12-نوفمبر-2019

أجلت جلسة البرلمان اللبناني لمناقشة قانون العفو العام بسبب حالة السخط ضده (Getty)

فيما وصفها البعض محاولة من السلطة اللبنانية لاحتواء الشارع بعد أكثر من 23 يومًا من الانتفاضة في الشارع، تسعى السلطة إلى إقرار بعض القوانين التي وصفها رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، بـ"الثورة التشريعية".

تسعى السلطة اللبنانية لتمرير قوانين وصفها نبيه بري بـ"الثورة التشريعية"، أثار أحدها، وهو قانون العفو العام، سخطًا واسعًا

القوانين التي قال بري إنها تهدف إلى "محاربة الفساد وتحقيق مطالب الثوار عبر المؤسسات الدستورية"، تتضمن قانونًا لمكافحة الفساد وآخر لإنشاء محكمة للجرائم المالية، وأيضًا قانون ضمان الشيخوخة. أما أكثرها إثارة للجدل، كان قانون العفو العام.

اقرأ/ي أيضًا: حكومة التكنوقراط.. فخ السلطة للانتفاضة اللبنانية

وقبيل الموعد الموعد الذي كان مقررًا للجلسة التشريعية، أمس الإثنين 11 تشرين الثاني/نوفمبر، سُربت بنود مسودة قانون العفو العام، لتثير حالة عامة من السخط في الساحات والشوارع المنتفضة، وكذا على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووصل السخط إلى حد إطلاق دعوات لحصار مبنى مجلس النواب ومنع انعقاد الجلسة، وهو ما ترتب عليه قرار رئيس المجلس، بتأجيل الجبسة إلى الثلاثاء اللاحق، بتاريخ 19 تشرين الثاني/نوفمبر، بنفس جدول الأعمال.

تفنيد قانون العفو العام

وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، أسباب عدم قبولهم بالجلسة التشريعية، التي أكدوا أنها لا تلبي مطالبهم. وجاءت الأسباب كالآتي:

  • عدم تضمن جدول أعمال الجلسة أي مناقشة للقوانين الأكثر إلحاحًا لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية مثل الموازنة والضوابط على رأس المال. 
  • عدم تضمنه مناقشة أي قوانين تخص استقلالية القضاء، بل على العكس تتضمن حزمة القوانين المطروحة، إنشاء محكمة استثنائية غير مستقلة. 
  • كذلك عدم تضمن جدول أعمال الجلسة مناقشة تعديل قانون التربح غير المشروع، المعروف باسم "قانون من أين لك هذا؟". 
  • عدم تضمنه مناقشة قوانين لإصلاح الهيئات الرقابية كالتفتيش المركزي وإدارة المناقصات.

وكانت من الاعتراضات أيضًا عدم نشر الاقتراحات المطروحة على جدول أعمال المجلس، بما يسمح للرأي العام بمناقشتها، وإنما تم تسريب بعضها، وعلى رأسها قانون العفو العام، الذي قال عنه نشطاء إنه قانون معد خصيصًا من قبل السياسيين للعفو عنهم!

عفو السياسيين عن أنفسهم؟

هذا وشملت المسودة المقترحة 10 بنود، بخلاف مادة النشر، كان أبرز مقترح قانون منح العفو العام عن مجموعة من الجرائم التي اُرتكبت قبل تاريخ 30 تشرين الأول/أكتوبر 2019، سواء تم تحريك دعاوى فيها أو لم تُحرك، أو صدرت بها أحكام أم لم يصدر. 

ويشمل مقترح القانون، العفو عن العديد من الجرائم مختلفة الأنواع فيما فيها جرائم تعاطي أو تسهيل تعاطي المخدرات أو ترويجها دون نية ربحية أو زراعتها. ومجموعة أخرى من الجرائم استُثني منها تبييض الأموال والإرهاب وتمويله وتجارة الآثار وقتل العسكريين أو المدنيين أو خطفهم.

قانون العفو العام في لبنان

قانون العفو العام في لبنان

وعدد النشطاء انتقاداتهم للقانون، والتي كان من بينها أنه سيسمح بالعفو عن الجرائم البيئية، مثل الجرائم في حق الموارد المائية والمسببة للتلوث، وكذا بعض الجرائم المالية وجرائم التعذيب، ليصفوه بالقانون الذي جاء من أجل "تعزيز الزبائنية والعفو عن الذات" كما حدث بعد اتفاق الطائف من عفو عن "أمراء الحرب" بقانون 1991.

البعض أشار إلى أنه في حال أُقرّ القانون، فسوف يتم العفو عن قرابة 30 ألف متهم في جرائم المخدرات، الأمر قد يمثل تهديدًا على المجتمع، بإطلاق سراح جماعي لهؤلاء. 

كما أبدا البعض التخوف من أن يشمل قانون العفو، عفوًا عن الموقوفين بتهم الإرهاب والتطرف، بضغوط من بعض القوى السياسية لكسب تأييد شعبي وسط طوائفهم. 

