23-نوفمبر-2020

الكاتب علاء الدين شهاب

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


علاء الدين شهاب أحمد كاتب من العراق. يكتب مقالات في مجال النقد الأدبي. يعمل مدرّسًا للغة الإنجليزية.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

علاقتي مع الكتاب علاقة قديمة جدًا، ولا أعرف على وجه الدقة أسباب تعلقي بالكتاب. ففي طفولتي كانت المكتبات المدرسية تشدني الى رفوفها بمغناطيس عجيب. في الصف الرابع ابتدائي، عندما كان عمري تسع سنوات، أخذتنا معلمة اللغة العربية إلى مكتبة المدرسة، وكانت حصة الدرس في حينها هي المطالعة الخارجية. انبهرت حينها بجو المكتبة. أحسست في تلك اللحظة أنه المكان الذي أنتمي إليه، وأن الكتب الجالسة بأناقة باذخة على رفوف المكتبة تناديني بمحبة وحنان. لحسن حظي كانت مكتبة المدرسة عامرة جدًا، ففيها ما لذ وطاب من قصص وحكايات للأطفال والناشئين، وعناوين لصحابة كرام وقادة عرب وشخصيات إسلامية وسير لعلماء وأدباء أفذاذ. بدأت استعير عشرات القصص وأقرأها بنهم شديد، وأذكر أنني نلت جائزة في المدرسة الابتدائية كأكثر طالب استعارة وقراءة للكتب، وفرحت حينها بالجائزة كثيرًا. كنت أنهي واجباتي وأتفرغ بعدها للمطالعة الخارجية. لم يشجعني أحد، إنما كانت الكتب تجذبني بشدة وتغريني أغلفتها وأوراقها، ويسحرني تقطيعها بأحجام وقياسات مختلفة. كنت وما زلت مفتونًا ببياض أوراقها ونصاعتها، ومسلوب الإرادة أمام رائحة أوراقها، وذلك السحر العجيب الذي يتدفق علما وحكمة من بين دفتي الكتاب، حتى أنني كتبت عن تلك العلاقة مع الكتب على لسان أحد أبطال روايتي القادمة. أذكر أيضًا ان خالي العزير كان يشغل منصب أمين إحدى المكتبات الوطنية في بغداد، وكان يغمرنا بعطفه كلما جاء إلى بيتنا يحمل أعدادًا كثيرة من مجلات وقصص للأطفال، إذ كانت توزع مجانًا للمكتبات الوطنية في حينها، خصوصًا أعداد "مجلتي" و"المزمار"، اللتين كانتا رافدًا تعليميًا وتربويًا للأطفال في ذلك الوقت. وقد كانتا في المرتبة الأولى لأطفال العراق بمواضيعهما وحكاياتهما وتصميمهما وإخراجهما الرائع.

في الثانوية، كانت مكتبة المدرسة كبيرة وعامرة تضم مصادرَ مهمة ونادرة أيضًا. كنت أقضي أوقاتًا كبيرة بين رفوف المكتبة قارئًا ومطالعًا أثناء الدروس الشاغرة. وحدث ذات يوم أن جاءت أمينة مكتبة جديدة للمدرسة، وكانت الأمينة السابقة قد أوصتها إذا أشكلت عليها مسألة بخصوص الكتب أو مصادرها فيمكنها الاستعانة بعلاء، فهو يكاد يحفظ عناوين الكتب وترتيبها وأماكنها، وفعلًا كانت تطلب مني المعونة في الدروس الشاغرة للبحث عن مصدر معين أو تنظيم الكتب وغيرها، وكنت أجد سعادة عجيبة وأنا أقوم بذلك منغمرًا بين تلك الرفوف والمصادر.

ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

تحتل كتب التراث مساحة كبيرة في تشكيل ذائقتي واهتماماتي، بالإضافة الى كتب الأدب واللغة فهي مجال اختصاصي ومجال عملي أيضًا، إذ أعمل حاليًا مدرسًا للغة الإنجليزية.

في كتب التراث، أجد الانتماء والهوية والأصالة، كما أجد اللغة العذبة والجمال التركيبي والبنائي. ففي كتب السيرة والحديث الشريف مثلًا أجد عبارات في غاية الفصاحة والبلاغة، أبقى مشدوهًا أمام روعتها وجمال لغتها، بالإضافة طبعًا إلى دروسها الأخلاقية وأبعادها الإنسانية الرائعة، وأجد ذلك أيضًا في كثير من كتب التراث الأخرى، وعلى وجه الخصوص كتب التفسير والتراجم والسير.

أيضًا كتب الأدب من شعر ونثر تحتل مساحة كبيرة في تشكيل ثقافتي الفكرية، فقد شكّل السرد الروائي بمدارسه المتنوعة اهتمامًا كبيرًا بالنسبة لي كقارئ ومهتم في مجال الفكر الإنساني العالمي. أصبحت الرواية الفن الأقرب إلى النفوس في هذا الوقت، لذا كان لا بد من دراستها والاطلاع على مدارسها المتعددة، وتحليلها ونقدها إذا تطلب الامر، فالقارئ ناقد في الوقت ذاته، يقرأ بعين الفائدة والاستحسان تارة، وبعين النقد والتمحيص تارة أخرى.

أما في مجال اللغة فقد كانت دراستي الجامعية ذات صلة وثيقة باللغة، خصوصًا اللغة الإنجليزية مما أتاح لي الاطلاع على كثير من الأعمال الادبية بلغتها الأم دون اللجوء الى الترجمة، إذ إنه من المعروف أن أغلب الترجمات تقلل من قيمة النص مهما بلغت براعة المترجم أو المترجمة.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

لا يمكن الاجابة عن هذا السؤال بسهولة إذا كما أن هناك مئات الأنواع من الفواكه والأكلات اللذيذة، وكل فاكهة لها مذاقها الخاص، وكل أكلة لها طعمها ونكهتها الخاصة، فإن الكتاب كذلك. كل كاتب يكتب عصارة فكره بنكهة مميزة تميزه عن الآخرين. وكما أن ألوان الثقافات متعددة ومتداخلة فيما بينها سيصعب تحديد الكاتب المفضل ولون كتابته.

