17-يناير-2022

الباحث أحمد حنيطي

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


أحمد حنيطي باحث من فلسطين، حائز درجة ماجستير في علم الاجتماع من جامعة بيرزيت، مهتم بدراسة المسائل الاجتماعية والثقافية الفلسطينية، تركز دراساته على المناطق الفلسطينية المهمشة. من كتبه "التجمعات البدوية وسط الضفة الغربية".


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

بدأت علاقتي بالقراءة في النصف الثاني من السنة الجامعة الثانية، قبلها لم أكن أعرف من الكتب سوى الكتب المدرسية. التحقت بدائرة علم الاجتماع في جامعة بيرزيت، وفي السنة الثانية أخذت مساقا مع أستاذ الأنثروبولوجيا شريف كناعنة، حيث كنت عازفًا عن القراءة بشقيها الجامعية والحرة، وأخبرني إن كنت بحاجة لأي مساعدة، فقد حصلت على علامة متدنية في أول امتحاناته، زادت علاقتي بالدكتور كناعنة، مما زاد اهتمامي بقراءات مواد المساقات، لكن هذه القراءات لم تكن كافية لفهم المجتمع، غياب معرفتي بتاريخ القضية الفلسطينية، والفاعلين فيها، حدَّ كثيرًا من تفاعلي داخل الحصص الجامعية، ومن هنا بدأت أطلع على مصادر عن القضية الفلسطينية، وثانيًا عن قضايا أخرى في العالم، وخاصة قضايا تعرفت عليها من خلال المساقات الدراسية، وأردت التوسع فيها أكثر، وفي هذه الفترة أيضا دخلت مجال قراءة الروايات والسير الذاتية.

التحقت بعد التخرج بالعمل في مركز التراث والمجتمع الفلسطيني في إنعاش الأسرة، الذي كان يرأسه الدكتور كناعنة، وهذا الفضاء الثقافي والبحثي زاد من اهتمامي بالقراءة ومحاولات الكتابة، وفي إحدى المرات قلت للدكتور كناعنة قرأت كثيرًا وأريد أن أكتب، فقال لي جملة لا زالت ترافقني "ثقف نفسك بعدين ثقف غيرك"، لهذا أحرص دائمًا على القراءة.

حاليًا، أقوم بالقراءات المرتبطة بإنجاز كتابات بحثية، وقراءات أخرى للتسلية، ولكن العلاقة بين هذين النوعين من القراءات متينة ومكملة، فعلاقة أي ظاهرة بالظواهر الأخرى في المجتمع علاقة جدلية، فمن الصعب اخراج الظاهرة التي تود دراستها عن سياقاتها وعلاقتها كما هي في وضعها الطبيعي داخل المجتمع، فالكل يؤثر في الكل، وهكذا يجب أن يتم دراسته.

اهتمامي أكثر بدراسة حياة الناس العاديين، حيث معهم أتماها وأشعر بالحياة والوطن، ولهذا أستمتع بقراءة الكتب بمختلف أنواعها التي تتناول حياه الناس العاديين.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

 ليس هناك كتبًا بعينها، فأغلب الكتب، في حدها الأدنى، يوجد فيها ما يثير اهتمامي ويعمق مدارك التفكير والفهم، ولكن يمكن القول أن كتب الاقتصاد السياسي أضافت بعدا مهما في حياتي البحثية، وعمق لدي مجالات التفكير، ويمكن القول بأن كتب مهدي عامل، أكثرها تأثيرا في هذا المجال، وبالتحديد كتاب "مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني"، وكتبه الأخرى مثل "أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية"، و"في تمرحل التاريخ"، و"في قضايا التربية والسياسة التعليمية"، وساعدني الفهم الذي حصلت عليه من كتابات مهدي عامل، لا أدعي أنني فهمت تماما كتاباته، على فهم قضايا عديدة في المجتمع الفلسطيني والعربي، قضية أساسية أود الحديث عنها في كتابته وهو: الفرق بين العلاقة الجدلية والايديولوجيا في بنية الظاهرة الاجتماعية، مما يعني التمييز بين التغييرات الايديولوجية والتغيرات الحقيقية في المجتمع.