شكوك التوقيت

يرى المحامي والناشط المدني سامر حمدان، أن قانون العفو العام المقترح، يثير العديد من الشكوك، بداية من توقيت طرحه بعد زمن طويل من انتظار اللبنانيين له.

وأشار حمدان في حديثه لـ"الترا صوت"، إلى أن ما يثير الشكوك حوله الآن، أنه يأتي في وقت تسبق عليه "أولويات" من جهة ما يطالب به الشارع اللبنانية. كما يرى حمدان أن القانون قد يُستخدم ورقة لتقسيم الرأي العام اللبناني، بما يضعف من قوة وزخم الانتفاضة اللبنانية.

ومن بين الشكوك حول قانون العفو العام، والتي يطرحها حمدان، أن يكون القانون بهدف إثارة الجدل لصرف الأنظار عن تمرير القانون الخاص بإنشاء محكمة استثنائية مستقلة عن القضاء اللبناني، لمحاكمة المتهمين في قضايا الفساد، "حيث سيتم تعيين قُضاة بعينهم لتلك المحكمة وسيقوم بتعيينهم الفاسدين أنفسهم"، كما يقول.

قانون العفو العام في لبنان

قانون العفو العام في لبنان

وأشار حمدان إلى أن "هناك لغط متداول بين الناس عن أنّ القانون سيشمل العفو عن جرائم المال العام والاختلاس، وهو أمر خاطئ، فمسودة القانون تستثني من العفو تلك الجرائم، وخاصة الجرائم التي كانت بقصد اختلاس أو اهدار المال العام والأملاك العامة". 

وأوضح: "ربما كان ذلك اللغط سببه الصياغة الغامضة وغير الواضحة التي خرجت بها المسودة"، لافتًا إلى أن "الغريب في القانون هو النص على أن يشمل العفو جرائم أخرى غير مقبول العفو فيها، مثل التهرب الضريبي، مع التخوف بأن يتم في اللحظة الأخيرة تضمين أنفسهم (السياسيين) في القانون بإدخال جرائم الأموال العامة ضمن العفو".

هذا وكان رئيس مجلس النواب، نبيه بري، قد اتهم الدعوات لتعطيل انعقاد المجلس، والتي تسببت في تأجيل الجلسة المقررة، بأنها "تهدف إلى إبقاء الفراغ السياسي قائمًا". وأبدى بري تعجبه من "رفض جلسة أغلب جدول أعمالها تعبر عن مطالب شعبية"، على حد قوله.

إنكار الأولويات

من جانبها، قالت إلهام برجس، عضو لجنة الشؤون القانون في مجموعة "لحقي"، إن جدول أعمال مجلس النواب "يغمره إنكار كامل للأولويات الواضحة التي ترفعها الثورة، والاستعاضة عنها بالاستجابة لمطالب قديمة العهد، كانت مرفوعة لسنوات عديدة بلا مجيب، لكن بصيغة مشوّهة تخدم السلطة". 

وتعود المطالبة بقانون العفو العام لسنوات مضت، خاصة في قضايا الغارمين والغارمات، والسجناء الموقوفين بلا محاكمات. لذا، تعتقد برجس، في حديثها لـ"الترا صوت"، أن السلطة "أصبحت في حاجة لإصدار قانون عفو لشراء صمت جزء من الشارع، بالإفراج عن الأهل والأقارب، دون حتى منحهم حق الوصول للعدالة"، كما تعتبره "معبرًا لتبرئة الفاسدين ومهدري المال العام".

قانون العفو العام في لبنان

قانون العفو العام في لبنان

وعددت برجس ما وصفتها بـ"الثغرات الكبيرة التي تعتري القانون": يفتح الباب أمام العفو عن جرائم مالية لا سيما التهرب الضريبي، وعن الجرائم البيئية والتي تمتلئ المحاكم بدعاوى تتعلق بها، خاصة بعد تزايد عدد مكبات النفايات منذ 2015 وإغراق البحر بالنفايات. 

ومن الثغرات أيضًا تعديل دور محكمة التمييز، إذ يُلزمها القانون بقبول كل طلبات النقض المتصلة بالقوانين التي لا ينطبق عليها العفو، حتى لو لم تتوفر فيها الشروط اللازمة لقبول التمييز.

من الشكوك حول قانون العفو العام، أن يكون بهدف لفت الأنظار عن تمرير قانون إنشاء محكمة استثنائية مستقلة عن القضاء لقضايا الفساد! 

بهذا المعنى، وفقًا لإلهام برجس، يُلزم قانون العفو العام، محكمة التمييز، بأن تعيد فتح الملفات التي لا تستفيد من العفو، "ما يفتح بابًا واسعًا لتبرئة المجرمين غير المشمولين بالقانون، والذين تثبّت القضاء من ارتباكاتهم الجرمية، وهو ما يعني تعطيلًا لقانون العقوبات، بدلًا من أن يكون عفوًا عن جرائم بذاتها لأحداث بأثر محدد"، تقول برجس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

خطاب حسن نصر الله.. محاولات متناقضة لركوب موجة الانتفاضة

متحرشون وشعبويون.. فنانون ضد انتفاضة اللبنانيين