضطراب الواضح بالعلاقات سواء مع الأبوين أو مع الناس كلهم في المحيط لاحقًا، مما يعني التمرد على الأهل نتيجة الشعور الدائم بالسلطة غير المبررة بالنسبة للأبناء، وعلاقة الشخص بنفسه واضطرابها وفرض محكمة داخلية من مجموعة من الأشخاص الذين تركوا بالنفس أثرًا جراء صرامتهم ورغبتهم الدائمة بوصوله إلى المثالية.

شيء آخر يضيفه الكاتب وهو الفوبيا الحميمية ويعني بها الخوف من التعامل مع الآخرين ولهذا دافعان اثنان: أولهما العدائية وهو ما يجعل العلاقات مع الآخرين سطحية نتيجة القسوة الدائمة، أو العاطفة السلبية بمعنى الانعزال والشعور الدائم بأهمية تعبير الآخرين عن تعاضدهم العاطفي ودعمهم المستمر بشكل مرضي إلى حد كبير.

إن تعرض الطفل للأذى الجسدي والألم بدافع الحماية من الأهل والتعبير عن هذا صراحة بقولهم "أضربك لأجل مصلحتك ولأني أحبك" مثلًا يخلق عند الطفل رابطًا غريزيًا بين الحب والألم مما قد يكون له آثارًا سيئة كثيرة لاحقًا منها السادية 

يعتبر كتاب أبي الذي أكره واحدًا من أهم الكتب التي يجب مطالعتها للآباء والأبناء على حد سواء،

كيفية التعامل مع الإساءات ومراحل تطورها

يشير الكاتب إلى أن التعامل مع الإساءات يكون بطريقتين؛ أولًا: تجاهلها، وهذا يسبب بلا شك تأزمًا واضحًا لأنه هروب من المواجهة مما يعني انهيارًا وشيكًا ومجازفة للسقوط إلى الهاوية. ثانيًا: التعافي منها، مما يعني مواجهتها ومصارحة النفس بها والسماح لها بالعبور والتكشف.

كما يشير الكاتب إلى أن للإساءة تطورًا لا بد لنا من معرفته وهو ينقسم إلى 4 أقسام هي:

  • الإنكار: إنكار الإساءة والذي قد يتمثل في الرغبة في تقمص دور واحد بين أفراد الأسرة كالضحية مثلًا أو إنكارها من خلال الضحك ومحاولة صناعة البهجة المفقودة في النفس أصلًا.
  • الغضب: والمطلوب هنا هو تقبل الغضب لا الغضب منه، فالطبيعي هو أن تشعر بالغضب جراء تعرضك لإساءة معينة ولكن الهروب من مشاعر الغضب تؤدي إلى تكوين قنبلة موقوتة قابلة للانفجار بأي وقت ودون سابق إنذار.
  • وضع الحدود واستعادة الذات: مما يعني إيقاف الأذى واسترجاع الشعور بالثقة المفقودة، ويمكن هذا من خلال ممارسة أنشطة تساعد على فخر المرء بنفسه كتعلم لغة جديدة مثلًا أو رياضة معينة.
  • التجاوز: وهي مرحلة التسليم وفتح معبر آمن للمشاعر للرحيل دون عودة، ويعتبر الوصول لهذه المرحلة بمثابة الشفاء التام.

 

نرتكب الكثير من الأخطاء في تربية أبناءنا، وقد يعيبنا الاستعانة بالكتب والمصادر التي تؤهلنا لخوض تجربة التربية بشكل صحيح لذا يعتبر كتاب أبي الذي أكره واحدًا من أهم الكتب التي يجب مطالعتها للآباء والأبناء على حد سواء، لما فيه من نصائح مخفية تمكننا كأولياء أمور من تجنب العديد من الأخطاء التي قد نقع بها بعلم وبغير علم، كما تمكننا كأبناء من التجاوز والتعافي.