12-أبريل-2022
لوحة لـ سوزي بوتجا بوتيا نابالتجاري/ أستراليا

لوحة لـ سوزي بوتجا بوتيا نابالتجاري/ أستراليا

أمامنا مختارات لـ 25 شاعرًا وشاعرة من أستراليا يترجمها الشّاعر الجنوبيّ شوقي مسلماني (الجنوب اللبناني 1957) إلى العربيّة بعنوان "عندما ينظر الله في المرآة"، صدرت في دار "ديار للنّشر والتوزيع /تونس" عام 2018، وذلك في 188 صفحة من القطع الوسط.

الصفحة الأولى للشاعر - المترجم بعنوان "كذب المترجمون ولو صدقوا" مشيرًا فيها إلى أنّه قام بهذا العمل "تزجيةً للوقت"، وأنّه "بالإمكان تحقيق الترجمة ما دامت غير عصيّة"، لكنّ عنوان المقدمة يشي بقلق التّرجمة ويُشير أيضًا لكذب المترجم حتّى ولو صدق.

لاحظ الجاحظ منذ أكثر من ألف عام خلت معنى "خيانة الترجمة" حين قال باستحالة ترجمة الشّعر مستدركًا "إلّا بما يوازيه"، أي ترجمة قصيدة بقصيدة موازية لها

وتحفظ مسلماني يأتي في موقعه. هذا القلق لم يعان منه القائمون على مجلّة شعر من يوسف الخال إلى أدونيس إلى أنسي الحاج وشوقي أبي شقرا، وصولًا لعصام محفوظ وجبرا ابراهيم جبرا، ممن قاموا هم وآخرون حضنتهم المجلّة على امتداد 11 عامًا من الصّدور بين شتاء 1957 وشتاء 1969 بترجمة معظم الشّعر العالمي، وبخاصّة الفرنسي منه والإنجليزي والأمريكي إلى العربية، بالإضافة إلى دراسات حول هذا الشّعر وشعرائه. حتّى ليبدو أنّ أمر الترجمة محسوم ومبتوت به وهنا تكمن المشكلة. إذ كان يجبُ مناقشة قلق ترجمة الشّعر بالذّات وإمكانيتها وجدواها وهل هي حقًا قابلة للتحقق أم أنّ ثمّة "خيانة ما" تتمّ مع كلّ ترجمة، تبعًا للقول الفرنسي "أن نترجم يعني أن نخون" (traduir Cest trahir). وهو قول لاحظ الجاحظ منذ أكثر من ألف عام خلت معناه حين قال باستحالة ترجمة الشّعر مستدركًا "إلّا بما يوازيه"، أي ترجمة قصيدة بقصيدة موازية لها. وهذا أمر شديد الدقّة والصّعوبة ويتطلّب شروطًا تكاد تكون نادرة، لذلك الشّعر روح لغة لا تترجم. وأنا حين قرأت ترجمات جماعة "شعر" الغزيرة الفاحشة وقرأت النّصوص الأساسية بلغاتها وجدت العجب بل ما يضحك أو يدعو للسّخرية أحيانًا. وربّما أعود لهذا الموضوع بالتّفصيل والنّماذج. ويحدُّ من الاندفاع الكاسح للمجلّة نحو ترجمة الشّعر ويضع علامة استفهام وأحيانًا ريبة.

الشعر الاسترالي

بالطّبع مع التطوّر والتّواصل وسيادة العولمة لا يمكنُ عزل الشّعر عن صيرورة التّفاعل والتّبادل المعرفيّ بين الشّعوب والأفراد. لكن ما لا يجب أن يُنسى ولو للحظة في مسألة ترجمة الشّعر من لغة إلى أخرى، تلك الشّروط الّتي تكاد تكون مستحيلة التحقّق في نقل نصّ شعريّ من لغة لأخرى. أنت في النّص المترجم أمام قصيدة قد لا تعرف أصلها اللّغوي إذًا أنت أمام قصيدة أخرى، من هنا نشأت فكرة النّص على النّص، وأيضًا فكرة ضرورة خيانة النّص الأصلي بنص جديد، وأنّ التّرجمة الحرفيّة للشّعر فاسدة بل قاتلة، وأنّ ترجمة المعاني لا تكفي وأنّ اللّغة في الشّعر سرٌ لا يترجم. وهكذا دواليك فعولمة الشّعر استتبعت نشوء احتمالات كثيرة وتحفظات شتى. ومع ذلك فترجمات الشعر قائمة وكثيرة ومتنوعة وبكلّ اللغات.

