07-فبراير-2022

الشاعرة دارين حوماني

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


دارين حوماني شاعرة من لبنان مقيمة في كندا. حائزة على ماجستير في الإعلام وماجستير في إدارة الأعمال، وحاليًا طالبة دكتوراه في الإعلام. مارست الكتابة في الصحافة الثقافية في عدد من الصحف. نشرت ست مجموعات شعرية: أكبر من نافذة قطار (2008)، الياطر الحزين (2011)، ملاءات رقيقة في غرفة واحدة (2014)، مقامات الخيبة (2016)، العبور بلا ضوء (2017)، أشجار غير آمنة (2021).


·      ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

الحقيقة أنه لا يمكنني أن أتذكر نفسي بدون كتاب إلى جانبي منذ بدأت ذاكرتي تتشكل. كان يسكنني شغف منذ الطفولة بالقراءة والمعرفة. كان حلمي الصغير أن يكون عندي مكتبة كبيرة في بيتي عندما أكبر. لا نعرف كيف ومن أين يأتي هذا الشعور الذي يجعلك مختلفًا عن الآخرين من قبل أن تبلغ العاشرة من عمرك فتعشق الكتب منذ الصغر. أذكر في الأعياد أنني كنت أشتري القصص بـ"العيدية" التي أحصل عليها وهذا ما كان يثير العجب لدى رفاقي وأهلي.

·      ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

كل كتاب قرأته وأحببته ترك في داخلي شيئًا ما. لكن ثمة كتب تشعر عندما تقرأها أنها ترميم لكسر ما في داخلك، وتعويض عن شيء خسرته أو فقدته. ننسى خيباتنا حين نغرق فيها. أخذتني كتب السياسة في فترة من حياتي كنت أدرس فيها الصحافة، لكن شغفي الحقيقي كان في الأدب، بل كنت مهووسة بالعثور على كل الكتب المترجمة إلى العربية شعرًا ورواية لاقتنائها. المكتبة العربية قدّمت لنا كتبًا رائعة، والأسماء لا تحصى لكن غسان كنفاني قتلتني كتاباته، كان لها تأثير كبير عليّ في انتقالي من حالة الشغف بالقراءة إلى الشغف بالكتابة، كنت يومها لا أزال في السابعة عشر من عمري. وبعد قراءات كثيرة شرقًا وغربًا أعتقد أن قراءتي لإميل سيوران كان لها تأثير كبير في رؤيتي للعالم وفي إحساسي الدفين تجاه أخطائي وخيباتي.

·      من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

الحقيقة ليس عندي كاتب مفضل، إنهم كثيرون، أحب كل الذين قرأتهم وأثّروا بي، ولم يتركوني. لكن هناك كتّابًا أبحث عن كتبهم عندما أشعر بالحزن، أشعر أني بحاجة لرفقتهم، وأخرج من حالتي إثر قراءتهم، يملؤني إحساس بالألفة والحميمية مع كلماتهم. منهم فرناندو بيسوا وسيوران وألبرتو مانغويل وكافكا ونيتشه، وعربيًا أحب قراءة عباس بيضون وواسيني الأعرج وأدونيس، وكما قلت لك ليس من كاتب واحد أفضّله على آخرين.

·      هل تكتبين ملاحظات أو ملخصات لما تقرئينه عادة؟ 

إذا كانت القراءة شخصية فلا أكتب ملاحظات ولا ملخصات لكنني لا أقرأ من دون أن أحمل قلمًا في يدي. أحب تسطير الجمل التي لها معنى عميق، ولهذا لم آلف بعد القراءة الإلكترونية للكتب. بعد أن بدأت أكتب مقالات في الصحافة الثقافية أصبحت قراءتي للكتب مختلفة بحيث أنني إذا أردت كتابة مقالة عنه لا أكتفي بالتسطير بل ألجأ أيضًا إلى كتابة الفكرة الرئيسية من الصفحة أو عدد من الصفحات، علمًا أن الكتاب مهما كان الهدف منه، لمعرفة شخصية أو لكتابة مقالة عنه ففي الحالتين لا يمكنني أن أقرؤه قراءة عابرة، أنا أحب الكتب عندما أقرؤها وأشعر فعلًا بحاجة للعيش معها لأتمكن من التقاط الأشياء الجميلة منها لنفسي أو للكتابة عنها.

