28-مارس-2018

الناقد لونيس بن علي

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


 لونيس بن علي كاتب وناقد من الجزائر. أستاذ تعليم عال في جامعة بجاية الجزائرية، متخصص في النقد المعاصر. تناول بحثه لنيل الدكتوراه "النقد الثقافي، إدوارد سعيد نموذجًا". يعدّ من أكثر النقاد الشباب متابعة لجديد النص الأدبي الجزائري، خاصة الرواية. من كتبه النقدية "تفاحة البربري".


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

قبل أن أكتشف الكتابَ اكتشفتُ سحر الألوان منذ طفولتي الأولى؛ فمنذ صغري أحببتُ الرّسمَ، وقرّرتُ مع نفسي أن أصير رسّامًا عالميًا. لقد حدث هذا منذ زمن بعيد، ولم يبق من هذا الحلم إلاّ بقايا ذكريات الطفولة العالقة.

الحقيقة أنّ حضور الكتاب في البيت لم يكن ملفتا للنظر، باستثناء بعض الروايات القديمة التي كان الوالد – رحمة الله عليه – يقرأها، وهي من بقايا زمن الاشتراكية، وأغلبها كانت باللغة الفرنسية، وتنتمي إلى الأدب الروسي. للأسف، لا أدري كيف اختفت كلّ تلك الروايات، ربما كان بسبب تنقلاتنا الكثيرة، بالنظر إلى طبيعة عمل الوالد.

كان أوّل احتكاك حقيقي لي بالرواية، مع رواية بوليسية أمريكية، أتذكر جيدًا غلافها الأسود، وأوراقها الصفراء التي تبعث منها رائحة الورق القديم، كان عنوانها "السلاسل الجبلية العالية" ولا أتذكر اسم الروائي، لكن أكيد أنّي اكتشفت سحر القراءة، قراءة الرواية تحديدًا، ولا أنكر أنّي إلى اليوم ما زلت متعلقًا بهذا النوع الروائي.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

كل مرحلة يلتصق بها كتاب ما، لا أنسى تلك الليلة التي استغرقتها في قراءة كتاب "رنين الحداثة" للمرحوم بختي بن عودة، وكنتُ حينها طالبًا جامعيًا. شيء ما تغيّر في نظرتي إلى الحياة، وإلى أسئلة الوجود.

لقد عرفتُ منذ تلك الليلة الطريق الذي سأختاره؛ بختي بن عودة، دمّر في داخلي عالمي القديم، وقذفني نحو عالم لابد أن أصنعه بنفسي – أليست هذه بالذات لحظة كانطية؟ - كان لتأثير هذا الكتاب على رؤيتي، وعلى أسلوبي في الكتابة واضحًا إلى اليوم.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

ليس هناك كاتب مفضّل، بالنسبة لي كل كاتب جيّد هو كاتب مفضّل عندي. وبحكم أكاديميتي، فأنا أجد كتابات إدوارد سعيد مُلهمة بالنسبة لي، وحداثية بشكل مستفز. يهمني أكثر، أسلوبه في الكتابة النقدية، وقدرته العجيبة على الدمج بين الفكرة السياسية والفكرة الأدبية، بين النقد الثقافي ونقد السرديات الأوروبية.. إلخ.

 أحب أيضًا ما يكتبه ميلان كونديرا نقديًا، فهو لم يكتف بالرواية إبداعًا، بل نقدًا أيضًا، وقراءاته في غاية العمق، اليوم أجد أنّ الروائي كمال الرياحي يمثل نموذجًا مهمًا لكاتب المقال الروائي، وهو يمتلك أسلوبًا يؤهله لأن يكون صاحب قلم نقدي فريد من نوعه، وبالمناسبة سيصدر له كتاب بعنوان "فن الرواية" بالجزائر عن منشورات "الجزائر تقرأ".

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

النصوص الجيدة هي النصوص التي تحرّضك على الكتابة عنها، أو تدفعك لأن تكتب شيئا ما. انطلاقًا من هذا المبدأ، أصبحتُ أتعاطى القراءة لأجل الكتابة، والكتاب الذي لا يحرّضني على الكتابة قد ألقي به في بداية الطريق. لهذا، فتسجيل الملاحظات على كراريس خاصة أصبح طقسًا حميميًا عندي، وكما قال لي يومًا صديقي الروائي إسماعيل غزالي: أنت تشبه بول أوستر في ولعك بهذه الكراريس. الكتابة تعني نوعًا من الحوارية الفاعلة مع النصوص لحظة قراءتها، وأجد أن منسوب المتعة والفهم يزداد أكثر عند تدويني للملاحظات، أو للاقتباسات. وما زلت أحتفظ بكثير من الكراريس التي أعتبرها ثمينة جدا، ويمكن الاستفادة منها أكثر من مرة.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

تغيّر الوسيط المادي له تأثيره على نوعية تلقينا للنصوص. اللوح الإلكتروني أصبح ضروريًا. أنا أنظر إليه كضرورة، وليس كبديل. صحيح أن للكتاب الورقي ميزته الخاصة، لكن لن أنسى بأن الكتاب الإلكتروني قد أنقذني أكثر من مرة، حين يكون الحصول على النسخة الورقية أمرًا صعبًا، ثم لا ننسى أن للقراءة الإلكترونية اليوم ميزاتها العملية، والتي تساعد أكثر في عملية القراءة. شخصيًا، أفادني الكتاب الإلكتروني، وأعتبر اللوح الإلكتروني مكتبة موازية للمكتبة التي شيدتها بالبيت. يبقى أنه من الضرورة التأكيد على مسألة أساسية، وهي أنّ توفري على نسخة إلكترونية من كتاب ما لا يمنعني من اقتنائه في نسخته الورقية.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟ ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

قبل سنوات قليلة، كنت لا أملك إلا طاولة صغيرة أضع فوقها عدد قليل من الكتب. أتذكر تلك المرحلة، كانت ندرة الكتاب تمنحه سحرًا خاصًا. اليوم، تمكنت من تشييد مكتبة متخصصة، ومتنوعة. وكما أقول: إنها الجنة التي ألوذ إليها من عبث هذا العالم. أن تعيش داخل مكتبة، يعني أن تكون لامباليا إزاء ذلك العبث.

لقد فرغت منذ أيام من قراءة رواية "عزلة الثلج" للروائي المغربي إسماعيل غزالي. يعجبني أسلوبه السردي، وقدرته الفذة على التخييل، وأنا بصدد كتابة مقال عن هذه الرواية الجميلة ذات الإيقاع الجمالي والفلسفي. كما أني شرعت في قراءة آخر رواية للروائي الجزائري الكبير الحبيب السائح "من قتل أسعد المروري". السائح روائي مُخضرم، وقراءته طقس سنوي لا أفوته. كما أني أقرأ في الوقت نفسه رواية سلمان رشدي "سنتان وثمانية شهور وثمان وعشرون ليلة"، الرواية فانتازية بامتياز، لكنها تعيد بعث تلك الحرب الأبدية بين الخير والشر. فلسفيًا، منشغل منذ أسابيع بالقراءة عن تاريخ الأنوار الأوروبية، صحيح أن القراءة جاءت في إطار تدريسي لمادة التيارات الفكرية في الجامعة، لكنها كانت فرصة للاقتراب أكثر من النصوص التأسيسية لهذه المرحلة الحاسمة في تاريخ أوروبا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة أسماء الغول

مكتبة تيسير خلف