17-فبراير-2020

الشاعر والمترجم أحمد زكريا

ألترا صوت - فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


أحمد زكريا شاعر وكاتب ومترجم مصري عن التركية، له مجموعة شعرية بعنوان "مناخ غير ملائم لوردة". صدرت له ترجمة مشتركة لـ"ثلاث سنوات ونصف" للروائي التركي أورهان كمال.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟ 

بلا شك، جدي لأمي هو الذي جاء بي إلى عالم الكتب. إسماعيل أفندي أو "سُمْعَة" كما كان يناديه أحفاده، كان رجلًا متعلّمًا في مصر الثلاثينيات، ومتابعًا جيّدًا لحركة رواد الثقافة المصرية، بحكم صداقته للموسيقار محمد عبد الوهاب في شبابه، فكان قريبًا من دوائر الكُتّاب والمثقفين في تلك المرحلة. هو الذي أدخلني إلى عالم الشعر والأدب والمَغنَى؛ سمعت معه عبد الوهاب ومنيرة المهدية، وكان ذلك مختلفًا تمامًا عمّا يسمعه أبناء جيلي، وقرأ لي المتنبي والمعري، وسمعت منه أسماء طه حسين والعقاد والمازني والمنفلوطي والرافعي وغيرهم، ثم أصابني ما أصاب الكثيرين في مصر والعالم العربي، وصرت سلفيًّا فجأة وهجرت كل ذلك لأربعة أعوام، لكنني لم أترك القراءة أيضًا، فقط اختلفت نوعية الكتب، وبالتالي فقد زار مكتبتي في هذه المرحلة كتب، مثل "فتح الباري" لابن حجر العسقلاني، و"العقيدة الطحاوية" و"كتاب التوحيد" لمحمد بن عبد الوهاب، وفي نهاية هذه المرحلة ذهبت يومًا ما إلى مكتبة مبارك بجوار منزلنا (تغير اسمها بعد ثورة يناير إلى مكتبة مصر) وهنا تعرفت على نجيب محفوظ الذي كان مُحرّمًا علينا، وبدأت بإحدى رواياته، وقلب حياتي عقبًا على رأس، وبدأت ألتهم رواياته واحدة تلو الأخرى ثم بدأت مرحلة جديدة من حياتي.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

بالتأكيد يختلف هذا الكتاب في كل مرحلة عمرية، لكن الكتاب الذي لن أنسى تأثيره في حياتي هو كتاب "العبرات" للمنفلوطي، كنت أقرأ هذا الكتاب وأبكي بحرقة في نهاية كل قصة. كان يصاحبني أينما ذهبت، وهو الكتاب الذي أدخلني إلى عالم سرقة الكتب أيضًا، فهو أول كتاب أقرر أن أسرقه من مكتبة مصر العامة، كان مسموحًا لي استعارة خمسة كتب لأسبوعين، وكنت أستعيره وأجدد استعارته كل مرة، لكنني لم أكتف بذلك، وشعرت بضرورة امتلاكه حتى يكون ضيفًا دائمًا في مكتبتي الصغيرة التي بدأت في تكوينها آنذاك، ولأنني نجحت في سرقته تجرّأت بعد ذلك على سرقة أعمال المنفلوطي الكاملة من معرض القاهرة للكتاب ثم بدأت رحلتي في عالم سرقة الكتب من مكتبات وسط البلد في القاهرة حتى أنهيت دراستي وعملت بالصحافة وصرت قادرًا على شراء الكتب، لكنني أعترف أن للكتب المسروقة مذاقها الخاص. ولا يغيب عن بالي أبدًا لحظات المخاطرة التي مررت بها أثناء سرقتي لرواية "العطر" لباتريك زوسكيند من مكتبة في وسط القاهرة، وقرأتها في الطريق إلى البيت وشعرت بأن شغفي بسرقة الكتب يشبه شغف بطل الرواية بالروائح.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

