21-فبراير-2022

القاص والشاعر مبارك حسني

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


مبارك حسني قاص وشاعر وناقد فني وسينمائي من المغرب. يكتب باللغة العربية والفرنسية. صدر له بالعربيّة: "رجل يترك معطفه"، و"الجدار ينبت هاهنا"، و"القبض على الموج"، و"حبر على الهامش"، "كاتب في باريس". وصدر له بالفرنسية مجموعتين قصصيتين وديوان شعر.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

القراءة ثمّ القراءة، الّتي ورطتني الوَرطة الكُبرى الّتي تتجلّى في الانبهار بعالم الكتب وحياة الكتّاب. واقترنَ ذلك مع سنوات مراهقةٍ لم تكُن مريحةً كثيرًا، بلْ مليئة بأسئلة وجوديّة وَجدت صَداها على الورقِ الأبيض.

كيف تمّ المُرور إلى الكتابة؟ ليس هنالك من جواب واحدٍ وشاف. لكنّ الّذي يبدو لي صائبًا تجلّى في الرّغبة في محاكاة الصّفحات الّتي أثّرت في ذاتي عميقًا ورجّت أحاسيسي. حينها شرعتُ في تدبيجِ مذكّرات يوميّة، انطلاقًا من واقعي الشّخصي. فكانت هي بذلك المشتل لتعلُّم الكتابة، رويدًا رويدًا. إلى أن جاء يوم انتقلت فيه إلى الكتابة مباشرة على الورق الأبيض، انطلاقًا من التّخييل. لكن هذه دامَت وقتًا أطول.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

في البداية، رواية "الأحمر والأسود" لستاندال، قصص كاثرين مانسفيلد، "التحوّل" و"اليوميّات " لكافكا، روايات جان بول سارتر، روايات دوستويفسكي وتورجنييف، روايات إرنست همنغواي، روايات توفيق الحكيم الأولى، أشعار أبولينير وبودلير ورامبو وديسنوس وريفيردي وإيلوار ورينيه شار، ماياكوفسكي.. كلّها كان لها أبلغ تأثير. بعد ذلك تعدّدت القراءات وتشعّبت، وتعدّد التأثير بذلك، كتب هنري ميللر، وبليزسندرار، والشّعراء المُحدثين. ثمّ بعد ذلك صارت العلاقة أكثر رصانة وتحرّرت من "وصاية" ولو شئت سلطة الانبهار الأوّل.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

إرنست همنغواي، لأنّه حرّر الأدب والكتابة من الثّقل والنخبويّة. أستطيع القول أنّه جعل الكاتب إنسانًا يمشي بين الناس. حين قرأت رواياته وقصصه، اكتشفت أنّه بالإمكان الكتابة عن أيّ شيء، عن أبسط الأشياء وأتفهها كما عن أجلّ ما في البسيطة. ثمّ كتابة ذلك بأسلوب يعتمد كلمات كلّ يوم، يعتمد أصغر قاموس ممكن من التّعابير والصّيغ. عكس ما كان يُنقَلُ إلينا من بلاغة فخمة فارغة مُتعالية.

زد على ذلك أنّ الرّجل كان كاتبًا يعيشُ الحياة بكامل جوارحه، ولم يكن الكاتب الغارق في الأوراق والكتب فقط، والّذي لا يرتكب الأخطاء، حسب التصوّر الّذي كانَ سائدًا في محيطنا العربي آنذاك.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

عادةً لا أكتبُ ملاحظات. أحبّ أن أؤطّر ما يُثيرني ويُعجبني، وأسعى إلى حفظه عن ظهر قلب. طبعًا أتوفّر على مذكّرات أدوّن فيها بداية نصوص قصصيّة، بيت أو بيتين، مقدّمة لمقال، وصف لمشهد مثير، جملة التقطتها أذناي صُدفة. وهذا غالبًا ما يُشكّل إرهاصات الكتابة القادمة.

لا أمزّق ما دوّنته ولا أتخلّى عنه قطّ. الفكرة أو الجملة تبدو لي في لحظة كتابتها حاملةَ مشاريع. قد يتطلّب ذلك وقتًا طويلًا، وقد لا يتطلّب سوى بضع ساعات، من يعلم؟.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

أفادتني وتفيدُني التّكنولوجيا كثيرًا. لكنّي أظلُّ كلاسيكيَّ الهوى، وأحبّ أن ألمس الورق وأنا أقرأ كتابًا. علاقة فيزيقيّة. هي بالنسبة لي، وسيلة لا غير، ولم يتغيّر رأيي هذا. ما زلت أكتبُ على الورق وبالقلم، قبل أن أنقل كلّ شيء إلى الحاسوب. لكن الدّور العظيم الّذي وفّرته هو الحصول على المعلومة في الحين، توفّر القواميس، المقارنة مع نصوص ونصوص.

عند الكتابة الأولى، انتقل من الورق إلى شاشة الحاسوب أو المحمول بكلّ سلاسة.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

إنّها مكتبة تضمُّ الرّوايات والقِصص والدّواوين الشّعرية خاصّة تلك الصّادرة عن دار غاليمار، وكتب في التّشكيل والسّينما وأعداد كبيرة من ملحق لوموند حول الكتب الذي أحرص على اقتنائه كلّ جمعة. وطبعًا كُتب أصدقائي الأدباء والشّعراء.

مكتبة تمّ تشكيلُها شيئًا فشيئًا، حتّى ليمكن القول بأنّها شكّلت نفسها بنفسها، مع توالي الأيّام وتعاقُب الأنشطة والاهتمامات. ما يطغى في لحظات معيّنة يفرض اقتناء كتبٍ ما، تجدُ لها مكانًا خاصًا.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

لا أقرأ كتابًا واحدًا بل كتبًا متعدّدة. أخصّص لكلّ كتابٍ وقته. إلّا إذا تعلّق الأمرُ برواية لا يمكنُ الفكاك من أسر عوالمها. حاليًا أنهيت رواية "الحظ الأخير" لفرانسيس كاركو وهو كاتب أحبُّ عوالمه، وأعيد قراءةَ أشعار رامبو في طبعة جديدة وافية التّعليق والشّرح وبعض الإصدارات لكتّاب مغاربة وعرب.

صارت القراءة عمليّة متعدّدة المَشارب ومرافقتي يوميًا. أحيانًا القراءة في مجال معيّن في ارتباط اشتغال محدد. وفي جلّ الأحيان القراءة لمجرّد القراءة الّتي لا تستقيمُ الكتابةُ بدونها كما قلتُ أعلاه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة أيهم السهلي

مكتبة دارين حوماني