14-نوفمبر-2017

تشهد تونس جدلًا واسعًا بسبب مشروع قانون لحماية الأمنيين (نيكولاس فاكو/ Getty)

الحادثة الإرهابية الأخيرة في تونس، التي استهدفت حياة ضابط أمن، أعادت للمشهد الحديث عن مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين والعسكريين، حيث طالبت النقابات الأمنية البرلمان بالمصادقة على المشروع، مهدّدة برفع الحماية الأمنية عن نواب البرلمان.

وبالفعل، انطلق البرلمان خلال هذه الأيام، لمناقشة مشروع القانون الذي ترفضه مختلف مكونّات المجتمع المدني وعديد الأحزاب، وقد وصفته نقابة الصحفيين بأنه "تهديد واسع لمكسب الحرية بعد الثورة"، فيما أطلق ناشطون حملة بعنوان "المواطن شكون يحميه؟" (من يحمي المواطن؟) رفضًا لما اعتبر سيفًا مسلّطًا على الحقوق والحريات العامّة.

خرق للدستور ومصادرة للحريات

ويضم مشروع القانون تهديدًا للحريات وفق معارضيه، ومنها حرية الصحافة، حيث يشير الفصل الرابع منه إلى أن "كل المعلومات المتعلقة بالأمن في تونس تعتبر أسرارًا لا يمكن استعمالها أو مسكها أو تداولها بأي وسيلة من الوسائل بما في ذلك الإعلام"، وهو ما يتعارض مع حرية الصحافة وحق النفاذ للمعلومة، وسط مخاوف من عودة الدولة البوليسية من الباب الخلفي، في بلد لم يتمم مسار الانتقال الديمقراطي.

اقرأ/ي أيضًا: قانون النفاذ إلى المعلومة في تونس:خطوة نحو التعتيم

كما يتضمّن مشروع القانون جملة من العقوبات المشدّدة بشكل لا يتناسب مع الجرائم الواقعة، ومن ذلك أنه يعاقب "بالسجن بقية العمر كل من تعمد حرق أو هدم مقر أسلحة أو حرق أو تحطيم عربة أو آلية تابعة للقوات المسلحة"، كما يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام "كل من هدد بارتكاب جناية أو جنحة في حق عون من الأعوان".

يناقش البرلمان التونسي مشروع قانون لحماية الأمنيين، وصفته قوى مدنية بأنه يمثل تهديدًا للحقوق والحريات العامة

ومن أكثر الفصول إثارة للجدل ما يتعلق بعقوبة سنتين "لكلّ من تعمد تحقير القوات المسلحة بقصد الإضرار بالأمن العام"، حيث يستعمل هذا الفصل عبارات فضفاضة قد تؤدي للمسّ بحرية التعبير. وفي حديثه لـ"ألترا صوت"، يقول الباحث في القانون، رضا السكرافي، إن "مشروع القانون يضرب الدستور، وهو بمثابة محاولة لإعادة الدكتاتورية عبر تكريس منطق الإفلات من العقاب بمنطق الدولة البوليسية التي ترى في أبسط الحريات مساسًا بالأمن العام".

من جانب آخر، يعتبر معارضو القانون أن الفصل 18 يؤدي لإطلاق يد الأمنيين لاستعمال القوّة دون ضابط، وبتمتيعهم بالإفلات من العقاب، حيث ينصّ هذا الفصل على عدم ترتيب أية مسؤولية جزائية على عون القوات المسلحة الذي تسبب في إصابة المعتدي أو في موته، إذا كان هذا الفعل ضروريًا لبلوغ الهدف المنشود. 

ويضيف السكرافي: "كان من الأجدر حماية الأمنيين عبر وسائل أكثر فاعلية، مثل تحسين وضعياتهم الاجتماعية وتحديث آليات العمل وضمان تغطية اجتماعية تتناسب وحجم الخطورة التي يتعرضون لها"، مشيرًا إلى أنّ "حماية الأمنيين لا تتم عبر قمع المواطنين وسلب حقوقهم".

رفض واسع واتجاه نحو التعديل

ويلقى مشروع القانون رفضًا واسعًا من مختلف القوى المدنية والحقوقية، إضافة للمنظمات الوطنية على رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية في تونس، حيث أكد أمينه العام المساعد حفيظ حفيظ، على أنّ "الاتحاد يرفض مشروع القانون في صيغته الحالية، وأن بعض الفصول غير دستورية". وانتقدت بدورها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، مشروع القانون، معتبرة أنه "مفعول عكسي في توسيع الهوة بين المواطن وعون الأمن"، فيما دعت الهيئة الوطنية للمحامين لسحب المشروع، معتبرةً أنه "انتكاسة وعودة إلى الوراء".