·      هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

لم أتمكن بعد من حب هذه التكنولوجيا. أحب أن ألمس الكتاب، وورق الكتاب، قد أبدو متأخرة وأنا أقول هذه الكلمات. القصة أن علاقتي مع كل ما هو ورقي علاقة فيها الكثير من الحميمية. الأمر ينطبق أيضًا على الصحف، أحب الورقي منها. حاولت أن أقرأ كتبًا إلكترونية لكنني لم أشعر بالانسجام والألفة، ثمة شعور آخر يصلني من الكتاب الإلكتروني، فقدان المعنى.

·      حدّثينا عن مكتبتك؟

مكتبتي عمرها ثلاثون عامًا، وقد كبرت معي. لم أرثها، فأنا من عائلة لم تكن لها علاقة مع الكتب. كنت في الصف السابع عندما اتخذت معلمة اللغة العربية قرارًا جميلًا وهو أن كل من يحصل على العلامة الكاملة سيحصل على كتاب، ومنذ ذلك الوقت بدأتُ ببناء أول رف من مكتبتي. وصرتُ منذ سنين مراهقتي أنتظر معرض الكتاب العربي الدولي، وأخصّص له ميزانية سنوية من مصروفي الشخصي، وكان على المقرّبين مني أن يشتروا لي كتبًا في عيد ميلادي إذا أرادوا إهدائي. فيما بعد، بدأت أقصد دور النشر التي أعرف أنها تنشر الكتب التي أفضّلها. كنتُ متعاطفة جدًا في صغري مع القضية الفلسطينية، ولا أزال، لكن وقتها أثّر ذلك على قراءاتي والكتب التي أختارها، فكنت أقتني كل ما يقع أمامي من شعر ورواية وتاريخ عن فلسطين. مكتبتي فيها الآن من الكتب السياسية والتاريخية التي استهوتني في فترة معينة، ومجلات ودوريات ثقافية، أما الأغلب فهي كتب أدبية، شعر ورواية وقصص قصيرة ومسرح، أو كتب فكرية وبحثية وفلسفية ومنها ما له علاقة بالفن التشكيلي الذي له مكانة حميمة في قلبي. كنت في البداية أقتني الكتب العربية ومع الوقت بدأ علاقتي مع الأدباء العالميين تكبر، فأصبحت مكتبتي الغربية هي الغالبة. يقول ألبرتو مانغويل: مكتبتي هي مملكتي الخاصة، وبعد أن أصبح عندي مكتبة كبيرة في بيتي أقول إن مكتبتي هي بيتي الفعلي، وأشعر أنني وأنا بعيدة أنني من دون بيت. وما أحزن لأجله أنني لم أتمكن من أن أحمل مكتبتي معي، التي شكّلت هويتي مع الزمن، عندما هاجرت مؤخرًا من لبنان إلى كندا. حصولي على إقامة الهجرة الكندية جعلني أهجرها وقد سبّب لي ذلك فعلًا الألم. مكتبتي كانت رفيقتي في مواجهة العزلة والوحدة، فكيف إذا تركتُ بيروت وعالمي كله هناك، وأصبحتُ في قلب العزلة الحقيقية. تمكنتُ من أن أحمل معي عددًا قليلًا من الكتب فقط، وكانت أولى خطواتي في مونتريال التفتيش عن مكتباتها.

·      ما الكتاب الذي تقرئينه في الوقت الحالي؟

أقرأ "أنا القدس" لجيلبير سينويه، وفيه تتكلم القدس عن تاريخها، تأخرت في قراءته، فقد صدر بالعربية منذ عامين تقريبًا. وأقرأ للويز غليك، مختارات من قصائدها ترجمها الخضر شودار ونشرها مؤخرًا في كتاب "الموسيقى المشوشة التي تأتي من الأشجار".

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة فوزي ذبيان

مكتبة هند الديوان