  • ما هو كتابك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

 أيضًا، ليس هناك كتابًا محددًا، ولكن تستهويني الكتابات التي تتحدث عن حياة الناس في بعدها الطبيعي والحميمي، أي الكتابات التي تعطي صورة أقرب إلى الواقع لحياة الناس العاديين بما تحمله من مشاعر وأحاسيس، وبعض الكتب يصل إلى درجة يجعلني أبكي أو أضحك، وأحيانًا أشارك زوجتي بقراءة مقاطع معينة من الكتاب، والكتب من هذه الفئة تكون عادة روايات أو سير ذاتية، وبدرجة أقل الأبحاث الميدانية التي تتضمن بعضا من الاقتباسات من المقابلات.

تجعلني السير الذاتية أعيش الأحداث وأتفاعل معها، طبعا إذا كانت الكتابة جيدة، وغالبًا ما أجد في السير الذاتية ما لا أجده في كتب التاريخ، فأستطيع من خلال السير الذاتية معرفة التوجهات والانطباعات للناس العاديين تجاه قضايا مختلفة، الكثير من الفجوات أو الإخفاقات في الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، حصلت على بعض خطوط أولية فيها من السير الذاتية، والتي تظهر في بعض المذكرات بأنها إنجازات وانتصارات وتضحيات وغير ذلك. إلى درجة معينة، تساعدي في عملية النقد كون أحد معاييره ليس ما يقول الكاتب، وإنما البحث عمّا يريد الباحث إخفائه.

إحدى الكتب التي جمعت بين السيرة الذاتية والرواية كتاب "أطفال الندى" للروائي والشاعر الفلسطيني محمد الأسعد، تفاعلت كثيرا مع أحداث هذا الكتاب، الكتاب يميز بين "ذاكرة السلطان وذاكرة الناس"، تذكرت أثناء قراءة الرواية المعلومات الجافة التي نحصل عليها من معظم كتب التاريخ والكتب المدرسية، ولهذا لا ترتبط بحياتنا وبالتالي تمحى مجرد الانتهاء من القراءة، كما تذكرت طفولتي في بلدتي عرابة وحكايتي مع "الحبلة" والسنسلة وشجرة التين واللوز والغنمة والأصحاب الذين لا تذكرهم كتب التاريخ، وكأن هذه الكتب تساند السياسة الصهيونية في طمس الذاكرة الفلسطينية المعبّر عنها بالناس وحياتهم ومشاعرهم.

أضف إلى ذلك، العواطف والمشاعر في كتب السير الذاتية تعمل على تحفيزي وتشجيعي للعمل وتطوير ذاتي، بغض النظر عمّا يشكل تحد أو عائق، وما يرتبط بها من تضحيات.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

بطبيعة الحال أستخدم قلم رصاص للكتابة على مساحات حواف الكتب، ولكن ليس كثيرًا إلا في حالات القراءة بهدف إجراء بحث، ولكن أكتب أثناء قراءتي الحرة بعض الملاحظات أو أضع علامة عند بعض المقاطع التي تثير اهتمامي أو تضحكني أو تبكيني، أو يمكن ان أستخدمها لاحقًا في كتاباتي، أحيانًا أشير إلى بعض الكتب داخل النص التي تثير فضولي لقراءتها. وفي كل الأحوال وصلت لحالة عدم راحتي في القراءة دون أن يكون بيدي قلم رصاص، فوجود القلم يشعرني بالطمأنينة كوني أستطيع أن أضع علامة أو كتابة جملة أو تلخيص وقتما أريد.

 موضوع اهتمامي البحثي وقراءتي الحرة، بما يشمل الروايات والسير الذاتية، مترابطان بشكل متين.