يواجه مشروع قانون الأمنيين بتونس، حملة رفض واسعة من مختلف القوى المدنية والحزبية، التي تصفه بأنه "انتكاسة وعودة للديكتاتورية"

وفي نفس السياق، اعتبر مكتب منظمة هيومن رايتس واتش في تونس، أن المشروع "يؤدّي إلى قمع المواطنين وسجنهم"، فيما أكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أن المشروع "يفتح الباب لعودة الديكتاتورية". كما اعتبرت كلثوم كنو، الرئيسة السابقة لجمعية القضاة التونسيين، أن "حماية الأمنين والجيش تتوفر بتمكينهم من المعدات وتدريبات للتصدي للخطر لا بقوانين تكون سيفًا بيدهم يسلط على المواطن الأعزل".

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. إطلاق سراح "دولة البوليس"

وكتب عضو نقابة الصحفيين المهدي الجلاصي، قائلًا إنه خلال تقديمه موقف نقابته للبرلمان، تحدث عن "أفواج الصحفيين والمواطنين التي ستدخل السجن بسبب إفشاء سر أمني حتى لو كان ذلك السر فاتورة شراء طاولات وكراسي لوزارة الداخلية"!

وعلى مستوى الأحزاب، أكد التيار الديمقراطي أن مشروع القانون "يمثّل خطرًا على الديمقراطية وتكريسًا للإفلات من التتبع القضائي"، فيما قالت الجبهة الشعبية، أكبر كتل المعارضة في البرلمان، إن مشروع القانون "يهدف لجعل الأمني عصا غليظة"، وأنه لا يوجد فراغ تشريعي لحماية الأمنيين.

ومن المنتظر أن يلحق مشروع القانون تعديلات جوهرية، فيما لم يتم تحديد إذا ما كان سيتم تعديل المشروع المعروض أو صياغة مشروع جديد بإشراك الأطراف المعنيّة وفق ما تدعو عديد المنظمات.

الخشية الدائمة من "عصا البوليس"

لا يوجد فراغ قانوني يحول دون توفير الحماية اللازمة للأمنيين والعسكريين أثناء قيامهم بمهامهم، وتتضمّن المجلة الجزائية فصولًا تضبط عقوبات مشدّدة للاعتداءات على الموظفين العموميين، وهو ما يجعل سَنّ قانون خاصّ لحماية الأمنيين أمرًا مثيرًا للريبة، ونحو هذا الاتجاه صرح عميد المحامين عامر المحرزي، قائلًا إنّه "لا يوجد داعٍ لإفراد الأمنيين بقانون خاصّ".

ورغم نصّ الدستور على أن "الأمن الوطني هو أمن جمهوري"، وبأنه يقوم بمهامه "في كنف احترام الحريات"، فإن المخاوف من الدولة البوليسية واستقواء المؤسسة الأمنية بما هي تحتكر العنف الشرعي باسم الدولة على حساب حقوق الأفراد وحرياتهم؛ تظلّ باقية في ظل عدم استكمال مسار الانتقال الديمقراطي.

وتتزايد المخاوف تحديدًا مع عدم إصلاح المنظومة الأمنية، وعدم القيام بالإصلاحات المؤسساتية والمحاسبة ضمن العدالة الانتقالية بخصوص وزارة الداخلية، وهي المتسبّب الرئيسي في انتهاكات حقوق الإنسان زمن الاستبداد. وفي هذا الجانب، يقول الباحث رضا السكرافي لـ"ألترا صوت": "لن يساهم مشروع القانون إلا في مزيد توتير المناخ العام وتوسيع الهوة الموجودة أصلا بين الجهاز الأمني وسائر المواطنين التونسيين".

تزداد المخاوف من قانون حماية الأمنيين في تونس، بسبب عدم إصلاح المنظومة الأمنية المتسببة في الانتهاكات زمن الاستبداد

كما تساهم النقابات الأمنية التي تم إنشائها بعد الثورة في تعزيز مخاوف القوى المدنية، خاصة وأن عديد هذه النقابات تُتهم بانخراطها ضمن أجندات سياسية، وبأنها لا تحترم أصول العمل النقابي وخصوصية العمل الأمني، وهي التي سبق وحاولت اقتحام مقر رئاسة الحكومة، إضافة مؤخرًا لتهديدها برفع الحماية الأمنية عن البرلمانيين فيما يكشف عن مقايضة مطالبهم مقابل القيام بواجباتهم المحمولة عليهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإجابة ليست تونس!

هل أتاكم حديث عدالة انتقالية محاصرة؟