بالنسبة لي أميل دومًا إلى الكاتب المجدد في الفكر والأسلوب والفهم. نحتاج دومًا إلى تجديد الخطاب في كل أصناف العلوم.

في الفكر الإيماني الفلسفي أميل إلى أسلوب الأستاذ النورسي في رسائله الرائعة عن الكون والإنسان والطبيعة وعلاقة كل ذلك بالخالق جل شأنه. وتشريحه لدواخل الإنسان ثم تسليط الضوء على فقره وعجزه أمام التحديات التي تواجهه، ثم إرشاده بأسلوب عقلاني منطقي إلى نقطة ارتكاز قوية لمواجهة ذلك العجز والضعف وهكذا ...

أما في المجال الادبي فهناك أقلام تكتب بمنتهى الروعة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر؛ الكاتب محمد المنسي قنديل في الأسلوب واللغة، وإبراهيم الكوني في أدب الصحراء، وهيرمان هيسه في الفلسفة والفكر، وأنطون تشيخوف لسان الإنسانية وقلبها المفجوع، وشكسبير في الشعر والحكمة وجمال المسرح الإنجليزي، وأمبرتو إيكو في الحبكة والغموض والتشويق، وفؤاد التكرلي وعلي بدر في السرد الروائي وغيرهم كثير.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

إذا كان العمل يشدني بأسلوبه وفكره فعادة أكتب مراجعة مطولة عنه أذكر فيها نقاطًا معينة عن ذلك العمل وانطباعاتي وآرائي حوله. وأحيانًا أنقد العمل نقدًا فنيًا وأسلط الضوء على أهم ما جاء فيه. وفي أحيان أخرى أكتفي فقط بتعليقات معينة على الكتاب، أو ترك إشارات وعلامات على الأسلوب وجماليته وهكذا، فعادتي أبحث عن جمال العبارة والفكرة. وأحيانًا أصوب الأخطاء اللغوية أو النحوية حسب فهمي وضمن حدود ثقافتي اللغوية المتواضعة.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

بالعكس لم تتغير بل ربما ازدادت أكثر. فأنا بطبعي لا أميل إلى الكتاب الإلكتروني ولم أقرأ كتبًا إلكترونية ألا أعدادًا قليلة جدًا تعد على أصابع اليد. متعتي الحقيقية هي عندما أمسك بالكتاب وأقلّب صفحاته وأستنشق أوراقه وعطره. ولكن للأمانة فإن القراءة الإلكترونية كانت وما تزال مفيدة جدًا لشريحة كبيرة من المثقفين والمولعين بالمطالعة وأعرف الكثير منهم. كما أنني استفدت كثيرًا من القراءة الإلكترونية في مجال المقالات والخواطر والقصص القصيرة المنتشرة بكثرة على صفحات الأصدقاء وأصحاب الأقلام المبدعة الذين لاقت كتاباتهم إقبالًا كبيرًا ومتابعات متزايدة. فمثلًا هناك طبيبة من مصر تكتب على صفحتها مقالات وخواطر بمنتهى الصدق والتجرد وتؤثر بي كثيرًا. وكذلك هناك أقلام لكاتبات وكتّاب من الجزائر وسوريا والسعودية والأردن، وأكيد من بلدي العراق وهي كتابات بمنتهى الإبداع والتمكن.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

بعد عودتي من عملي، فإني أقضي جل وقتي بين أهلي وكتبي. كلاهما يمنحاني سعادة كبيرة. فالعائلة تمنحني دفء المشاعر والكتب تمنحني دفء المعرفة، وكلاهما مهم لمواجهة برودة العلاقات والقيم وتصحر المفاهيم والمبادئ في هذا الزمن الصعب.

في الواقع، أنا أملك مكتبتين، إحداهما في ببت والدي رحمه الله والأخرى هنا في منزلي الجديد. والحمد لله فمكتبتي تضم أمهات الكتب والمراجع، بالإضافة إلى كتب متعددة في التراث واللغة والأدب.. ما زلت أسعى جاهدًا لقراءة كل ما تقع عليه عيناي من كتب وعناوين أجدها تزيد من إثرائي المعرفي والفكري، وتمنحني حلاوة المعرفة وطمأنينة الحقائق والعلوم، والله أسأل أن يزيدني علمًا وفهمًا.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

حالياً أقرأ كتابين متزامنين الأول هو "السيرة النبوية" للدكتور محمد أبي شهبة، وهي القراءة الثانية لي في هذا الكتاب الرائع والمرجع المهم، وهو برأيي من أفضل من كتب بالسيرة العطرة في العصر الحديث.. وأيضًا رواية "أرض السواد" للكاتب عبد الرحمن منيف، وهي تتناول تاريخ العراق في ظل الحكم العثماني وما يدور في البلاد من صراعات حول الحكم، بالإضافة الى سرد الظروف الاجتماعية والسياسية التي مرَّت بها البلاد أبان تلك الحقبة، وذلك بأسلوب أدبي رصين ومتجدد، فهو يمزج بين الفصيح والعامي في محاولة لتقريب الشخصيات إلى ذهن المتلقي وتصويرها وكأنها تعيش أمامنا بشخوصها وحواراتها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة أماني فوزي حبشي

مكتبة أحمد جابر