  • هل تغيرت علاقتك بالكتب بعد دخول الكتاب الالكتروني؟

أشعر براحة أكبر في قراءة الكتاب الورقي أكثر من الإلكتروني، ولو كان باستطاعتي لطبعت كل الكتب والمقالات التي أحصل عليها إلكترونيًا، وكثيرًا ما فعلت، الكتاب الورقي يشعرني بالدفء أكثر، وحتى فترة قريبة لم يكن باستطاعتي قراءة أي مادة تزيد عن العشر صفحات إلكترونيًا. ولكني مؤخرًا أخذت قرارًا بالتصالح مع قراءة الكتاب الالكتروني لوجود الكثير منه وعدم وجوده ورقيًا، وأيضًا لارتفاع تكاليف طباعته في فلسطين. وجود كتاب ورقي بين يدي وفي مكتبتي يشعرني بالدفء أكثر، ولذلك أعتز دائما بمكتبتي الورقية وليس بمكتبتي الإلكترونية.

  • حدثنا عن مكتبتك؟

لدي مكتبة ورقية أعتبرها جيدة، وهي باللغة العربية، تتضمن كتبًا عن القضية والمجتمع الفلسطينيين، إضافة إلى المجتمع العربي، وكذلك بعض الكتب النظرية في علم الاجتماع وعلم الانسان، وكذلك بعض الأدبيات التي تناولت الاستعمار بأشكاله المختلفة، كتب دور نشر مثل "الدراسات الفلسطينية" و"مركز دراسات الوحدة العربية"، و"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، من دور النشر التي أعتبرها جدية وأحرص على اقتناء كتب ورقية منها مما تقع ضمن اهتماماتي، إضافة إلى دور نشر أخرى، وبعض دور النشر اللبنانية وفي المغرب العربي.

 جميع كتب مهدي عامل أو ما كتب عنه متوفر لدي ورقيا وجزءًا منه إلكترونيًا، كما تتضمن المكتبة بعضا من السير الذاتية الفلسطينية، مثل كتاب "خارج المكان" لإدوارد سعيد، و"رسائل صاحب الكرمل" لنجيب نصار، و"بين الوطن والمنفى" لشفيق الحوت، و"تغريبة بني فتح" لوليم نصار، ومعظم السير الذاتية التي أصدرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية، مثل هالة السكاكيني وواصف جوهرية وغيرهم. أنتقي الكتب بعناية، وخاصة التي أكون على يقين بأنني سأستخدمها في أبحاثي، سواء الحالية أم المستقبلية، ولكن في الفترة الأخيرة قل اقتنائي للكتب نتيجة تمكني من الحصول على بعض الكتب إلكترونيا بتكلفة مجانية.

  • ما هو الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

عادة يوجد أكثر من كتاب أقرأه في ذات الوقت، رغم أن بعضا منها يأخذ وقتا أطول من الأخر، وهذا الأمر ليس مرتبطا بحجم الكتاب، وإنما بدرجة الاستمتاع في القراءة. حاليا أقرأ كتابين، الأول "وثائق الهيئة الإسلامية العليا" لسماحة الشيخ سعد الدين العلمي، وهو أقرب لتوثيق التجربة الشخصية، أقرأه لغرض بحثي، كما أقرأ كتاب "الخروج إلى النور" لنبيل عناني، وبعضا آخر من الكتب الذي بدأت بقراءته وجمدت القراءة فيه لبعض الوقت.

كتاب "الخروج من النور" وهو تجربة فنان تشكيلي في الأرض المحتلة، أقارنه بكتاب "اليد ترى والقلب يرسم" لتمام الأكحل الذي يعكس تجربة فنانين تشكيليين، تمام الأكحل وإسماعيل شموط، في الشتات، والسؤال لدي كيف اختلفت التجربتين كون الأولى في الأرض المحتلة والثانية في الشتات، مع الأخذ بعين الاعتبار المحددات الأخرى، إضافة لما يتضمنه الكتابين من أحداث مثيرة بعيدا عن المقارنة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة نجلاء أبومرعي

مكتبة فيصل الأحمر