09-مارس-2016

حملة لمنظمة البوصلة للتعريف بهنات مشروع قانون الحق في النفاذ إلى المعلومة(فيسبوك)

"قانون يحول دون الحصول على المعلومة"، هكذا يلخص جزء واسع من المجتمع المدني التونسي مشروع القانون الخاص بالحق في النفاذ إلى المعلومة، وهو القانون عدد 55 لسنة 2014 والذي انتظرته فئات واسعة من الناشطين والجمعيات المدنية، أملًا في أن يضمن حقًا طالما بقي حبرًا على ورق وأن يركز الشفافية ويكون منطلقًا لمقاومة الفساد المستفحل في البلاد. أودعته رئاسة الحكومة التونسية بمجلس النواب في 15 من أغسطس/آب سنة 2014، وهو يتضمن 62 فصلًا. تمت مناقشته في البداية في لجنة الحقوق والحريات في 22 اجتماعًا خلال الفترة ما بين الرابع من مارس/آذار 2015 و23 من فبراير/شباط الماضي، ثم انعقدت أولى جلسات مناقشته في مجلس النواب قصد المصادقة عليه يوم 8 من مارس/آذار الجاري.

"قانون يحول دون الحصول على المعلومة"، هكذا يلخص جزء واسع من المجتمع المدني التونسي مشروع القانون الخاص بالحق في النفاذ إلى المعلومة

ويثير مشروع القانون حول حق النفاذ إلى المعلومة جدلًا حتى قبل الانطلاق في مناقشته في مجلس النواب، إذ كانت الجمعية التونسية للصحافيين البرلمانيين قد دعت، في بيان لها، إلى تأجيل النظر فيه واعتبرت أنه ينخرط في "عملية التضييق على النفاذ إلى المعلومة" وأنه "مغرق بالاستثناءات ويساهم في تقنين التعتيم على المعلومة وغلق المنافذ أمام بلوغ الحقائق".

ومن جانب آخر، طالبت منظمة "بوصلة" ونقابة الصحفيين التونسيين في ندوة صحفية مشتركة، بتغيير الفصل 24 من مشروع القانون، وهو المتعلق بالاستثناءات من الحق في النفاذ إلى المعلومة، وهو ما تدعمه منظمة "أنا يقظ" (I Watch) أيضًا، في تأكيد أن هذه الاستثناءات "غير دستورية وتنسف حق النفاذ إلى المعلومة تمامًا". في هذا السياق، تقول إنتصار العرفاوي، المستشارة القانونية لمنظمة أنا يقظ، لـ"الترا صوت": "نعارض الفصل الذي يتضمن الاستثناءات لأنها أفرغت القانون من محتواه، إذ يمكن أن يدخل أي مطلب للحصول على معلومة تحت طائلتها".

اقرأ/ي أيضًا: عامان في عمر الدستور التونسي.. والتفعيل منقوص!

وينص الفصل 24 من مشروع القانون أن للهيكل المعني أن يرفض مطلب النفاذ إلى المعلومة في عدة مجالات من بينها: "العلاقات الدولية، المصالح الاقتصادية للدولة، المصالح التجارية المشروعة للهياكل الخاضعة لأحكام هذا القانون والغير بما في ذلك حقوق الملكية الفكرية والصناعية، المداولات وتبادل الآراء ووجهات النظر والاستشارات" ومجالات أخرى.

وتوضح العرفاوي لـ"الترا صوت": "الكلمات المعتمدة في هذا الفصل فضفاضة ويمكن استخدامها في أي مجال كالحديث عن المصالح الاقتصادية للدولة كما أن بعض الاستثناءات لا دستورية كالاستثناء المتعلق بالحصول على المداولات وتبادل الآراء ووجهات النظر وهو ما يتعارض مع حق دستوري متعلق بالديمقراطية التشاركية والتي نسعى لتطبيقها على أرض الواقع في تونس مع الانتخابات البلدية القادمة ويكون بذلك بإمكان المواطنين الاطلاع على محتوى الاجتماعات البلدية والمشاركة في تحديد مخطط التنمية لمنطقتهم".

حملة لمنظمة البوصلة للتعريف بهنات مشروع قانون الحق في النفاذ إلى المعلومة(فيسبوك)

تعتبر منظمتي "بوصلة" و"أنا يقظ" أن الاستثناءات التي تضمنها مشروع قانون النفاذ إلى المعلومة تناقض الدستور في فصليه 49 و32، وهذا الأخير يلزم الدولة بضمان الحق في النفاذ إلى المعلومة. ويقصد بالنفاذ إلى المعلومة، حسب الفصل الثالث من مشروع القانون، "نشر كل معلومة مدونة مھما كان تاریخھا أو شكلھا أو وعاؤھا والتي تنتجھا أو تتحصل علیھا الھیاكل الخاضعة لأحكام ھذا القانون في إطار ممارسة نشاطھا، وذلك بمبادرة من الھیكل المعني ويكون من الممكن الحصول علیھا بطلب".

