08-ديسمبر-2015

268 معتقلًا لقوا حتفهم داخل السجون المصرية (AFP)

ملف المعتقلين في مصر من أكثر الملفات بؤسًا، ولاعتبارات أخلاقية وسياسية واجتماعية يضع مصر على خارطة دول القمع المتصدرة للمشهد في العالم. في الماضي، كان القمع يتم بمباركة شعبية، بعدما أقنعت وسائل الإعلام أن التأييد يحقن الدماء، وأنه الجبل العاصم من الاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري. 

فقدت ممارسات القمع كثيرًا من التأييد الشعبي، ليس لوعي مفاجىء لفحشها، لكن لأنها طالت الكل

أما اليوم فلا شيء إطلاقًا يخص ما يمكن أن نسميه بالاستثناء في هذا الملف تحديدًا. فقدت ممارسات القمع لوحشيتها وقسوتها كثيرًا من التأييد الشعبي لها، ليس لوعي مفاجىء بفحشها وقتامتها بل لأنها طالت "الكل"، بين قوسين. الكل بمعنى أن الإنسان في ملف المعتقلين تحول إلى رقم، أو وحدة لسد خانة العجز في الحصول على متهم.

القمع في سلطة القانون

في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2013، قبل رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور مسودة التشريع التي أعدها وزير العدل الأسبق عادل عبد الحميد بتغيير نص الفقرة الأخيرة من المادة (143) من قانون الإجراءات الجنائية، والتي كانت تنص فيما سبق على أن "مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة النقض للمحكوم عليهم بالإعدام أو السجن المؤبد لا تتجاوز السنتين"؛ لتصبح "يجوز لمحكمتي النقض والجنايات أن تأمرا بحبس المتهم احتياطيًّا لمدة خمسة وأربعين يومًا قابلة للتجديد" دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في المادة (143). 

بناءً على ما سبق يتحول الحبس الاحتياطي إلى حبس غير محدد المدة، ريثما يتم تلفيق التهم المناسبة وإعدادها قانونيًا لتوجيهها للمتهم. ولذا نجد كثيرًا من المعتقلين في مصر بلا تهم ولا محاكمات. ومع تكرار هذا النمط القمعي من الحبس دون توجيه تهم أصبح كل من الأهالي والمعتقلين، وأحيانًا المحامين، في انتظار معرفة نوعية التهم التي سيتم تلفيقها للمعتقل. ناهيك عن طرق الاعتقال أصلًا التي تصل إلى الخطف من مقار العمل ومن المنازل ومن الشوارع.

على الجانب الآخر، وحسبما ورد في جريدة "البديل" في هذا الشأن، نجد أن النظام في مصر يسير بشكل انتقائي بخصوص ملف المعتقلين احتياطيًا، فلم يرد ذكر حالة واحدة اعتقل فيها ضابط أو أمين شرطة أو رئيس نيابة على ذمة أي من قضايا قتل المتظاهرين خلال فترة كانون الثاني/يناير 2011. من المنطقي أنه لا يوجد أحد يطبق القانون عليه وهو متهم، خصوصًا إذا كانت العدالة وفق إجراء يتخذه هو نفسه، وهذا هو الحال في مصر.

مؤسسات حقوقية متورطة

يوم الخميس السابع والعشرين من آب/أغسطس الماضي، قام المجلس القومي لحقوق الإنسان بزيارة لسجن العقرب، ذي الحراسة المشددة، لمعاينة أحوال السجن وللاطلاع على شكاوى أهالي المعتقلين، التي تتمثل في الحرمان من الزيارة الأسبوعية، والحرمان من الأغطية ومن إدخال الملابس والطعام والمبالغ المالية. والاعتقال في أوضاع صحية خطيرة ، لا تسمح بتهوية مناسبة، بالإضافة إلى الإهمال الطبي المتعمد المفضي في أغلب الأحيان إلى الموت.