هذا سؤال يتغير أيضًا بحسب كل مرحلة، لكن نجيب محفوظ كان كاتبي المفضل قديمًا، لأنني لم أجد مثيلًا له في تشريح المجتمع المصري، وأحببت الأبنودي من الشعراء المصريين، ثم جاءت أسماء عديدة بعد ذلك مثل دوستويفسكي وماركيز وغالب هلسا وإدواردو غالينو وعبد الرحمن منيف وأحببت مسرح هنريك إبسن، ثم بدأت أشعر أن الأدب وحده لا يكفيني فبدأت بقراءة مؤلفات أغلب المفكرين العرب كعابد الجابري وجورج طرابيشي وحسين مروة ومهدي عامل وهادي العلوي وإلياس مرقص، ثم عدت إلى قراءة الأدب مرة أخرى، لكنني مهتم بالأدب التركي حاليًا، بحكم عملي في الترجمة الأدبية من التركية إلى العربية، وتعلقت كثيرًا بأدب الأناضول وصرت عاشقًا لكثير من الكتاب الأتراك مثل يشار كمال وعزيز نسين وصباح الدين علي وناظم حكمت والقائمة تطول. أما عن لماذا أصبح كذلك، فقديمًا كنت أحب العمل الأدبي لذاته، لكنني لا أنكر أنني تغيرت تمامًا في هذا الأمر وصرت أحب أكثر الأعمال التي تشتبك مع الواقع أو تعطيني صورة لواقع ما فيما سبق. بمعنى أنني صرت أفضّل إذا قررت أن أقرأ رواية تركية مثلًا، أن أبحث عن رواية تتناول التغيرات الاجتماعية بعد انقلاب 1980، على سبيل المثال، وأن تكون عملًا فنيًا جميلًا في المقام الأول، بطبيعة الحال.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

أفعل ذلك مع بعض الكتب، وخصوصًا الكتب الفكرية وكتب التاريخ.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

ربما أكون محظوظًا في عدم ارتباطي بالكتب الورقية بشكل كبير، مثل أغلب الأصدقاء الذين يتحدثون عن ارتباطهم بالورق ورائحته وما إلى ذلك من علاقة أراها رومانسية. تعرّفت مبكرًا على الكتاب الإلكتروني، ويمكن أن أقول إنني تربيت عليه، فعندما كنت طالبًا بكلية دار العلوم لم يكن لدي دخل يمكنني من شراء بعض الكتب التي تُنشر مثلًا في بيروت وتُباع بالدولار، لأن مصروفي الأسبوع كان أقل من 25 دولارًا، لذلك كنت مجبورًا على حب الكتاب الإلكتروني!

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

لا أزعم أن لدي مكتبة خارقة، مكتبتي الأهمّ ما زالت في بيت أهلي بالقاهرة، ولدي مكتبة أخرى في بيتنا في قرية "وردان"، كنت أضع الكتب المهمة جدًا بالنسبة لي في مكتبة القاهرة أما مكتبة القرية فكانت تتضمن الكتب والسلاسل التي تحتاج إلى وقت كبير لمطالعتها عند ذهابي إلى القرية. الآن لم يعد لدي مكتبة من الأساس (بمفهوم المكتبة لدى الكُتّاب)، أشعر بغصة بالتأكيد عندما أقول ذلك، لكنني تركت مصر مضطرًا (مثل كثيرين من شباب جيلي بعد الانقلاب) وذهبت إلى تركيا. لم يكن باستطاعتي أن أسافر/ أهرب بكل كتبي، لكنني لا أنسى وأنا أدس بعض الكتب أثناء تجهيز حقيبة السفر، منها سلسلة المؤرخ الماركسي الأبرز في القرن العشرين إريك هوبزباوم، ورواية "بيرة في نادي البلياردو" لوجيه غالي، و"هكذا تكلم زرادشت" لنيتشه، وكم قرأت نيتشه وأنا ضائع في شوارع إسطنبول. ولأنني كثير التنقل بين المدن التركية، فليس لدي إلا الكتب المهمة التي لا يمكن الاستغناء عنها في مجال الترجمة الأدبية والأبحاث في التاريخ التركي والفلكلور في الأناضول، ولذلك فمن الصعب تكوين مكتبة كبيرة كما أحلم، "وربنا يخليلنا الـpdf".

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

قرأت قديمًا خماسية "مدن الملح" لعبد الرحمن منيف، لكنني رشّحتها حديثًا لصديقين أوروبيين يكتبان بعض الأبحاث عن العالم العربي، فأعيد قراءتها حاليًا معهما لمناقشتها، كما أقرأ ناظم حكمت بالتركية من جديد، وكأنني أقرأه للمرة الأولى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة أحمد سمير

مكتبة سنيا الفرجاني