تعتبر منظمتي "بوصلة" و"أنا يقظ" أن الاستثناءات التي تضمنها مشروع قانون النفاذ إلى المعلومة تناقض الدستور في فصليه 49 و32

"لو تمت المصادقة على مشروع القانون بهذه الصياغة فلن يكون بإمكان الطالب الجامعي أو الباحث الاطلاع على دراسات متوفرة داخل الإدارة التونسية قد تخدم أبحاثه وتطورها ويمكن للإدارة أن تتعلل بأي من هذه الاستثناءات الفضفاضة لعدم تقديم المعلومة"، تضيف انتصار العرفاوي، عن منظمة "أنا يقظ". وتستدرك: "هناك استثناءات منطقية وكنا قد تعرضنا لها سابقًا وهي ذات العلاقة بالأمن والدفاع الوطني والمس من المعطيات الشخصية للأفراد، لكن بالنسبة لباقي المجالات وإذا كانت المصلحة العامة تقتضي الحصول على المعلومة فلا نرى مانعًا من ذلك".  

واستنكرت منظمات أخرى ومنها الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في بيان لها، ما اعتبرته "إصرار الحكومة على تمرير قانون يتعارض مع حق النفاذ إلى المعلومة، وسعيها لضرب حرية الصحافة وحق الجمعيات والمواطنين في الاطلاع على المعلومات وملفات الفساد".

وفي هذا الإطار، اعتبر رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ناجي البغوري "إصرار الحكومة وأعضاء لجنة التوافقات في مجلس النواب على تمرير استثناءات كتلك المتعلقة بالحقوق الاقتصادية اعتداءً على الدستور التونسي والمعايير الدولية، وتنكرًا لمطالب أغلبية الشعب التونسي في قانون يُعطي حرية أوسع للصحفيين في تقصي قضايا الرشوة والحوكمة والإدارة الرشيدة، ويلبي حاجة المواطنين في الإطلاع على كل المعلومات المتعلقة بالقضايا التي تهمهم".

أما في الجلسة الأولى لمناقشة مشروع القانون في مجلس النواب فتباينت الآراء، إذ رأت بشرى بلحاج حميدة، النائبة السابقة عن حركة نداء تونس والرئيسة السابقة للجنة الحقوق والحريات، أن "مشروع هذا القانون ينسجم مع المعايير الدولية والدستور وأن لكل قانون استثناءات"، الرأي الذي توافقه مثلًا النائبة عن حركة النهضة سلاف القسنطيني، التي توضح أن "هناك بعض المعلومات التي لا يجب تسريبها وعليه يجب احترام المعادلة بين الحرية والأمن العام للبلاد".

في المقابل، يرى زميلها في كتلة النهضة، عماد الخميري، أنه "يجب تعديل ما قدم من استثناءات، وأن مشروع هذا القانون على صيغته الحالية يرجعنا خطوتين إلى الوراء". وأضاف النائب نزار عمامي، عن كتلة الجبهة الشعبية، أن "الفصل 24 يخرق الدستور وفيه شكل من أشكال التضييق على الصحفيين والمجتمع المدني والمواطنين".  فيما يعتقد نواب آخرون أن مشكل القانون يكمن أساسًا في كيفية تطبيقه ومدى تقبله من المواطن التونسي، إذ رأى لطفي النابلي، النائب عن كتلة الحرة، أن "المشكلة ليست في القانون إنما في العقليات".

يجمع المجتمع المدني في تونس تقريبًا على اعتبار أن مشروع قانون النفاذ إلى المعلومة، في فصوله الحالية، يحجب المعلومة ويضيق على الحريات ويغذي عدم الثقة في السلطة وقد يبعث رسائل خطيرة حول مدى رغبتها في مكافحة الفساد وحول مسار تنقيح عديد القوانين المهمة المنتظرة. كما تجمع هذه المنظمات أن الحل الوحيد المتبقي أمامها، في حال تمت المصادقة على مشروع القانون، هو الطعن في دستورية بعض فصوله أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين.

حملة لمنظمة البوصلة للتعريف بهنات مشروع قانون الحق في النفاذ إلى المعلومة(فيسبوك)

اقرأ/ي أيضًا:

الحاوية بلجيكية والفضيحة تونسية

"مانيش مسامح".. انتفاضة تونسية أخرى؟