يتحول الحبس الاحتياطي إلى حبس غير محدد المدة، ريثما يتم تلفيق وإعداد التهم قانونيًا

في تلك الزيارة طلب وفد المجلس من مسؤولي وزارة الداخلية وقطاع مصلحة السجون تمكينه من الاطلاع على دفاتر زيارات السجن، وأمانات السجن ودفتر التعامل مع كانتين السجن، وكذلك فحص الملفات الصحية لعدد من السجناء أصحاب الشكاوى المقدمة للمجلس. 

وفي النهاية، طلب الوفد لقاء السجناء أصحاب الشكاوى المقدمة للمجلس، والاطلاع على مرافق السجناء للوقوف على مدى تطورها. يعني أن الظالم والقاضي واحد أيضًا هذه المرة! جاءت نتائج التقرير في مجملها بائسة، دون ضمانات بنزاهته من أي جهة أخرى غير الوفد الحقوقي الذي يعمل مع الدولة بطبيعة الحال ووفد الداخلية. ونتائجه واردة في جريدة الوطن وهي مضحكة وغبية ولا تسمح حتى بالتناول الجاد في هذه المساحة، ولكن أذكر منها: أن المعتقلين بخير ويحظون بعناية إدارة السجن ولا صحة عن عدم توفير البرادات لهم في الصيف أو إغلاق المقصف لهم، وأنهم يتمتعون بقراءة الصحف اليومية ولهم الحق في استعارة الكتب. 

معتقلون: شهادات وأرقام وتقارير

ذكر تقرير أعدته "منظمة العفو الدولية" أن عدد المعتقلين في مصر منذ الثالث من تموز/يوليو 2013 وحتى الآن، بلغ حوالي 41 ألف معتقل في السجون المصرية. وفي تقرير لفريق الاعتقال التعسفي التابع للأمم المتحدة، قال إن هناك أكثر من 3200 طفل تحت سن الثامنة عشر اعتقلوا منذ الانقلاب، ما زال أكثر من 800 منهم رهن الاعتقال، وتعرض أغلبهم للتعذيب والضرب المبرح داخل مراكز الاحتجاز المختلفة.

منذ الثالث من تموز/يوليو 2013 وحتى الآن، بلغ عدد المعتقلين في مصر حوالي 41 ألف معتقل

ذكر التقرير نفسه أن 268 سجينًا لقوا حتفهم داخل السجون. ناهيك عن اعتقال المحامين الحقوقيين ذاتهم القائمين على الدفاع عن المتهمين الذين يعملون في ظروف بالغة التعقيد والصعوبة. من المعروف أن السجون المصرية أصبحت كاملة العدد اليوم، وأن الضريبة المفروضة على أهل المعتقل لجعله ينتقل إلى زنزانة يستطيع أن ينام بها خمسون جنيهًا أو أكثر يوميًا. هناك حالات اعتقال لا يستطيع فيها الأهالي إرسال محامين لتعذر التعرف على أماكن الاحتجاز أصلًا، والمشكلة أنه بعد التوصل إلى المعتقل، يكون بالفعل محتجزًا على ذمة إحدى القضايا.

في الأساطير الأفريقية التي كنا ندرسها في مادة الأدب في السنة التحضيرية للدراسات العليا، ذكر أنه كان هناك صياد يحبس عدة أسود عجوزة في أقفاص ضيقة في أحد الأركان المظلمة في سيرك قديم. كان الصياد يسخر من قدرة الأسود على فعل أي شيء، ويرى أن قدرتها تتضاءل مع مرور الزمن وتناقص فترات التريض المتاحة لها. حتى الطعام كان يُعطى لها بحساب حتى لا تهاجم حارسها. الحقيقة أن الأسود لم تنج، لكن القرود التي كانت شاهدة على تعذيبه للأسود استطاعت الهرب من أقفاصها، وانتقمت للأسود. ولم ينج الحارس الذي ظن أنه سيظل بخير إلى الأبد. 

اقرأ/ي أيضًا:

حفلة الدم المقدسة

دموع الضفة الأخرى