بالعودة إلى هذه التحفظات، يمكننا القول إنّ ما قدّمه شوقي مسلماني في ترجمة قصائد لشعراء أستراليين إلى العربيّة جزء مكمّل لجهود نقل الشّعر العالمي إلى العربية. سيما أنّ شعراء القارّة الأسترالية كانوا شبه محجوبين عن موجة الشّعر الفرنسي والأمريكي والإنجليزي والرّوسي الطامية التي كثرت وفاضت.

نسألُ هنا هل نجد جديدا في نماذج من 25 شاعرًا وشاعرة أستراليّين منقولين بمرايا الشّاعر المترجم وأسلوبه السّهل المباشر؟

الشّعر هو انعكاس الوجود في مرايا الله مع ما يطلب من الشاعر من قدرة التحويل أو التحوير للأشياء والمعاني. قدرةٌ هي أشبه بالسّحر

 

ونجيب: إذا كان يستحيل ترجمة روح اللّغة الشّعريّة وهي أساس، فإنه بالإمكان ترجمة المعنى. كما أنّ الصّورة يمكنُ نقلها من لغة لأخرى. ودائما سنسأل: أين هو الشّعر؟ أهو في ما يطرحه بيتر باكاوسكي (Peter Bakowski) في العنوان بقوله: "احلمني متسائلًا ماذا يرى الله في المرآة؟". باعتبار أنّ الشّعر هو انعكاس الوجود في مرايا الله مع ما يطلب من الشاعر من قدرة التحويل أو التحوير للأشياء والمعاني. قدرةٌ هي أشبه بالسّحر، حيث يقول باكوسكي: "أريد قصيدتك أن تحوّل بطاقتي بالقطار إلى كنار". ودائمًا هذا العبث أو السّحر أو اللّعب من خلال الكلمات هو إحدى الحيل الشّعرية ابتداءً من ملاحظة العابر والعادي والمبتذل، والنظر إليه بغرابة شعريّة كما في قصائد غرانت كالدويل (Grant Caldwell) أو بالشّطح السّريالي لمايكل شاركي (Michael. Sharkey) الذي يشير في أحد نصوصه إلى ساعات سلفادور دالي. سنقع على بقع للغربة في أرض اللّجوء بأستراليا لشعراء وافدين سيختمون ظاهر يدك بختم خفيّ" كولين زي بيرك (Colleen Z Burke). "وطالما الضعفاء واليائسون يحفرون قبورهم" تيريل جورج (Terril George)، لكنّ الأقسى من ذلك "أولئك الذين رفعوا أطفالهم فوق الموج العاتي" بحسب داني غادرنر (Danny Gardner).

وتستوقفنا روح السّخرية عند ل. إي سكوت (l. E. Scott) "قال القسيس وهو يقبض الدولارات: كم وددت أن أعرف أباك". وثمة نبرة سياسية عالية في قصائد جون ميليت (John Millet) وقد أعطى المترجم عنوان "قصائد حربية" لنصوصه. كما لا تفوتنا قصيدة تعاطف مع شعراء فلسطينيين مثل سميح القاسم ومحمود درويش وفدوى طوقان.

وفي القصيدة إشارة أخيرة لمجد أحمد المتنبي "ظلال التين والزيتون" لآن فيربرن (Anne Fairbairn)، ومع ذلك تجد قصائد هايكو صوريّة مختزلة لكيفن هارت (Kevin Hart) "قديسون فاسدون أينما كانوا". وشفافيّة عالية تأخذ أحوال وأشكال الأشياء في نصوص الشّاعرة آن ديفيس (Ann Davis) "خذني في مياه ناعمة".